بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تشرين الثاني 2018 01:17م ندوة لرابطة الجامعيّين في الشمال في ذكرى المولد النبوي الشريف

حجم الخط
أقامت رابطة الجامعيّين في الشمال، ندوة بعنوان "نبينا رسول الإنسانية" في ذكرى المولد النبوي الشريف، تحدث فيها مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، في حضور الوزير السابق أشرف ريفي ممثلا بكمال زيادة، أمين الفتوى في الشمال الشيخ محمد إمام، رئيس دائرة أوقاف طرابلس الشيخ عبد الرزاق إسلامبولي وعلماء ورجال دين وهيئات ثقافية وإجتماعية.

الحسامي
في مستهل اللقاء، ألقى رئيس الرابطة غسان الحسامي كلمة ثمن فيها مواقف المفتي الشعار، وقال: "عندما اختطفت طرابلس وأرهقت بصراعات عبثية ودموية، وأرادوها صندوق بريد قذر لحسابات داخلية وإقليمية ودولية وهدرت الدماء وزهقت الأرواح وحرقت المحال التجارية والمؤسسات، حينها لم يكن سوى رجل واحد يمارس عن إيمان دور الإطفائي ويتصدى بصدره للفتنة، ساعيا الى إخماد النيران ولم شمل الأهل والجيران".
أضاف: "لقد دأب سماحته على توطيد مسيرة الاستقرار والازدهار، فلا يمكن لأحد أن يزايد على قناعة سماحته بأن لبنان لا يقوم إلا على القيم الإنسانية، وبالتالي فإن إزالة الحواجز الوهمية بين الناس عموما والأديان خصوصا وتعزيز لغة الحوار التي هي أصلا من صميم شريعتنا الإسلامية، فضلا عن تأكيد سماحته الدائم على ثوابت المحبة والإنفتاح مع سائر المرجعيات الروحية في طرابلس والشمال كان له كبير الأثر على تماسكنا الأهلي وحرصنا على العيش الواحد وحصانة الوطن".

الشعار
وألقى الشعار كلمة قال في مستهلها: "ثقوا بأننا لا يمكن أن نجد أحدا يمسك بزمام المدينة لنفسه أيا كان، مها علا كعبه، وقوي شأنه، لكن الذي حالفني الحظ فيه، أني كنت أعبر فيه عن ضمير بلدي، لذلك لم أجد مقاومة ولا اعتراضا من أبناء بلدي سيدات وسادة، كبارا وصغارا، التوفيق اني إستطعت أن أعبر عن ضمير أهل بلدي، والحق يقال اني وجدت عونا من الله تعالى أولا، ومن معظم المسؤولين ومن سائر اهل المسؤولية في طرابلس والشمال، هذه حقيقة أحب أن أزرعها في عقولكم وقلوبكم، ولم يخطر في بالي يوما أن استأثر موقفا دون دعمكم ومحبتكم، ودعم أهل بلدي ومحبتهم".

وأضاف: "لا أكتمكم أن العنوان، رغم بساطته وسهولته ويسره "نبينا رسول الإنسانية"، ورغم إلف السمع له كما الفؤاد والعقل، إلا أنه استوقفني كثيرا وأسهرني وأجهدني فقط لأحدد المسار وبدايته وتبيان المقصود ونهايته. وما من شك أن لمثل هذا العنوان محاور عدة ربما كان أولها إنسانية الرسول، وأنه بشر تجري عليه القوانين البشرية من حياة أو مرض أو موت وما يندرج تحتها من مفردات يطول ذكرها وتعدادها.
غير أنه بشر يوحي إليه مما يستلزم تميزه بملكات وقدرات وسجايا تليق بحمله أكمل الرسالات وأتمها، فضلا عن تجنبه زلات اللسان والقدم حتى الخطأ، اللهم في ما أوحي إليه به، وما عداه فيندرج تحت مدلول الحديث النبوي الشريف "أنتم أعلم بأمور دنياكم". أما عن أصالة المعدن وطيب العنصر وطهارة المنبت فذلك من بداهة القول لأن الرسالات السماوية لا يستطيع حملها وأداءها وتطبيقها إلآ من وقع عليه الإصطفاء والإجتباء، فكيف إذا كانت خاتمة الرسالات وأكملها".

