بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آب 2021 12:00ص أوراق بيروتية (27): أزقة الخيّالة والزيدانية وأمان والحميدية والخمارة والغلغول والغربا

حجم الخط
لم يتدخل العثمانيون عندما دخلوا بيروت في خططها الداخلية أي بما خصّ زواريبها وأزقتها وطراز عمارتها كما كانت أيام المماليك. ومن المعروف ان النظام المدني المملوكي كان يجعل من خطط المدينة متاهة لا يعرف التنقّل فيها إلا من يقيم بها. وكانت المحلات والأحياء تتجاور حول المساجد والكنائس والأسواق وتضم مجموعة من الأزقة والزواريب، وقد يتفرّع من هذه الأخيرة زاروب خاص بأسرة أو عدة أسر. ويمكن القول ان لكل زقاق تاريخ ولكل زقاق حكاية.

• زقاق الخيّالة: زار السائح أولبريد اولنديرغ بيروت سنة 1212م ودخل الى القصر عند القلعة التي انشأه البارون فولك دو غين Foulque De Guines وقال في وصفه «كانت غرفه مرصوفة بالفسيفساء وجدرانه مزدانة بقطع الرخام المنقوش ودهنت قبة القصر والقلعة بالصباغ الأزرق على شكل السماء وفي وسطها بركة من الرخام الملون». كما وصف القصر عند دخول فريديريك الثاني بيروت سنة 1232م بأنه من أجمل القصور في العالم.

ومن المعروف انه أثناء الحكم الصليبي على بيروت وجدت كنيستان هما: كنيسة المخلص افرنسيس الاسيزي وكنيسة مار يوحنا المعمدان أو النبي يحيى (الجامع الععمري الكبير). يذكر ان الفرسان الصليبيين الخيالة كانوا يجولون في المدينة على صهوات خيولهم من القلعة والقصر الى كنيسة المخلص والى كنيسة مار يوحنا ولا سيما في المواسم الدينية والأعياد بحيث يمكن وصف الطريق المشار إليها بأنها «زقاق الخيالة».

يقول صالح بن يحيى في «تاريخ بيروت» ان العسكر العربي (الإسلامي) كان ينقسم الى ثلاث فرق أي ابدال تأتي من أجناد حلقة بعلبك فيقيمون في برج بيروت عند الساحل ويمضي كل بدل مدة شهر. وعند انقضاء الشهر يحضر بدلهم. فكان يقال عند اقتراب نهاية الشهر: شدّوا مداساتكم يا بعلبكية. ومن هنا المثل البيروتي القديم المتناقل والقائل «شدّوا مداساتكم يا بعلبكية» وان الابدال اتخذوا منزلا لهم كنيسة المخلص افرنسيس الاسيزي (1182-1226م) وكانت كبيرة، وان سلف صالح بن يحيى جعلوها اسطبلا وانها في زمانه كانت خرابا بيعت حجارتها لبني الحمرا الذين بنوا فيها مدرستهم (زاويتهم) قرب الجامع العمري الكبير بعد سنة 810هـ/1407م. ثم ان ناصر الدين كره البقاء في الكنيسة لبُعدها عن البحر فاتخذ حارة جانب البحر لعلّه القصر الصليبي (ظهرت آثار الدار سنة 1867م عند باب الدباغة لما عمّر أحمد حمزة سنو وشريكه سلوم الخان المعروف باسمهما) وعمّر عليها أطباقا على الأقبية، ومن الأطباق مسجدا مع من معه من الأبدال، وبقي البدل الثاني في الكنيسة والبدل الثالث في دار مجاورة للحمام العتيق. ويرجح أن يكون موقع هذا الحمام في الموقع الذي بني عليه حمام فخر الدين أي الحمام الكبير لأن من عادة الحكام الجدد استمرارهم بالاستفادة من المنشآت التي انشأها من سبقهم من الحكام. ويضيف صالح بن يحيى بأن ناصر الدين بعد سكنه في الحارة الجديدة (أو المجددة) استملك الزقاق المعروف بزقاق الخيالة الذي يمتد من باب الحارة عند القلعة والقصر الى قرب الحمام العتيق جانبي الزقاق يمنة ويسرة. ويستدل من هذه النصوص ان ما عُرف بزقاق الخيالة سبق انتقال ناصر الدين الى القصر والقلعة وإضافة بناء عليها والذي تعود تسميته برأينا الى الخيالة الصليبيين. ونرجح أن يكون سبب انتقال ناصر الدين من وسط البلد الى قرب البحر في القلعة والقصر كان على سبيل الحيطة والحذر باعتبار ان هذه المواقع كانت محصّنة وأكثر أمنا وتطلّ على البحر الذي يمكن منه رصد أية اعتداءات محتملة.

