في العاشر من آب 2020 إستقالت حكومة الرئيس حسان دياب بعد النكبة التي حلّت بالعاصمة بيروت جراء الإنفجار الهائل الذي ضرب مرفأها مخلفًا القتلى والجرحى والدّمار، ومنذ ذلك التاريخ إنتظر اللبنانيون ولادة حكومة جديدة عند صياح الديك، وخاب فألهم.
في العاشر من أيلول 2021 صدرت المراسيم وتشكلت حكومة ننتظر منها أن تكون فريق عمل متجانس لا أن تكون القائمة بأعمال الجهات السياسية التي كانت تتألف منها الحكومات في لبنان. فريق العمل هذا مُطالب بأن يحكم ولا تتحكّم به المشاعر والمزايدات والصراعات، وأن يبتعد عن المواقف الرمادية القاتلة.
حكومة من 24 وزيراً من بينهم 13 وزيرًا من الذكور ـ أي الغالبية المطلقة ـ يستعملون النظارات نتيجة سهرهم المتواصل للتحصيل العلمي وسعيهم الدؤوب لتكديس النجاحات، فبات بإمكانهم النظرإلى البعيد بمنتهى الوضوح. الغصّة الوحيدة تكمن في أننا سنلاحظ في الصورة التذكارية للحكومة الجديدة التي تُلتقط اليوم بعد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء سيّدة وحيدة من بين دزينتين من الوزراء أُسندت اليها مهام وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية، وهذا أشبه برفع العتب أكثر منه رغبة في إشراك المرأة في المسؤولية العامّة.
الآن تتجه الأنظار تقليدياً إلى صياغة البيان الوزاري الذي ستتقدّم به الحكومة من المجلس النيابي لنيل الثقة على أساسه. على هذه الحكومة أن لا تتلهى باختيار الألفاظ والكلمات لتدبيج بيان وزاري بل الاكتفاء بصفحة واحدة تتعهّد فيها بالتفاني في العمل الوزاري وتتهيّب المثول أمام الناس وليس أمام مجلس نيابي شارفت ولايته على الإنتهاء، وتتحضّر جيداً لإتمام الإستحقاق الأهم ألا وهو الانتخابات النيابية بعد بضعة أشهر من ولادتها. لا بل على الحكومة والمجلس النيابي أن يمثلا معًا أمام اللبنانيين الذين يذوقون طعم الإذلال كل يوم أمام محطات المحروقات والأفران والصيدليات والمصارف ويلهثون للحصول على جواز سفر للرحيل، ويعاهدانهم بكلام شرف على وضع حدّ تدريجي لمعاناتهم، وإلا فلتكتب الحكومة بيانًا آخر هو بيان الإستقالة وسيكون ذلك أعظم من أي بيان وزاري.
على أي حال، لا نُنكِر أن الحكومة الجديدة قد شكّلت بصيص أمل لدى اللبنانيين، لكننا نستأخر التهنئة إلى ما بعد وضع إصبعها على جراحهم وتضميدها.
وزراء الحكومة الجديدة لا يمكن أن يدّعوا قِصر النظر، طالما أن أكثر من نصفهم يضعون على أعينهم النظّارات.