بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 تموز 2021 12:00ص أوراق بيروتية (24): زقاق (زاروب) أحمد قاسم عبلا صامد منذ أكثر من مائتي عام

حجم الخط
من الطبيعي عندما يقال حسامي أو جبيلي يتبادر الى الذهن الحساميين والجبيليين، مسلمين ومسيحيين، الذين أجبرهم التفنكجية على النزوح من جبيل وقراها سنة 1763م الى بيروت. وقد سيق أن ذكرنا بعض تلك الأسر ونخصّ هذا المقال بآل عبلا الحسامي الذين كان لأفرادهم مناقب تُذكر فتُشكر ولا سيما في الإدارة والقضاء والأمن.

زقاق وزاروب

الزاروب في اصطلاح العامة هو الطريق الضيق الذي لا منفذ له، فإذا كان له منفذ كان ضيقا. وردت كلمة زاروب في العديد من الوثائق الشرعية العائدة لسنة 1843م وما بعدها أمثال زوارب البواب والدهان والعجان والرشيدي وسابا والشيخ رسلان والطمليس الخ.. ونسمع اليوم بزاروب المحب في عين المريسة، وقد ذهب المحب وبقي الزاروب وكذلك زاروب العلية قرب دار العناية بالطفل والأم.

وزقاق من التركية سوقاق فتعني طريقا نافذا اشتهر منها قديما في بيروت زقاق البلاط وزقاق الخيالة، فقد ذكر صالح بن يحيى ان أحد أمراء الغرب ناصر الدين بن الحسين سكن بعد سنة 810هـ في دار مجاورة للبحر واستملك الزقاق المعروف بزقاق الخيالة...

وقيل ان عبد الفتاح آغا حماده رصف بعض أزقة بيروت بالبلاط منها المحلة المعروفة بزقاق البلاط. فيما أشار البعض الى قِدَم رصف بيروت بالبلاط الى ما ذكره ابن الأثير في تاريخه لسنة 497هـ ان سعد الدين الطواشي تولّى على بيروت وكان يحذّر ركوب الخيل فلما قدم بيروت أمر بقلع البلاط خشية انزلاق فرسه.

وقد عرفت بيروت القديمة أزقة منها زقاق رميا وزقاق الجميزة التابع لمحلة الصيفي وزقاق الخروبة التابع لمحلة المصيطبة وزقاق الخروبة التابع لدار المريسة وثالث في مزرعة العرب. وزقاق الوادي (أبي جميل) كما ذكرنا في كتابنا «منزول بيروت».

وفي اصطلاح البيارتة ان المقصود بباب الزقاق باب الدار الرئيسي المباشر للدخول والخروج فيسمّى باب الزقاق.

زقاق وزاروب عبلا المحتفظ باسمه

عندما اشترت في الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 1263هـ/ 1847م فاطمة بنت قاسم درويش الحسامي زوجة الحاج عبد اللطيف ابن الحاج بكري درويش الحسامي دكانة كائنة في وسط بيروت بالقرب من كنيسة الموارنة كان وكيلها في عقد الشراء أحمد ابن السيد قاسم عبلا. وقد ظهر اسم أحمد بن قاسم عبلا كشاهد في عدة عقود عائدة لسنة 1843م ما يدل على مركزه الاجتماعي. منها وثيقة مؤرخة في غرّة شهر ربيع الثاني سنة 1260هـ/ 1844م في معاملة بيع عبد العفو ومحمد وعبد الستار أبناء عبد القادر قرنفل دارهم المعروفة سابقا بدار الحاج محمد الطوب جي الكائنة في محلة الجامع الكبير فوق معصرة السبليني الى الحاج خليل محمد الناعماني.

كما ظهر اسم أحمد بن قاسم عبلا كشاهد في معاملة بيع ريحان العبد مولى عبد الفتاح آغا حماده العمار الذي جدّده في قطعة أرض كائنة في محلة الأمير قاسم داخل بيروت المثبتة بالوثيقة المؤرخة في 26 ربيع الثاني سنة 1260هـ/ 1844م.

كما ورد اسم أحمد عبلا في عدة وثائق منها واحدة مؤرخة في الرابع والعشرين من شهر شوال سنة 1259هـ/ 1843م في معاملة بيع الحاج خليل بن إبراهيم الحص العيتاني الى الحاج سعيد ابن الحاج مصطفى أيوب الحلبي قطعة أرض مفرزة من أرض البائع الكائنة في حي عين الباشورة. والوثيقة المؤرخة في الثالث من شهر ذي الحجة سنة 1259هـ/ 1843م في معاملة بيع خليل رجب الغزاوي حصصا شائعة الى محيي الدين قاسم صقر من الدار المعروفة ببني الطبش والمشهورة بدار اللاظ الكائنة في زاروب الطمليس بمحلة شويربات.

والوثيقة المؤرخة في آخر شهر صفر الخير سنة 1260هـ/ 1844م في معاملة بيع عبد القادر عمر بكداش الى الحاج سعيد ابن الحاج محمد غندور فتح الله حصصا في الدار الكائنة في محلة شويربات قرب قناطر بني دندن.

