حملة رئيس التيار الوطني جبران باسيل على الرئيس نبيه برّي صدمت الوسط السياسي وأهل السلطة، لأنها تُعتبر خروجاً عن التسوية السياسية التي أنتجت الحكومة الجديدة، قبل أن يجف حبر مراسيم التشكيل.
باسيل الذي يحتل صدارة القرار الرئاسي للعهد الحالي، يُدرك تماماً أن افتعال الخلافات السياسية والعودة إلى أساليب التناحر والكيديات، يساهمان، وإلى حد كبير، في إجهاض إنطلاقة الحكومة الميقاتية، ويُعرقلان مساعيها لإعادة لبنان إلى خريطة الإتصالات والإهتمامات الدولية، ويُشوّهان صورة السلطة اللبنانية من جديد، ويقدماها إلى المجتمع الدولي بمشهد المنقسم على نفسه، والعاجز عن لملمة صفوف اللبنانيين، لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخ البلد.
لماذا استعجل باسيل فتح المعركة مع أحد الأعمدة الحالية للدولة، وما يُشكله من طريق قسرية للعهد لتأمين الخروج من دوامة الإنهيارات الراهنة؟
الإنطباع الأولي الذي يتبادر إلى أذهان العارفين بتكتيكات باسيل وأسلوبه في الإنقضاض على خصومه السياسيين، أن صهر العهد لا يهمه تأمين متطلبات نجاح الحكومة الأخيرة في الولاية العونية، بقدر ما يعنيه خوض معركته الرئاسية من الآن ضد الرافضين لمجرد البحث بإمكانية ترشيحه في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب وحليفاه المقربان سعد الحريري ووليد جنبلاط. والمعروف أن علاقة باسيل مع الأخيرين أكثر من عاطلة، وتصل إلى حد الخصومة السياسية والشخصية المريرة.
ومثل هذا الكلام لا يُسقط محاولة باسيل الواضحة لإحراج الرئيس نجيب ميقاتي، لأن هجومه على الرئيس بري جاء بعد لقائه مع رئيس الحكومة الذي يحرص على الحفاظ على العلاقات الودية، السياسية والشخصية التي تربطه برئيس المجلس النيابي، وما تحمله من وشائج صداقة وتعاون منذ فترة طويلة.
وتُعيد هجمة باسيل إلى الأذهان إسلوبه في التعاطي مع الأزمة الحكومية التي استمرت أكثر من سنة، بسبب إصراره مع فريق العهد على الحصول على الثلث المعطل، والتفرد بتسمية الوزراء المسيحيين، إلى جانب المشاركة في إختيار الوزراء السنّة، كما حصل إثر إعلان التركيبة الوزارية من تسريبات عن مقابلة باسيل أحد الوزراء السنّة، قبل الموافقة على ضمه للحكومة الجديدة!