بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 أيار 2021 12:01ص أعلنوا النفير العام... إن كنتم أحياء..؟!

حجم الخط
في خضم المهرجان العبثي والجنون الجماعي الذي نراه من حولنا في كل المستويات، أليس من الواجب علينا جميعا أن نعلن النفير العام الذي من خلاله نعيد إصلاح القليل من الكثير الذي فسد في بلادنا..؟!
أليس من واجبنا أن نرفع لواء الإصلاح في بلد لم يعد فيه إلا الفساد المتأصّل في كافة مجالات الحياة..؟!
فالغريب والعجيب.. أن الناس كلهم يشتكون.. وكلهم صامتون..؟!
كلهم يعانون.. وكلهم ساكتون..؟!
كلهم يذلون.. وكلهم ساكنون..؟!
بل كلهم يعيشون... وكلهم ميتون..؟!
فما الذي ننتظره بعد..!!
إصلاح النفوس أولاً
وهنا اسمحوا لي بكل صدق أن اقول... أننا أمام حالة مرضية جماعية.. استفحلت آثارها في المجتمع حتى أصابت كل الفئات والمستويات وأصبح التخلص منها أمر عسيرا..!؟
والعسر هنا صدّقوني ليس في العلاج.. ولكن في المرضى أنفسهم الذين ارتضوا الخمول نهجا والتكاسل سبيلا والتواكل شعارا.
فالعسر.. في نفوس استحكمت فيها (الأنا).. والتصقت بها (المصلحة)... وامتزجت بأصل تكوينها (الشخصانية)، ولا سبيل للخلاص من كل هذا التردّي الذي استوطن أوضاعنا وأعمالنا وأقوالنا.. سوى بإصلاح الذات أولا وثانيا وثالثا... ولن يكون الإصلاح إلا بالتطبيق العادل والشامل والصادق لمقاصد الإسلام العظيمة.. ولن يكون هذا التطبيق إلا إذا حققنا الثورة في نفوسنا قبل أي شيء.
فنحن نعاني من أزمات ومن مشاكل ومن إنقطاع للسلع الأساسية وللأدوية ولأدنى مقومات الحياة.. ومع ذلك لا نسمع ولا نرى إلا أصوات خجولة من هنا أو هناك... والسبب أننا نثور على كل الأوضاع الخاطئة.. إلا على شخوصنا المعتلّة، وأننا نرفض الإعوجاج من حولنا... ونبقي على عوج دواخلنا..؟!
نعم... نحن نحتاج قبل أي شيء إلى ثورة داخلية تعيد فطرة المتحدثين إلى طبيعتها.. وترجع الثقة إلى محلها.. وتثبت حسن النيّة من خلال حسن العمل.. 
ربما - وأقول ربما - تكون النوايا مخلصة..
وربما تكون الكلمات صادقة..
وربما تكون الدوافع صافية..
ولكن التاريخ البشري كله.. منذ بدايته وحتى اليوم، أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن النوايا الحسنة والكلمات الصادقة والدوافع الصافية لا تبني أوطانا ولا تقوّم مجتمعات ولا تحدث إصلاحا.. إلا إذا ترافقت مع العمل الجاد والمستمر والدؤوب المستمدّ من شرع الخالق جلّ وعلا..؟!
ولذا قال الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، ألا يعتبر إذن - يا كل من يقرأ كتاب الله ويؤمن به - ضرباً من الجنون أن نسعى لتغيير القوم ونحن لا نريد أن نتغيّر...!!
أما إذا كنتم تصرّون على هذا العبث الفكري المريض... فلا جواب عليكم سوى قول الحق تبارك وتعالى {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}..؟!
التناقض سيد الموقف
ومن عجائب بلادنا التي نعاني منها أيها السادة، أن من عليه أن يرفع الصوت أصبح صامتا، ومن عليه العمل بكل جهد يعيش قاعدا، بل ومن عليه الإصلاح بات شاهد زور على كل أصناف الفساد المستقرّة في حياتنا..؟!
أما آن لنا إذن أن نبادر إلى العمل الجديّ والواعي لنكون على مستوى رقيّ هذا الدين العظيم خاصة في ظل هذه الأيام النحسات التي تبسط سوادها على مختلف مجالات الحياة من حولنا..!!
وأرجوكم ثم أرجوكم ثم أرجوكم... لا تقولوا نحن أحفاد عمر وعلي...
ولا ترفعوا شعارات نحن أمة علّمت البشرية...
ولا يحدثنا أحد عن الأسلاف وما قدّموه...
فهم فكّروا وتدبّروا وعملوا واجتهدوا وأصلحوا وقدّموا ما يستطيعون، فرحمهم الله وتقبّل منهم كل جهد بذلوه... فكفانا بكاء على الأطلال.. وافتخارا بأعمال لم نقمْ نحن بها..؟!
