بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2021 12:00ص أوراق بيروتية (20): شيـوخ البـازار والسنجـق دار والدفتـر دار

وثيقة البازار باشي وثيقة البازار باشي
حجم الخط
في الآثار أن آدم عليه السلام لما هبط من الجنة أتاه جبريل عليه السلام بالحنطة وأمره بأن يزرعها، وسقاها وحصدها ودرسها وطحنها وخبزها. وكذلك نوح عليه السلام كان نجاراً، وإبراهيم عليه السلام كان بزّازا، وداود عليه السلام كان يأكل من كسبه على ما روي انه كان يخرج متنكراً فيسأل عن سيرته أهل مملكته حتى استقبله جبريل عليه السلام يوماً على صورة شاب فقال له داود عليه السلام: كيف تعرف داود أيها الفتى؟ فقال: نِعم العبد داود إلا أن فيه خصلة، قال: وما هي؟ قال: أنه يأكل من بيت المال وأن خير الناس من يأكل من كسبه. فرجع داود باكياً متضرّعاً فتعلّم صنعة الدروع ولين له الحديد حتى كان الحديد في يده كالعجين. وتدلّنا وثائق بيروت على وجود تنظيمات إدارية قديمة كمرافقة السنجقدار والبيرق دار لموكب الوالي. وعلى تقاليد ترعى ممارسة التجارة والإشراف على الأسواق ولا سيما بعد انتقال الثقل التجاري من صيدا الى بيروت كاختيار شيوخ للبازار.

سعيد ويوسف ومحمد وصالح الداعوق شيوخ البازار

عرفت تجارة بيروت إسوة ببقية الثغور العثمانية وقبل تأسيس المجالس التجارية، صنفا من التجار هو شيخ البازار أو البازار باشي. وبازار باشي أو شيخ البازار من كلمتي بازار وتعني سوق، وباشي وتعني رئيس. وكان البازار باشي (شيخ البازار) أي شيخ السوق يراقب سير العمل في الأسواق وينظر في الخلافات بين التجار ويراقب أسعار السلع والحاجيات.

حمل لقب بازار باشي العديد من أبناء أسرة الداعوق. منهم يوسف ابن الشيخ حسن الداعوق بازار باشي (1843م) والحاج صالح بازار باشي الداعوق (1847 و1862م) والحاج سعيد بازار باشي الداعوق (1843م)، وكان هذا الأخير متولياً على أوقاف جامع الأمير منذر الشهير بجامع النوفرة وبالجامع المعلق وبجامع القهوة. تفيدنا الوثيقة المؤرخة في السابع من شهر جمادى الأولى سنة 1264هـ/ 1848م ان السيدة ليلى بنت محمد بازار باشي الداعوق ممثلة بوكيلها محمد ابن مصطفى فتح الله المفتي باعت الى ابنها حسن ابن الحاج مرعي السحمراني سبعة قراريط وتسعين من قيراط من العليّة الواقعة داخل دار بني الداعوق القديمة الكائنة بمحلة شويربات بسوق المصبغة بالقرب من زاروب بني سعادة الراكبة على الايوان الواقع في الدار المذكورة فكمل له ستة عشر قيراطا وسبعة اتساع القيراط شركة خالته السيدة أمينة.

 وأشار الى ان ما ذكره من الآية {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (الجمعة 11) من ذم التجارة فهو محمول على تجارة تشغل عن أمور الدين وتصرف عن أمور الآخرة وتحمل على الإقبال والانهماك على الدنيا، أما إذا خلت عن ذلك فهي ممدوحة فذمّها عارض.

الحاج عبد الله الكبي «السنجق دار»

كان العَلَم لدى عرب الجاهلية عنوان القوة, فهو يوحي للمحاربين بالعزم والاستبسال والثبات، وكان يسلّم لأشجع الشجعان ليدافع عنه حتى الموت، ومتى سقطت الراية انهزم الجيش. وأول لواء عقد في الإسلام هو الذي خفق فوق رأس الرسول صلى الله عليه وسلم عند دخوله المدينة المنورة مهاجراً، فقد حلف أحد الأنصار ألا يدخلها إلا بلواء، فنشر عمامته على رمحه وسار أمام الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي معركة بدر، كانت للرسول صلى الله عليه وسلم رايتان، ثم تكاثرت الأعلام منها ما صار يعتبر رمزاً للدولة. وقد شهدنا أثناء الحرب الأهلية وما تلاها أن كل حزب أو تنظيم أو تيار أو جمعية رياضية أو كشفية اتخذ له علماً ونشيداً، علماً بأنه كان لكل طريقة صوفية شيخها وعلمها. وكانت كل فرقة عسكرية (اورطة) تتخذ لها شارة توضع على علمها، فاقتدت بها الفرق (الأورط) الميلشياوية أثناء الحروب الأهلية.

