صحيح أن وضع أهل السُّنة والجماعة ليس على ما يرام بعد إنسحاب سعد الحريري من الساحة السياسية، ولكن الأصح أيضاً أن هذا المكون الأساسي في النسيج الوطني، قادر على تجاوز تداعيات التطورات المتلاحقة بقدراته اللامتناهية، ومن خلال العودة إلى قواعد الحياة السياسية القائمة على التعددية، وعلى التنوع في المناصب القيادية، وعدم حصرها بطرف واحد أو شخصية واحدة.
لطالما كان التعدد والتنوع في القيادات السنّية بمثابة صمام أمان في مسار أهل الجماعة الوطني، حيث كان التنافس بين تلك القيادات يدور في معظم الأحيان على محور تقديم الخدمات والمشاريع الإنمائية، في إطار من الحرص على الحضور الفاعل في العمل الوطني، لا سيما في فترات التوتر والتأزم التي كانت تُداهم الوضع السياسي في البلد.
غير أن التنافس السياسي بين تلك القيادات، خاصة في المواسم الإنتخابية، كان يراعي دائما أصول وقواعد الإعتدال، القائمة أساساً على تفعيل المشاركة الوطنية مع المكونات الأخرى، والإبتعاد عن التطرف والمغالاة في طرح المواقف والمطالب، وإحترام خصوصية الآخر، والسعي دائما إلى تدوير زوايا الخلافات الطارئة، والتوصل إلى حلول وسطية على أساس القاعدة الوطنية «لا غالب ولا مغلوب» التي كرسها الزعيم الراحل صائب سلام، على الأساس الصلب للوحدة الوطنية: لبنان واحد لا لبنانان.
يمكن القول أن الإعتدال أصبح ثقافة الأجيال المتعاقبة في العمل السياسي لأهل الجماعة، من أعلى القيادات إلى أوسع القواعد، وبالتالي لا خوف على مسار الإعتدال بعد تعليق الحريري وتيار المستقبل نشاطهم السياسي، لأن هذه الثقافة متأصلة في تراث أهل الجماعة السياسي والوطني، رغم كل حملات التشكيك المغرضة التي تستهدف هذا المكون الأساسي، وعرينه في طرابلس الذي يحاول البعض تجاهل واقعها الوطني، وحرصها على تجربة العيش الواحد بين ألوان نسيجها الوطني، ويصر على تشبيهها بـ«قندهار أفغانستان»!
لأهل النوايا الخبيثة نقول: لا خوف على الاعتدال السنّي، ولا قلق من حصول أي فراغ سياسي، وكل آتٍ قريب!