لم تمر الدولة اللبنانية بمثل هذه الحالة من التفكك والتلاشي، التي تتفشى يوماً بعد يوم، في مختلف القطاعات والمؤسسات القانونية والدستورية، وكان آخرها قرار مجلس الشورى الذي أثار عاصفة من الغضب الشعبي، دفعت الناس إلى الشارع ليلاً للاحتجاج على عشوائية القرار ومفاعيله السلبية على أصحاب المدخرات والودائع المتواضعة.
مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يُعتبر أساس الدولة الدستورية، لم يعد له أثر، بعدما هيمن كل فريق سياسي على المؤسسات القضائية والرقابية التي زرع أزلامه فيها، وأصبح ولاء هؤلاء الأتباع للزعيم والحزب والطائفة، وأصبحت قراراتهم تلبي رغبات وطلبات، وأحياناً أوامر، المرجع الذي أوصلهم إلى مركز القرار! قاعدة إلتزام كل مؤسسة حدود المسؤوليات والصلاحيات التي أناطها الدستور بها، سقطت عبر التجاوزات التي لا حدود لها التي يقوم بها بعض المسؤولين بتشجيع وبتغطية من مرجعيته السياسية أو الحزبية، ضارباً عرض الحائط بكل الأنظمة والأعراف المعمول بها.
تصرفات القاضية غادة عون مثلاً في إقتحام مكاتب شركة مالية قانونية، ونقل أجهزة الكومبيوتر إلى منزلها وليس إلى دائرتها القضائية حسب الأصول، يُعتبر خرقاً لا حدود له للقوانين والأعراف القضائية، ولكنه يبقى نموذجاً صارخاً لسقوط المؤسسة القضائية في خضم الصراعات السياسية، والكيدية المتحكمة في العلاقات بين القاضية المتمردة وبعض المرجعيات القضائية. قرار المجلس الدستوري إلغاء سلفة الكهرباء تلبية لفريق حزبي يُعادي الفريق المهيمن على وزارة الطاقة، دفع ثمنه الشعب اللبناني بكامله عبر هذا التقنين القاسي والذي سيصل إلى حد العتمة الكاملة خلال أيام، إذا لم يتم تنفيذ السلفات الطارئة التي طلبتها وزارة المالية لتسديد أثمان كميات الفيول المحمولة في البواخر المنتظرة في عرض البحر لفتح الإعتمادات المالية حسب الأصول المصرفية.
الإجتماع المالي في قصر بعبدا لتعطيل وتجاوز قرار مجلس الشورى ، مثل آخر على سقوط مبدأ الفصل بين السلطات، مهما كانت الحجج والمبررات.
وجاءت المزايدات الشعبوية الأخيرة بين بعض الأحزاب السياسية حول الإستقالات الجماعية من مجلس النواب، لتُسقط ورقة التوت الأخيرة عن نظام المؤسسات المتهالك، والذي تُمعن المنظومة الحاكمة في إنتهاكه وهتكه ولو أدى ذلك القضاء على ما تبقى من مقومات الدولة!