بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيلول 2021 12:02ص لم نبلغ منتصف الليل

حجم الخط
يعرِّف العلم منتصف الليل على أنه اللحظة التي تكون الشمس في الشمال في نصف الكرة الشمالي وفي الجنوب في نصف الكرة الجنوبي، ويقابل هذا الوقت في النهار منتصف النهار أو وقت الظهيرة. وفي منتصف الليل بالتمام ينتهي اليوم السابق، ويبدأ يوم جديد.

الليل الطويل يلف لبنان ويعيش اللبنانيون في الظلام الدامس بعدما دخلت كهرباء لبنان في غيبوبة وانقطعت أخبارها تاركة المواطن اللبناني فريسة أصحاب المولدات الذين كانوا حتى الأمس القريب يصورون أنفسهم خدامًا أمناء للناس لإنقاذهم من براثن العتمة، وفجأة تحولوا إلى ذئاب كاسرة يصدرون جداول التقنين، يتحكّمون بالتعرفة الشهرية، يهددون بإطفاء مولداتهم وإعادة الناس إلى العتمة القاتلة. حتى الدولة نسيت مهمتها الأساسية في تأمين الطاقة عبر مؤسساتها الرسمية ونسيت أو تناست أنها مسؤولة عن أمن الطاقة مثل الأمن العام والأمن الغذائي والصحّي والاجتماعي، وانصرفت إلى التفاوض مع أصحاب المولّدات فانقلبت الأدوار ليصبح هؤلاء مسؤولين عن تأمين الكهرباء الأساسية فيما كهرباء لبنان غائبة تماماً وكأنها سافرت إلى جهة مجهولة، أم أنها تغطّ في نوم عميق بانتظار الأعجوبة.

أما المحروقات من مازوت وبنزين وغاز فقد انضمّت إلى مصادرإذلال للبنانيين الذين بات عليهم توزيع أوقاتهم للإصطفاف في طوابير الإنتظار صاغرين مباركين، عاجزين عن رفع الصوت عاليًا لإجبار ممثليهم المنتخبين والمعيّنين على تغيير سلوكهم الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه من أوضاع متردية.      

الليل الطويل يؤلم اللبنانيين الذين عادوا بالذاكرة إلى الشاعرة والكاتبة العراقية نازك الملائكة التي كتبت عن الظمأ إلى النومدون نوم، والبرد والجوع ونسيانهما بالحمى، وتحدثت عن المجتمع البشري على أنه صريع كؤوس فيما الرحمة تبقى لفظاً يُقرأ في القاموس. حتى نار جهنّم التي يكتوي بها اللبنانيون يوميًا تبقى نارًا ملتهبة تحرق التنوّع والإستقرار والكرامة الإنسانية كي يصبح الجميع سواسية كأسنان المشط، فيغرقون في الأزمات والأوجاع والقهر والقلق على المصير، لكنها نار تحرق دون أن يضيء لهيبها ظلام لياليهم وسواده القاتم.

إنها معاناة قاسية ومؤلمة يكابدها الشعب اللبناني الذي اُدخل في الليل المظلم بلا ذنب منه، وحبذا لو كان بإمكان الدولة تقديم الساعةـ وهو الإجراء الوحيد الذي نجحت في تطبيقه ـ علنا نبلغ منتصف الليل ليبزغ بعده فجر جديد.