هي من المرّات النادرة التي يضطر فيها مرجع إسلامي ووطني كبير إلى شهر سلاح الموقف بقوة وحسم، بهدف وقف موجة التدهور المتزايد لأسس السلم الأهلي التي أرساها الميثاق الوطني ودستور الطائف، بعد خمس عشرة سنة من الحروب البشعة.
أن يتعمّد مفتي الجمهورية سماحة الشيخ عبداللطيف دريان إلى دق ناقوس التحذير والخطر من محاولات الخروج على الدستور، وتجاوز مفاهيم الميثاق الوطني، نصاً وروحاً، فهذا يعني أن الأمور وصلت إلى منعطف حرج ومفصلي، وأن دواعي الصبر قد نفدت، وبالتالي لا بد من رفع الصوت عالياً، لوضع النقاط فوق حروفها الصحيحة، وإعادة مسار الوضع السياسي إلى مجراه السليم والطبيعي، وإنهاء مرحلة التخبّط في الممارسات وبعض الاجتهادات، التي زادت الأمور تعقيداً، وأعادت مساعي تأليف الحكومة إلى المربّع الأوّل.
لقد أراد المفتي دريان، في خطابه عشية رأس السنة الهجرية، من السياسيين وأهل الحل والربط أن يهجروا الخلافات المزمنة، والسجالات العقيمة، وأن يترفعوا عن المكاسب الشخصية والفئوية، ويرتفعوا إلى مستوى مصالح الوطن وأهله، والعمل على معالجة الأزمات التي تضغط على أنفاس الناس.
وجاء رفض مفتي الجمهورية قوياً و حاسماً لمحاولات تغيير الموقع الاستراتيجي للبنان، ولدعوات «إلى مشرقية لا ندري معناها ولا مآلاتها»، مؤكداً «لسنا غنماً ولا هملاً لكي يتصرّف هذا الفريق أو ذاك بهويتنا وانتمائنا».
ومناشدة المفتي لأهل الحكمة والوعي والمسؤولية الوطنية إلى التحرّك وتدارك الأخطار، بعيداً عن الغوص في أحاديث الصلاحيات، أبقت الأبواب مفتوحة أمام مساعي الخروج من هذه الدوامة «لأنه عندما يتهدّد النظام لا تعود هناك قيمة للصلاحيات ولا المرجعيات»!
فهل مَن يسمع صوت الإيمان بالله والوطن قبل فوات الأوان؟