بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 حزيران 2021 12:00ص أوراق بيروتية (21): «الطــوب جــي» والـدالاتـــي والســـردار

من المدافع في العهد العثماني من المدافع في العهد العثماني
حجم الخط
الطوبجي هو المدفعجي من التركية طوب المدفع وأداة النسبة جي.

يذكر ان الاسطول الروسي ضرب بيروت مرتين سنتي 1772 و1773 وفي هذه الأخيرة حاصر بيروت أربعة أشهر ثم أنزل مدفعا في الساحة المعروفة اليوم بساحة البرج وقصف المدينة وأحدث خرقا في سورها الشرقي، وقد عرفت الساحة يومها بسهلات الطوب خانه. وقد أنزل الاسطول الفرنسي سنة 1860 مدافعه في الساحة نفسها فعرفت بساحة المدافع بالفرنسية Place des canon. وقد عرفت بيروت إضافة للمدفعجي الدالاتي والسردار.

1- الطوب جي البيروتي ذيب فتح الله المفتي

من أهم الوثائق المسجلة في السجل الشرعي في بيروت واحدة مؤرخة في السابع عشر من شهر شعبان المعظم سنة 1259هـ/ 1843م نظرا لِمَ تضمنته من معلومات اجتماعية وعمرانية وخلاصتها «ان حسن ابن المرحوم الشيخ عبد الحي أفندي فتح الله المفتي ادّعى وشقيقه محمد على الحاج مصطفى بأن المتروك عن المرحوم أحمد ابن السيد ذيب «الطبجي» عشرون قيراطا وثلاثة أثمان ثلث ثمن القيراط وسدس ثمن ثمن القيراط من أصل 24 قيراطا في الدار المعروفة بدار بني الطبجي الكائنة في حدرة سيف باطن المدينة يحدّها قبلة دار بني البراج وتمامه وقف الجامع الكبير العمري سكن عبد القادر سنو وعلي الطبيلي وشمالا دار الحجة سلمى بنت السيد علي الجمال وشرقا الخربة المتروكة عن ذيب الطبجي شركة أبناء يوسف عفرة ودار بني سربيه وذيب محرم, وان المدعي وشقيقه هما ولدي عبد الحي ابن بكري ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ مصطفى فتح الله المفتي وان الميت هو أحمد بن ذيب ابن محمد ابن الحاج عبد القادر ابن الشيخ عبد الرحيم «الطبجي» ابن الشيخ مصطفى فتح الله المفتي الذي هو الجد الأعلى. فغابا واحضرا علي بن أحمد زين الدين الحاج شاهين وعبد الله بن حسين جلبي البربير وهما شاهدا فرع عن أصلين هما السيدة أمينة بنت المرحوم زين عز الدين زوجة مولانا السيد عبد اللطيف أفندي ابن الشيخ علي فتح الله المفتي والثانية السيّدة ليلا بنت المرحوم أحمد ابن مصطفى آغا زوجة المرحوم مصطفى ابن المرحوم وهبة فتح الله المفتي. وشهدا ان المتوفى هو أحمد بن ذيب بن محمد ابن الحاج عبد القادر ابن الشيخ عبد الرحيم الطبجي ابن الشيخ مصطفى فتح الله المفتي الجد الأعلى وان المدعي وشقيقه هما ولدي الشيخ عبد الحي ابن الشيخ بكري ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ مصطفى فتح الله المفتي الجد الأعلى. وكان من الشهود مصطفى قرنفل وأحمد ابن علي فليفل والشيخ عرابي الزيلعي الطرابلسي وشاكر من سلالة عبد الغني النابلسي ومحيي الدين اليافي ويوسف بن حسن بازار باشي الداعوق.

الطوبجي الدمشقي المتوطن في بيروت

إذا كان ذيب فتح الله المفتي البيروتي مدفعجيا قديما وكان له بيت كبير في وسط بيروت يدل على مكانته فيها، فان مدفعجيا دمشقيا اختار سنة 1295هـ/ 1878م السكن والتوطن في بيروت وتملّك عدة عقارات هو الخواجا نقولا بن خليل بن نقولا «الطبجي» الدمشقي ووقف البستان الكائن في مزرعة على مصالح المدرسة الانجيلية الكائنة في القسم الشرقي من محلة الرميل.

*****

2- أحمد «الدالاتي» القرقوطي

الدالاتية أو الدلاة في التركية دليلر deliler جمع دلي deli أي المجنون والكلمة التركية تحريف لكلمة دليللر وهي جمع الكلمة العربية دليل وهم الدلاة. أطلقت على أول جندي منهم دالاتي ومعناها المتهور الشجاع وهم لا يبالون بالموت يتقدمون الجيش. استخدم أول فرقة منهم والي الروملي (الأراضي الواقعة في أوروبا). عرف قائدهم بالدالي باش ولم تكن لهم رواتب محددة من الدولة بل ممن كان يستخدمهم من الولاة. وقد تعمّدوا في لباسهم دبّ الرعب في قلوب الأعداء كجلود الدببة والأسود واعتمروا قلانس من جلد النمور وتسلّحوا بالنبال والحراب والسيوف والغدارات. ولما كانوا من الشجاعة بحيث يحملون بأنفسهم على الأعداء غير مبالين بالخطر فكانوا جنود الطلائع في مقدمة الجيوش ليمهّدوا لها الطريق ولعل أحمد القرقوطي البيروتي كان واحداً منهم فلقب بالدالاتي.