ومع كثرة الأعاجم في العالم العربي دخلت في العربية كلمات تركية وفارسية مثل بيرق وسنجق. فالبيرق أو البيراق تعني العلم وبيرق دار صاحب العلم أو الراية. والسنجق أو سنجاق من الفارسية سنجوق وتعني أصلاً الراية ثم صارت تعني تقسيماً إدارياً بمثابة لواء أو محافظ فيقال سنجق القدس وسنجق عجلون وسنجق غزة الخ.. ثم صار السنجق من أرباب الوظائف السياسية. عندما حرّر صلاح الدين الأيوبي بيروت من الصليبيين رفع على قلعتها «السنجق السلطاني». وكان يتقدم موكب الوالي العلم الكبير الأخضر عليه شارة الباشوية يحمله السنجقدار ويليه بيرق أبيض يحمله البيرقدار. ولا تزال في بيروت وصيدا وطرابلس عائلات تحمل شهرة السنجقدار والبيرقدار وهذه الأخيرة وردت في سجلات بيروت بإسم «الشامي البيرقدار» وفي أمثال العامة «يا لساني يا بيرقدار كيف ما درتك بتندار».

وقد جرت عادة البيارتة، مثل غيرهم من المسلمين، على أن يضعوا في المساجد على طرفي المنبر من الجهة العليا ما عرف لديهم بالسنجق وهو عبارة عن علم كبير مصنوع من الحرير ذي اللون الأخضر وعليه بعض الآيات القرآنية مطرزة بالذهب مثل كلمة التوحيد أو البسملة أو «نصر من الله وفتح قريب» أو «إنّا فتحنا لك فتحاً مبينا». ويعود تقليد وضع السناجق الى أيام العبيديين أخذها الأيوبيون ثم المماليك واستمر العمل بها أيام العثمانيين وحتى الآن. وقد جرت العادة في دمشق أن يحتفل ثالث أيام العيد بإخراج السنجق الشريف المعتاد إخراجه في كل موسم وكان قطعة من لواء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما اعتيد في بيروت على اخراج السنجق في أيام الأزمات والمحن.

أقرباء حامل السنجق

إثر خسارة تركيا الحرب ومغادرة والي بيروت عزمي بك، وعلى إثر انسحاب الجيش التركي من بيروت، أحاط البيارتة الأتراك وموظفيهم وأفراد عائلاتهم بالحماية والرعاية وسهّلوا سفرهم وعودتهم إلى بلادهم معززين مكرّمين، خلافاً لما حصل وقتئذ في بعض المدن العربية. وقد تناسى البيارتة كما قال محمد جميل بيهم وقتئذ، الأعمال التي ارتكبها جمال باشا خلال الحرب العالمية الأولى. وظل عدد كبير من البيارتة بعد حلول الانتداب الفرنسي، يتمنى عودة الحكم التركي. حتى أن كثيرين امتنعوا عن تسديد ما يترتب عليهم من ضرائب ورسوم لعدم اعترافهم بالانتداب وما عقبه.

أما الحاج عبد الله الكبي - عمّ المرحوم الدكتور جميل كبّي - فقد ظل، كما أخبرني الدكتور جميل، يتمنى عودة الحكم العثماني. وكان يتابع تطوّر الأحداث في تركيــا. وقد علم يوماً بأن قائداً عثمانياً مشهوراً سوف يصل إلى ميناء بيروت، فأخرج السنجق من جامع برج أبي حيدر، وهو علم أخضر خطّت عليه الشهادتان، وحمله وسار به باتجاه المرفأ. وكان كثيرون، طيلة الطريق من بيته في برج أبي حيدر إلى المرفأ، يحذّرونه من مغبة حمل السنجق، وما قد يتعرض له من الملاحقة والتوقيف من قبل السلطة المنتدبة. ولكنه لم يبالِ بالتحذير، فاضطر أصدقاؤه إلى تحميله علماً فرنسياً صغيراً، فحمله منكّساً. وأضاف الدكتور جميل، بأن خبر حمل الحاج عبد الله الكبي للسنجق ترحيباً بالقائد العثماني، سار في الآفاق ووصل إلى تركيا، وأن أهل الحاج عبد الله ظلوا مدة طويلة موضع ترحيب في تركيا، وكان يقال لهم: أنتم أقرباء حامل السنجق. كما روى الدكتور جميل كبي بأن أصل أسرته من طرابلس، وكان لقبها هناك الدبوسي.