يستدل من الأوقاف التي افتتح بها أول سجل شرعي سنة 1259هـ/ 1843م والعائدة للجامع العمري الكبير ان بيت عبله كان قرب معصرة بني دندن بمحلة شويربات. وتبيّن من أوقاف جامع الأمير منذر ان دكانة لصيق قهوة العسس كانت مشغولة من أحمد عبلا.

زقاق أحمد بن قاسم عبلا الحسامي

لم يبقَ من أزقة بيروت القديمة إلا زقاق البلاط وزقاق عبلا الذي لا يزال عصيّا على الاندثار والصامد بإسم زاروب عبلا من حوالي مائتي عام على عكس ما حصل مع أزقة وزواريب أخرى في بيروت القديمة. ففي التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1284هـ/ 1868م حضر الى المجلس الشرعي في بيروت مصطفى بن أحمد عبله أصالة ووكالة عن شقيقتيه مريم وعليه وباعوا ما آل إليهم عن أبيهم الى خليل ومصطفى العطشان بعض قراريط من قطعة أرض كائنة في «زقاق عبله» في حي زقاق البلاط يحدّها شرقا ملك مصطفى عبله وشركة نفيسه بنت أحمد عبله بباقي السهام.

وتكرر ذكر زقاق أحمد عبله في وثيقة مؤرخة في التاسع عشر من شهر ذي الحجة سنة 1284هـ/ 1868م والذي باع بموجبها مصطفى بن أحمد عبله بوكالته عن شقيقته نفيسة حصة شائعة في الأرض الكائنة في «زقاق عبله» الى خليل ومصطفى العطشان. وفي التاريخ ذاته باع خليل ومصطفى العطشان ما اشترياه الى شقيقتهما.

ومن متابعة تسلسل التواريخ كما وردت في الوثائق نجد في وثيقة سنة 1263هـ اسم أحمد ابن المرحوم قاسم عبلا الحسامي، وفي وثيقة سنة 1284هـ اسم مصطفى أحمد عبلا، وفي وثيقة سنة 1284هـ أيضا اسم نفيسة شقيقة مصطفى. وإذا كانت المبايعة قد تناولت قطعة الأرض الكائنة في زقاق عبلا فمن المرجح أن يكون الزقاق قد سمّي على اسم أحمد ابن قاسم عبلا الحسامي على الأقل منذ سنة 1263هـ/ 1846م تاريخ ظهور اسم هذا الأخير في بعض الوثائق.

مع الإشارة الى ان اسم الشهرة يرد في الوثائق عبله أو عبلا أو عبلى.

الانتداب الفرنسي وتغييب الأسماء القديمة

من المعروف ان الاسم يرتبط بالمسمى وان الدراسة اللغوية لأسماء الأماكن هي ضرب من علم الآثار فإذا زال الموقع أو تغيّرت معالمه يبقى الاسم على المسمّى فيبدو الاسم كأنه قطعة من تاريخ المكان لها ما للآثار القديمة من أهمية وجلالة. فأسماء الطرق كأسماء النّاس، وإذا كان من حقنا أن نسمّي المولود عند ولادته فمن حقه علينا أن نحافظ على اسمه فلا نجعل له في كل حقبة من عمره اسما. وإذا كانت عمليات المسح العقاري التي تمّت أثناء الانتداب الفرنسي قد قضت وغيّبت أسماء محلات البلدة القديمة فضمّت محلات الفاخورة والشيخ رسلان والحدرة والدركاه ورجال الأربعين والتوبة والدباغة تحت اسم المرفأ، كما غيّرت أسماء المحلات والطرق خارج المدينة فجعلت الصنائع بدل الوالي خليل وكليمنصو بدل الحميدية وجورج بيكو محل الامينية، كما ألغيت أسماء شوارع السيدات خديجة وفاطمة وعائشة رضي الله عنهن من منطقة راس النبع.

عندما ضاقت محلات البلدة القديمة وزواريبها بالسكان الذين اطمأنوا الى استقرار الأحوال الأمنية أخذ الميسورون منهم بالانتقال للسكن خارج البلدة وكان من الطبيعي أن يختاروا المناطق القريبة من السور فيعمدون الى الدخول الى المدينة هربا أو خشية من اعتداء أو حرب. وكانت محلة زقاق البلاط الموقع الأقرب الى البلدة التي أخذ البيارتة بالسكن فيها تحقيقا لمقولة ان الأطراف مساكن الأشراف. فأنشأ عبد الفتاح آغا حمادة قصرا فيها، واتخذها المعلم بطرس البستاني مقرا لمدرسته الوطنية، وبنى مختار باشا مخيش قصرا لا يزال قائما، كما بنى حسن القاضي منزلا جميلا استقدم صنّاعا من إيطاليا لنقشه وزخرفته، وكان من الطبيعي أن يختار أحمد قاسم عبلى الحسامي منطقة زقاق البلاط ليتخذ مسكنا له فيها ويشتهر الزاروب المؤدّي له بزقاق عبلا الذي تسميه العامة اليوم بزاروب عبلا والذي بقي صامداً ومحتفظاً باسمه لأكثر من مائتي سنة.

 * مؤرخ