الأسماء والنعوت على حد قول محيي الدين بن عربي «هي صفات ما لها ثبوت نعيش في وقت بها ونموت». تغلب الشهرة على الشخص في حياته وتنتقل مؤقتاً بعد وفاته الى ذريته ثم تغيب وتمضي مع الزمن. ومن هذه الشهرات ألقاب نسبت الى مدينة أو حرفة أو الى صفة خُلقية أو خَلقية أو وظيفة دينية أو عسكرية ومن هذه الأخيرة الدالاتي. ورد ذكر أسرة القرقوطي في عدة وثائق منها وثيقة مؤرخة في آخر شهر ذي الحجة الحرام سنة 1090هـ/ 1680م لدى النائب أحمد القاضي بمدينة بيروت تتضمن بيع الشيخ منصور حبيش ما آل إليه بالابتياع من والدته نسب بنت فرح الدهان ثلاثة قراريط وثلث القيراط من الدار والمنزول الكائنين في محلة بني الدهان يحدّها قبلة ملك بني القرقوطي وشرقا ملك بين الدهان وشمالا بيوت نصارى وغربا الطريق وفيه باب المنزول (منزول بني الدهان) الى أولاد أبي نوفل ابن الخازن بثمن قدره لذلك كله خمسون غرشاً فضة أسدية حالة مقبوضة بيد البائع. ومن شهود الوثيقة فخر المدرّسين مولانا الشيخ زين الدين المفتي وابنه مولانا الشيخ علي الحافظ ومحمد سعادة الخواجا وابنه أحمد... وفي السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1273هـ/ 1857م ثبتت وكالة من بنت الحاج المصري لأبيها إبراء ذمة الحاج رضوان الدنا وذلك بشهادة عبد القادر البكداشي وأحمد الدالاتي القرقوطي.

*****

3- بيـت السـردار في سوق السراي وسط بيروت

كانت طوائف الجند في أوائل القرن التاسع عشر مؤلفة من أخلاط شتى من العسكر الذين استخدمهم الولاة كالمغاربة والأكراد والتركمان ثم حلّت أيام السلطان محمود الثاني كتائب من العسكر النظامي المدرب وفقاً للأساليب العسكرية الأوروبية. وقسّمت الدوائر العسكرية الى سبع دوائر في كل منها جيش. وكانت الدائرة الخامسة تشتمل ولايات الشام ومنها بيروت. وكان قائد هذا الجيش يحمل رتبة مشير ولم يكن منسجماً مع الوالي فكان يتلكأ في حالة الاضطرابات لكي يحرج الوالي ويظهره عاجزاً عن حفظ الأمن فتضطر السلطة المركزية الى الاستعانة به أي بالجيش (ما أشبه الليلة بالبارحة).

والسردار من الفارسية سر بمعنى الرأس ودار بمعنى صاحب أي القائد الأعلى للجيش. وكان السلاطين يقودون الجيش بأنفسهم ثم صاروا يعهدون بذلك الى الصدور العظام، ويلقب وأحدهم بسردار أكرم، ثم الى الوزراء ثم الى رجال الجيش. وكان آغا الإنكشارية يعيّن في كل من المراكز الصغيرة سرداراً يقوم بأمور الضبط ومن هؤلاء سردار بيروت الذي عرف بإسم أحمد السردار.

دار وزاروب بني السردار وسط بيروت

في سنة 1284هـ/ 1867م باع حسن أحمد الحشاش وشقيقه محمد وشقيقتهما أسماء وأمها آمنة بنت أحمد السردار الى حسن محمد النقيب ومحمد محمد علي العجم داراً كائنة في زقاق الحشاش قرب زاوية الإمام الأوزاعي رضي الله عنه داخل المدينة ملاصقة لدار بني السردار. وتفيد الوثيقة المؤرخة في السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1281هـ/ 1864م بيع بشارة حنا القرداحي الى عبد القادر ومحمد ولدي الشيخ أحمد فتح الله المربع والمتخت فوقه الواقعين ضمن الدار الكائنة في زاروب بني السردار في سوق السراي داخل المدينة يحدّها قبلة قيسارية البارود.

السردار القائد الأعلى للجيش في بيروت

 عرفت بيروت السردار الأعلى للجيش العثماني، ففي رجب سنة 1256هـ/ 1840م حضر سر عسكرية برية الشام وخرج الى البر الى جونية ونصب عسكره هناك ثم وقعت المحاربة بينه وبين عسكر إبراهيم باشا الذي انهزم وانسحب الى دمشق فتمّ الاستيلاء على السواحل والثغور ثم عُزل وحلّ محله أحمد زكريا باشا. وفي الثامن عشر من ذي القعدة سنة 1257هـ/ 1842م حضر الى بيروت بحراً المشير أي سر عسكر الدولة العثمانية للنظر بالفتنة التي وقعت سنتها في جبال الشوف والغرب والمتن وكسروان وغيرها من الجبال فمدحه المفتي الأغر بقصيدة مطوّلة مطلعها:

شرفتم بقدومكم بيروتنا

فغدت لخيرات البسيطة مخزنا

صبحتها يا ربحها أمست بكم

بيت السعود وللمسرّة معدنا

فرحت بذياك القدوم فألبست

ثوب السرور فيعده لن تحزنا

بحلول حضرتكم بناديها غدت

حرما لكل الخائفين ومأمنا

سمّاك من سمّاك باسم المصطفى

نور الهدى لا زلت نوراً بيّنا

يا مصطفى ملك الملوك وتاجهم

عبد المجيد رئيسهم سلطاننا

بشره بالفتح القريب فعيشه

أبدا يطيب ولا يرى دوما عنا

لا زال منصور الجنود أبا السعود

وراغما أنف الحسود مدا الدنا

ولا تزال في بيروت وصيدا أسرة سردار ولعل لدى أحدهم وثائق مفيدة.

 * مؤرخ