ولكن.. تفضّلوا حدّثوني عن يومنا.. عن حاضرنا.. عن واقعنا المزري الذي يشتكي في كل لحظة من اعوجاج فكرنا.. واندثار أعمالنا.. وانحراف مسارنا... وغياب فاعليتنا عن حركة الحياة اليومية..؟!
ثم اسألوا أنفسكم.. ماذا قدّمنا نحن في مختلف مجالات الحياة..؟!
هل تريدون الإجابة التي تفرّون من سماعها رغم يقينكم بها...؟!
الحقيقة المؤلمة أننا أصبحنا - وآسف على التعبير - عالة على البشرية، نستجدي الحسنة من فلان ومن علان..!!
والأنكى أننا نصفهم بأبشع الصفات ونشتمهم ونسيء إليهم ثم نهرول للإستفادة من إسهاماتهم الحضارية والحياتية لعلهم ينقذون بعضا مما أفسدنا..؟!
في شوارعنا وفي بيوتنا وفي أخلاقنا وفي تعاملاتنا وفي تجاراتنا وفي انتماءاتنا وفي اتباعنا المرضي للزعيم وفي طرق خطابنا وفي كل الأمور، لم نقدّم منذ عقود طويلة سوى أمثلة سيئة، فقلبنا كل حسن إلى قبح بسوء فهمنا وبلادة فكرنا وندرة مبادراتنا..؟!
وبدلا من أن نتدبّر آيات الله لتكون منهجا في حياتنا فنعمل على تحقيق التفاعل معها من خلال أعمال حضارية تفيد البلاد والعباد... ارتضينا القعود عن كل عمل إيجابي حتى أصبحنا و«اللا شيء» .. مترادفين في المعنى والدلالة والأثر..؟!
ضمور فكري حاد
لقد أُصبنا أيها السادة بضمور حاد في «عضلاتنا الفكرية»، وبكسل مرضي في «خلايا التدبّر» برؤوسنا، وبموت سريري لمنظومة العمل والانتاج، وبتنا عند كل مفصل حياتي نراقب أعمال الآخرين من حولنا ونتابع خطوة بخطوة تقدّمهم وتطوّرهم وإسهاماتهم... ولا نقدّم سوى «مصمصة الشفاه» و«الحوقلة» و«الحسبنة» مع قليل من لزوم تعابير الوجه الزائفة كضرورة من ضروريات اتقان الدور..؟!
نعم... ربما يكون الكلام قاسيا... ولكن صدّقوني الأقسى.. أن هذا هو الواقع..؟!
إننا - ولنعترف بذلك - أسياد ثقافة اللاشيء والتواكل في كل أمور حياتنا..
أصبحنا نعيش وفق منطق «إبليسي أرعن».. تأصّل في عروقنا وانتشر في سائر أعضاء الجسد، فألفناه وتعوّدنا عليه وعشنا معه لسنوات وسنوات، ثم «أبدعنا» في التعامل معه فاعتبرنا كل دعوة للعمل أو للمراجعة أو للوقوف مع أخطاء الذات بهدف الإصلاح.. اعتبرناه رجساً من عمل الشيطان.. وما لصاحبها سوى الرجم أو النفي أو العذاب، أو طبعا... اتهامه بما يليق... و«لحسن الحظ» صندوق التهم عنا.. جاهز ومنوّع ومتجدد..؟!
نريد الوعي الوطني
إن الناس الغارقين في أطنان من المآسي والمعاناة قد ملّوا من معارك كل المتكلمين على الساحة اللبنانية اليوم بلا إستثناء.. وملّوا من سطحية الحديث ومن قشور المركّز عليه...
بل أقول لكم الحقيقة المؤلمة..
لقد ملّوا من الكلام كله، لأنهم لم يروا منكم إلا الكلام... ولا شيء غيره..؟!
فالناس يحتاجون إلى العمل الذي ينعكس بفوائده على أبنائهم..
يريدون أن يشاهدوا إنجازاً واحداً يعيد الثقة إلى قلوبهم..
يطالبون بتحرك حضاري - إنساني يشعرهم أنهم بشر وأنه ما زال من المتحدثين من يهتم بقضاياهم وأمورهم الحياتية..
الكل يتحدث عن التقوى.. والكل يتحدث عن الإيمان.. والكل يتحدث عن العدالة.. والكل يتحدث عن الوطنية.. ولكن لا أحد يترجم حديثه إلى عمل يصدق أقواله..؟!
فعادينا أنفسنا وواقعنا وحياتنا.. وتشوّهت أدوارنا.. وفقدنا متعة العيش.. فضاعت الحياة وأسأنا إلى ديننا وإلى وطننا وإلى أنفسنا.. وبقي الواضح الوحيد عندنا... وهو حب الزعيم والتبعية له ولو أدخلنا في سبعين خريفا من النار...؟!
أيها السادة الكرام... نحن أموات ندّعي العيش.. وسنبقى هكذا ما دمنا راضين بالذل والإهانة والتبعية العمياء وفق لمصالحنا الضيقة..!؟