تمثيل بيروت في خطر. الإمساك بمركزية القرار مهدد بالإستمرار. البنية السياسية للعاصمة متشظية. الواقع الإجتماعي مشرذم وصولاً لأعتى وأكبر العائلات البيروتية. والتنافس بين اللوائح المتعددة أشبه بصراع الديوك التي تُدّمي بعضها، فيما المتفرجون يحمّسون الطرفين المتقاتلين على التوغل في المعركة وإيذاء بعضهم بعضاً.
المسألة لم تعد تتعلق بهذا المرشح أو ذاك، ولا بهذه اللائحة أو تلك، بقدر ما أصبحت القضية تتعلق بتوازنات وطنية، وبمعادلات ميثاقية، تهتز حالياً نتيجة الإنقسام الحاصل في الشارع البيروتي، وإنعكاساته السلبية على إستقلالية القرار البيروتي، وعلى مكانة العاصمة في السلطة.
الخريطة الإنتخابية وإمتداداتها السياسية تُؤكد تحوّل بيروت إلى ساحة معركة بين الأطراف السيادية المتفككة الأوصال، والمتمثلة بعدة لوائح أبرزها لائحة «بيروت تواجه»، برئاسة القاضي خالد قباني ودعم الرئيس فؤاد السنيورة، ومحور الممانعة بقيادة حزب الله وحلفائه من حركة أمل والتيار العوني والأحباش والحزب القومي السوري.
وفيما أطراف المحور الإيراني تخوض المعركة بتماسك ظاهر، تُعاني القوى السيادية من حالة مرضية أصابتها بالتشرذم، والتصادم في السباق الإنتخابي، والذي بلغ أوجّه في تصعيد تيار المستقبل لحملته ضد المشاركين في الإنتخابات ترشيحاً وتصويتاً، ورفعه يافطات تدعو جمهوره والبيارتة إلى مقاطعة الإنتخابات، وعدم النزول إلى صناديق الإقتراع.
ورغم الملابسات التي أحاطت بهذا التصعيد غير المفاجئ، فإن الإشكالية الأساس التي يطرحها دعاة مقاطعة الإنتخابات تتمثل بترك الساحة السياسية والإنتخابية لأطراف المحور الإيراني الذي سيحصد عندها معظم المقاعد النيابية في العاصمة، ويتنزع قرار تمثيل بيروت من البيارتة ومن القوى السيادية الأخرى، لأن الفراغ الذي سينتج عن المقاطعة، سيتم ملؤهُ مباشرة من أحزاب الممانعة التي إستعدت لمثل هذا الإحتمال برص الصفوف، وبالضغوط التي مارسها حزب الله على حلفائه المتخاصمين لوضع خلافاتهم جانباً، والإعداد لمقتضيات المعركة الإنتخابية المفصلية.
من نافل القول أن الرد على المخاطر التي تهدد مركزية القرار البيروتي يكون في الإقبال بكثافة على التصويت، لممارسة الواجب الديموقراطي أولاً، ولتأكيد الهوية البيروتية للعاصمة التي تختصر النسيج الوطني بكل أطيافه، فضلاً عن الحفاظ على الحؤول دون وقوع قرار العاصمة مع محور الممانعة.