بعيداً عن الإخفاقات المستمرة للسلطة اللبنانية في إدارة أخطر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط في مهاويها لبنان، تُسجل التجربة المصرية في الخروج من نفق العجز المالي المزمن، نجاحاً مطرداً، جعل من مصر أكثر دول الشرق الأوسط تقدماً في معدلات النمو الاقتصادي.
مصر التي يفوق تعدادها السكاني المئة مليون نسمة، وحجمها يفوق مساحة لبنان عشرات المرات، وجيشها والقطاع العام لا يُقارن بالوضع اللبناني، والعجز المالي الذي كانت ترزح تحت ضغطه أكبر بكثير من الدين اللبناني، ورغم عشرات المشاكل الإقليمية المحيطة بها، من الحرب في ليبيا إلى سد النهضة في أثيوبيا، استطاعت العبور إلى آفاق التقدم والنمو، عبر إجراءات إنقاذية حاسمة، لا يخلو بعضها من قرارات غير شعبية، ولكنها كانت أكثر من ضرورية لإعادة ترشيد الإنفاق الحكومي، وتخفيض معدلات العجز في الموازنة العامة.
لم يتردد الرئيس عبد الفتاح السيسي في تحرير سعر الجنيه، الذي تجاوز عتبة العشرين جنيهاً مقابل الدولار الواحد، ولم يخشَ رفع الدعم عن الرغيف وسلع غذائية أساسية أخرى، وترك أسعار المحروقات تتماشى مع أسعار النفط العالمية، ولكن مُقابل كل ذلك اعتمد البطاقة التموينية التي توفر المواد الغذائية الضرورية للأسر الفقيرة بأسعار مدعومة، وتتناسب مع أوضاع الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.
خلال أقل من خمس سنوات استطاع السيسي أن يحقق نقلات نوعية عديدة في مسار الاقتصاد المصري، حيث ارتفع سعر الجنيه نحو ٢٥ بالمئة أمام الدولار، وأنجز شق مسار مائي موازي لقناة السويس لاستيعاب تزايد حركة الملاحة الدولية في هذا الممر المائي الحيوي، وأنهى مشكلة الكهرباء ببناء محطات توليد بطاقة ١٥ ألف ميغاوات خلال أقل من سنتين فقط، وحقق في السنوات الأخيرة معدلات نمو مرتفعة، أوصلت مصر إلى المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر نمواً في العالم عام ٢٠٢٠.
بالأمس قلنا أن لبنان بحاجة لنموذج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لاستئصال الفساد ومعاقبة الفاسدين...
فهل نقول اليوم أننا بحاجة لشجاعة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إدارة الأزمات الاقتصادية واتخاذ القرارات الجريئة في تحقيق الإصلاح والإنقاذ، والخروج من دوامة الانهيارات..؟