في ظل الإنقلاب الحاصل في بلادنا حيث لم يعد للمواطن ولا لكرامته مكان، يحق لنا أن نسأل كلبنانيين دون (لف أو دوران)... أليس في بلادنا مسؤول يخاف الله في هذا الشعب..؟!
أليس بيننا - في مختلف مراكز المسؤولية - مسؤول يراعي حق الله في هذا الشعب الذي أصبح يعيش تحت كل خطوط الفقر والذل والإهانة..؟!
أين النواب الذين انتخبهم الشعب ليدافعوا عن حقوقه..؟!
وأين المرجعيات الدينية والثقافية والاجتماعية التي دورها الأساس الحفاظ على كرامة المواطن ومنع الذلّ عنه وعن أبنائه..؟!
أليس من المعيب أن يكون كل هؤلاء صامتون في زمن الصمت فيه عار كبير..؟!
أليس من المعيب أن يكون جلّ ما يقدّمه المسؤول في بلادنا - أي مسؤول - أنه يستنكر ويشجب ويندّد...
لقد أصبحنا أسياد «الشجب القولي» و«الرفض اللساني» لكل الآفات المنتشرة..؟!
وبتنا السبّاقين في «التنديد الكلامي» لكل ما يعاني منه المجتمع..؟!
فالمسؤولون عندنا - دام عزّهم - أصحاب الفضل في «التفوّق اللفظي» لمناقشة كل المشاكل المحيطة بالناس..؟!
بل كثر هذا التخصص في بلادنا حتى أصبحنا مجتمعا «متخما بالتنديد»، ويعاني من فائض في «عبارات الاستنكار»...؟!
أما أن يعمل لتغيير منكر أو يبادر لرفع ظلم أو يسعى لرفض تسلّط.. فليس من اختصاصه.. فوقت معاليه أو حضرته أو فضيلته... أثمن وأغلى من الاهتمام بهموم مواطن عادي مثلي ومثلك..؟!
لماذا وصلنا إلى هنا؟
ولكن أتريدون أن تعرفوا لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة..؟!
لأننا أعلنّا كمجتمع إنساني استقالتنا العلنية من كل أدوارنا الدينية والوطنية منذ زمن بعيد... حتى أصبحنا بلا دور وبلا هدف وبلا أثر..؟!
لا أقصد بالاستقالة التوقف عن القيام بالأمور الروتينية، ولكن أعني استقالة التأثير البنّاء لكل أمر من أمور المجتمع وتركه كريشة تميل بها الرياح كيفما شاءت كلما هبّت هنا أو هناك..؟!
قدّمنا استقالتنا من العمل الوطني والإنساني الفعّال... الذي يـُـنتج إيجابية واضحة.
ومن التغيير الذي هو سنّة الكون... نحو الأفضل والأحسن والأقوم..
واستقالتنا من أن نكون أصحاب بصمة..
وأيضا.. قدّمنا استقالتنا من منصب القيادة الحضارية للمجتمع ثم الرضى والخنوع بأن نكون تابعين متأثّرين بكل زعيم أو رئيس... لا قادة مؤثّرين...؟!
نعم.. لقد أعلنّا استقالتنا من كل الميادين حتى ما عاد ميدان يستقبلنا، ثم أصبحنا كالغرباء - ويا للعجب - في بلادنا وشوارعنا ومناطقنا نتسوّل أبسط حقوقنا بعد أن تنازلنا عنها طوعا...؟!
اتقوا الله
ولذلك نقول وبالصوت العالي...
أيها المسؤولون في بلادنا اتقوا الله إن كنتم تعرفونه..؟!
وحين نقول لهم اتقوا الله لا نقصد ذلك المفهوم السلبي الذي يريده البعض...
فتقوى الله ليست بالكلام والشعارات.. وإنما بالسعي الجاد والفعّال لتغيير ما نراه في واقعنا من مشاكل ولتأمين كرامة المواطن قبل أي شيء آخر..؟!
تلك الكرامة التي لم يعد للمواطن اللبناني غيرها وها نحن نراها أيضا تسلب منه شيئا فشيئا..؟!
اتقوا الله.. أي اعملوا كما أمر الله... بتحقيق منهج الله.. للوصول إلى وعد الله..؟!
اتقوا الله.. أي عايشوا الناس واسمعوا لأنينهم.. وبادروا إلى حل مشاكلهم..؟!
اتقوا الله.. أي ارحموا أنفسكم من حساب عسير يوم القيامة بعدما ارتضيتم تحمّل المسؤولية ثم تخلّيتم عن أداء أمانتها كما أمر سبحانه..؟!
واتقوا الله.. أي اجعلوا كل تفصيلة من تفاصيل عملكم في رضا الله وطاعته سبحانه..؟!
ولا يعتقدن أحد منكم أنه سينجو من العقاب أو من تحمّل نتيجة ما جنت يداه..؟!
ولا يعتقد أنه مهما اشتدّت سلطته أو نفوذه أو كثرت أمواله وتعاظم سلطانه سيكون خارج نطاق الحساب الإلهي..؟!
فالله قد قال {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}..
فيا كل مسؤول في بلادنا...
إن الناس قد وصلت الى مرحلة يعجز الكلام عن التعبير عن مرارتها وعن حقيقتها.. فإن كنت لا تخشى غضب الناس، فعلى الأقل أعمل على تبرئة ساحاتك أمام رب العالمين الذي قال وهو أصدق القائلين: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}..؟!
الشيخ بهاء الدين سلام