• زقاق أمان وزقاق الحميدية: يتبيّن من الوثيقة المؤرخة في السادس عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1325هـ/ 1907م ان ابنتي ميخائيل فرعون تملكان أسهما شائعة من خانة وآخور (اسطبل) كائنة في محلة جميزة يمين «بزقاق أمان». ومن ثلاثة دكاكين بمحلة ميناء الحسن «بزقاق الحميدية» الذي شقّ في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ونسب إليه، وقد غيّر الفرنسيون اسمه وجعلوه شارع كليمنصو.

قَدِم عبد الفتاح آغا حماده من الاسكندرية وطرابلس الى بيروت سنة 1806م مع وفد كبير كان من ضمنه عالم الاسكندرية الشيخ محمد المسيري الاسكندراني. عمل حماده في التجارة وكان محبوباً من السكان وله آثار تُذكر فتُشكر، ولّاه إبراهيم باشا نظارة المجلس الشورى وعيّنه متسلماً على بيروت. وفي سنة 1242هـ/ سنة 1826م بنى عبد الفتاح حماده قصرا على ظهر قيسارية الأمير يوسف باطن بيروت أرّخه المفتي الأغر. وفي سنة 1243هـ/ 1827م أراد بناء قصر له في بستانه في محلة جميزة يمين. فتوجه إلى موقع البستان فوجد بجواره بيتاً متواضعاً تسكنه امرأة عجوز. وسألها عن أحوالها، فأعلمته بأنها فقيرة لا معيل لها وأنها قلقت عندما أعلمت بأن عبد الفتاح آغا حمادة سوف يبني قصراً بجوارها، وأنها متوجسة من هذا الجوار مع الحكام. ودللت على مخاوفها بالمثل القائل: «بفيّة الجميز ما بينبت حشيش وإن نبت ما بيعيش». فكشف لها عن هويته وطمأنها. وقال لها: «جارك أمان، دارك أمان» (وقد آل قصر حمادة فيما بعد الى موسى فريج) وعرفت الطريق عند القصر بزقاق أمان.

وطلب من المفتي الأغر تأريخاً للقصر فنظم قصيدة مطلعها:

هذه دار بناها

ابن سعد ذو احتشام

كم حَوَت قصراً مشيداً

قد تسام بنظام

وبها الإيوان أضحى

حاكياً قوس الغمام

جمعت وهي عمار

غرف الحسن العظام

حولها جنات عدن

قد حَوَت كل المشام

• زقاق الزيدانية: نشر في 14 آذار سنة 1864م إعلان في جريدة «حديقة الأخبار» موضوعه عرض بالبيع أو الإجارة لريع المقالع «بأرض الزيدانية» ملك نعمة ثابت، وفي الحادي والثلاثين منه نشرت الجريدة إعلانا من يوسف ديمتري الجدي بأن الأرض المشار إليها هي ملكه بشراكة نخلة المدور فقط ولا علاقة لثابت بها. وكانت تقلا العكاوي قد أعلنت في السادس من شهر ربيع الثاني سنة 1297هـ/1879م رغبتها ببيع «كامل الأرض المعروفة بالزيدانية في محلة المصيطبة خارج بيروت الآيل إليها إرثا من زوجها يوسف ديمتري الجدي. ويبدو ان أرض الزيدانية كانت مقلعا للحجارة الرملية وقد نسبت قديما للمدعو زيدان مثلما يقال السرسقية والعيتانية ولم تكن معروفة كحي أو محلة.

• زقاق الخمارة: تفيدنا الوثيقة المؤرخة في الخامس من شهر شعبان المعظم سنة 1291هـ/ 1874م مبايعة الإيوان المكشوف الراكب فوق عمار صفية بنت الشيخ فتح الله الواقع، هذا الايوان، في الدار المعروفة ببني الريس الكائنة في «زقاق الخمارة» التابع لمحلة الدباغة ويتبع المبيع العليّة الراكبة على بيت عبد اللطيف الثمين الطنطاوي... ونقرأ في وثيقة تركة حبيب جرجس بسترس تاريخ 17 شوال سنة 1308هـ/ 1892م ذكر دار كائنة بمحلة سوق الخمامير داخل بيروت يحدّها شمالا وشرقا تربة الغرباء. يذكر ان سوق الخمامير كان في موقع شارع فوش قريبا من المرفأ وسمّيت السوق كذلك لكثرة المقاهي فيها التي تقدّم الخمرة للزبائن الذين هم غالبا من الأجانب السياح والبحارة، والمرجح أن يكون زقاق الخمارة أحد أزقة السوق المذكورة. وقد تعددت الصالات والبانسيونات في هذا الزقاق والسوق، وكان منها «لوكندة أهلا وسهلا» التي أوحت لنا أحداثها بكتابة مسرحية بعنوان «شهر عسل في بيروت» (لم تكتمل).