وتابع: "كان لا بد من أن يكون حامل الرسالة الإلهية والمبعوث بها يحمل صفاتها من حيث الكمال والتمام والختم، ولو لم يكن الكمال عند الرسول مطابقا لكمال الرسالة لما تأتى منه أن يكون مبلغا للرسالة بتمامها وكمالها، فمحمد نبينا صلوات الله وسلامه عليه، هو نبي الإنسانية كلها ولذلك قال الله عز وجل له وما أرسلناك إلا كافة للناس بشرا ونذيرا، وهو القائل عن نفسه " وكل نبي ارسل إلى قومه خاصة، وأرسلت إلى الناس كافة"، وعموم رسالته إلى الناس كافة إنما هي رحمة ومنة وفضل، وقال هو عن نفسه "إنما أنا رحمة مهداة".

وقال: "أما أنه منة ونعمة وفضل من الله سبحانه تعالى فذلك هو الشأن في نبوة محمد. لقد رشحته السماء لأعظم رسالة حملها نبي ولأكمل دعوة قام يها رسول. إنه يحمل آخر كلمة أو رسالة من الله إلى الناس، هي الكلمة الأخيرة، الكلمة الحاسمة في ما بين السماء والأرض، فليس بعدها كلام ، إنها الخاتمة، وهو خاتم النبيين ليس بعده نبي وليس وراءه بشير ولا نذير، وإذا كان ذلك، فإن لنا أن نقول إن محمدا هو منتخب الإنسانية كلها وهو مجتمع كمالاتها في أكمل حالاتها وأتم صورها، ذلك أنه جاء إلى الإنسانية حين بلغت رشدها وحين أراد الله لها أن تستقل بوجودها وأن تستقيم على الطريق الذي يمليه عليه تفكيهرها دون أن يقوم عليها من السماء رسول يدعوها إلى الله ويرسم لها مناهج الإيمان وقواعد السلوك.

من هنا ندرك السر في أن الرسالة الإسلامية كانت رسالة عقلية تخاطب العقل وتجيء لإقناعه عن طريق الحجة القائمة على البراهين الإستدلالية التي يستقيم عليها تفكير الناس جميعا عامتهم وخاصتهم على السواء، إن الرسالة الإسلامية لم تستند إلى معجزة قاهرة تطغى على عقول الناس وتغتال تفكيرهم وتشل إرادتهم حيث لا يملكون لها ردا، ولا يستطيعون لها نقضا، وإنما إستندت إلى الكلمة وما فيها من عقل ومنطق وحجة وبرهان، فلم تطلب إلى الناس أكثر من أن يفكروا وأن يستخدموا عقولهم المعطلة وأن يتقبلوا ما يتأدى إلهم من عقولهم".

وأردف: "هذا هو عنوان الرسالة الإسلامية وهذا هو مفتاحها إستخدام العقل وإحترام معطياته ليستعمل الإنسان عقله وليفكر في ما تحمل الرسالة الإسلامية من مقرراتن ليفكر وحده، بينه وبين نفسه، متأملا، متعمقا، أو ليفكر مع غيره، يعرض الأمر، وبقلبه، مؤيدا أو معارضا، إنه في كلا الحالين سيصل إلى مقررات إن لم تكن حقا خالصا فهي أقرب شيىء إلى الحق، لأن العقل بطبيعته، إذا خلا من آفات العناد والإستكبار، ينشد الحق ويهتدي إليه لأنه شرارة من الحق وقبس من أقباسه".

أضاف: "القرآن الكريم لا يذكر العقل إلآ في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل والرجوع إليهن ولا يأتي تكرار الإشارة إلى العقل بمعنى واحد من معانيه التي يشرحها النفسانيون من أصحاب العلوم الحديثة، بل هي تشمل وظائف الإنسان العقلية على إختلاف أعمالها وخصائصها وتتعمد التفرقة بين هذه الوظائف والخصائص في مواطن الخطاب ومناسباته. فالعقل في مدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع عن المحظور والمنكور ومن هنا كان إشتقاقه من مادة عقل التي يؤخد منها العقال والتي تحمل معاني المنع والتنبيه والإحتراس".

وختم: "من خصائص العقل ملكة الإدراك التي يناط بها الفهم، ومن خصائصه أنه يتأمل في ما يدركه ويقلبه على وجوهه ويستخرج منه بواطنه وأسراره ويبني عليها نتائجه وأحكامه، وهذه الخصائص في جملتها تجمعها ملكة وتتصل بها ملكة الحكمة وتتصل كذلك بالعقل الوازع وما ينبغي له أن يطلبه وما ينبغي له أن يأباه، ومن أعلى خصائص العقل الإنساني الرشد وهو مقابل لتمام التكوين في العاقل الرشيد، ووظيفة الرشد فوق وظيفة العقل الوازع والعقل المدرك والعقل الحكيم لأنها إستفاء لجميع هذه الوظائف وعليها مزيد من النضج والتمام والتمييز بميزة الرشاد حيث لا نقص ولا إختلال".