يذكر ان السجلات الشرعية تذكر أكثر من شخص حمل اسم عبد الله الكبي، ففي 23 جمادى الآخرة سنة 1329هـ/ 1911م أوقفت حسيبة بنت محمد عبد الله الحموي دارها في محلة الباشورة على مصالح الجامع الشريف المشهور بجامع عبد الغني باشا بيضون الكائن في زقاق برج أبي حيدر في محلة المصيطبة لفقراء أطفال المسلمين في مدينة بيروت لأجل تعليم الأمور الدينية والفنون العصرية التي يجوز تعلّمها شرعاً، وشرطت التولية من بعدها للحاج عبد الله بن حسن بن عبد الله الكبي (يذكر ان الجامع عرف أيضاً بجامع بئر السبيل).

يذكر انه في شهر محرم سنة 1263هـ/ 1847م جرت منازعة بين مكية بنت الدالي عبد الرحمن والحاج عبد الله بن الحاج إبراهيم الكبي بصفته وكيلا عن زوجته زينب بنت مصطفى آغا الاورفلي حول تركة زينب بنت كنج آغا والتي كانت تضم جارية بيضاء وجارية سوداء.

وقد تبيّن لنا من سجلات محكمة بيروت الشرعية (سجل سنة 1259هـ/ ص 41) ورود اسم الحاج محمد ابن الحاج حسين الكبّي اللحام، شاهداً في منازعة حول وقف بني عزّ الدين. وتفيد الوثيقة المؤرخة في 27 ربيع الأول سنة 1284هـ/ 1867م ان عمر ابن الحاج مصطفى بدر باع الى أمه آمنة بنت إبراهيم الكبة أربعة قراريط من الدار الكائنة في محلة كنيسة الروم وقَبِلَ عنها الشراء صهرها سعيد مصطفى العريسة... وتفيدنا الوثيقة المؤرخة في 21 رجب سنة 1291هـ/ 1874م ان أحمد ابن الحاج حسن الكبة باع، أصالة ووكالة عن أشقائه مصطفى وحسنا وزهرة وسعدى، الى مصطفى ابن الشيخ حسين القيسي البيت المسقف الواقع في الدار المعروفة ببني الكبة الكائنة في زقاق ومحلة الشيخ رسلان يحدّه قبلة فسحة الدار وشمالا دير السنطة وشرقا وغربا بيت وقف الجامع الكبير.

أمين عالي بك الدفتردار ومحمد الخزنهدار

عرفت بيروت الدفتردار والخزنهدار. الدفتردار من اليونانية ديفتيريا Diphtheria ومعناها جلد الحيوان لأنه كان يستعمل للكتابة. دخلت الفارسية ومعناها صاحب الدفتر أو حافظ السجلات استعملها العثمانيون في القرن الخامس عشر. وكان الدفتردار بمثابة وزير المالية. أنشأ السلطان سليم الأول بعد فتح بلاد الشام دفتردارية العرب والعجم للأناضول والشام وكان مركزها في حلب ثم قسّمت الى دفترداريات محلية في دمشق وطرابلس وديار بكر وأرضروم. وكان يساعد الدفتردار ويتبعه خزنه دار أول وخزنه دار ثانٍ. والخزنهدار من خزانة موضع تخزين المال ودار أي الحافظ على الأموال أي أمين الخزانة.

عرفت بيروت محمد طاهر أفندي دفتردار إيالة صيدا يوسف أفندي ابن الحاج محمد خزنه دار وامق باشا والي صيدا أسبق. كما عرفت أمين عالي بك الدفتردار في الدعوى التي دارت حول وقف بني عز الدين أي القهوة التي استولى عليها نعيم أفندي والتي آلت إلى زوجته، وان أمين عالي بك المذكور ووكيل بيت المال وضع يده على ثلاثة أرباع القهوة المذكورة (18 قيراطاً) فتقدّم عبد القادر مصطفى سعد الدين الدنا سنة 1322هـ/ 1904م بوكالته عن الشيخ محمد أبي الهدى الصيادي الرفاعي بدعوى ضد الدفتردار المشار إليه ومأمور الدفتر الخاقاني في بيروت (السجل العقاري) محرم بك ابن علي بك ابن عمر بك، ادّعى فيها بأن زوجة نعيم أفندي كانت قد أوصت قبل وفاتها بجميع مالها من عقار ومنقول ونقود الى الشيخ أبي الهدى، ومن ضمنها ثلاثة أرباع القهوة فحكم بتسليم الأموال الى أبي الهدى.

 * مؤرخ