• زقاق القرقوطي: في وثيقة مؤرخة في آخر شهر ذي الحجة سنة 1090هـ/ 1680م لدى أحمد القاضي بمدينة بيروت الذي نمّق الوثيقة بأن «ما فيه من المتابعة مع قطع المنازعة» ومحتواها ان أولاد الشيخ بو توفل الخازن اشتروا من منصور بن حبيش أسهما مما انتقل إليه من والدته نسب بنت فرح الدهان من الدار و«المنزول» الكائنين بمحلة بني الدهان، يحدّه قبلة ملك بني القرقوطي، ومن شهود الوثيقة محمد سعادة الخواجا والشيخ زين الدين المفتي. وتفيد الوثيقة المؤرخة في الحادي عشر من شهر رجب سنة 1298هـ/ 1881م ان الخواجا يوسف سيور وقف قطعة أرض كائنة في زقاق القرقوطي «من محلة الرميل» وقطعة أخرى بالمحلة نفسها يحدّها غربا ملك الحاج إبراهيم القرقوطي. فيما تشير الوثيقة المؤرخة في الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة 1259هـ/ 1843م الى مبايعة في الدار الكائنة داخل الدار المعروفة ببني الثمين والقرقوطي داخل زاروب الشيخ رسلان. كما جرت في الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 1263هـ/ 1847م مقاسمة بين المفتي الشيخ أحمد الأغر وعائشة علي زهرة على أقسام من الدار المعروفة بدار تعباني الكائنة داخل زاروب تعباني وسعد الدين القرقوطي الواقع هذا الزاروب داخل زاروب شيخ الإسلام... كما تفيدنا وثيقة 28 ذي الحجة 1264هـ/ 1848م ووثيقة التاسع من شهر محرم الحرام حصول مبايعات لدور في زاروب القرقوطي في سوق الحدادين ما يدل على اتساع ثروة إبراهيم القرقوطي. يذكر ان صفية بنت إبراهيم القرقوطي تزوجت من الشيخ مصطفى دندن وأنجبت خديجة وحافظة وان خديجة تزوجت من الشيخ محمد الفاخوري وأنجبت صفية وعمر الفاخوري وصفية تزوجت أحمد فاخوري وأنجبت صبيان وبنات منهم علي والد جدي لأبي عبد اللطيف فاخوري.

• زقاق الغلغول وزقاق عصور: يتبيّن من الوثيقة المؤرخة في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1298هـ/ 1881م ان من جملة ما تركه الحاج حسين بيهم لورثته قطعة أرض كائنة في محلة الباشورة «بزقاق الغلغول» خارج بيروت المشتملة على بناء ودكاكين يحدّها قبلة الطريق السالك الآخذ الى جامع الباشورة وشمالا وقف محمد آغا الجبوري وشرقا ملك ورثة الحاج محمد سلام... ومن أملاك أسعد اسحق إبراهيم ثابت أرض بزقاق عصور من محلة الباشورة قرب باب الدركاه وطريق الزقاق تصل الى خان ثابت (1 شعبان 1305هـ).

ومن طريف ما يُروى أن أحد الشبان وكان يدعى النوق المغربل مرّ سنة 1888م بقهوة عصّور، فدخل ليستمع إلى سيرة عنترة، ويظهر أن الحماس اشتدّ به، فخرج من المقهى وشاهد محمد عبد العال وأحمد الكعكي إبن رئيس المينا، فطعنهما بمديته وأركن إلى الفرار واختفى في زواريب محلة الغلغول.

• زقاق الغربا: تناولت بعض الوثائق «زقاق الغربا» التابع لمحلة الدباغة وقد سبق وذكرنا محلة الغربا. فمن المبايعات بيع جبرائيل نصر الله مخزنا معقودا في الزقاق المذكور الى ميخائيل بن الياهو دانا وميخائيل بن يوسف دانا ويتبع المبيع قبو في زاروب بني التويني بالمحلة المذكورة (21 ج1 سنة 1291هـ). وبيع ميخائيل الى عزرا ابن الحاخام جبرائيل ستن الموسوي المخزن المعقود في زقاق الغربا التابع لمحلة الدباغة، يحدّه قبلة وشرقا وغربا ملك بني التويني (26 ربيع 1 سنة 1289هـ).

• أزقة أخرى: وردت في الوثائق أزقة كثيرة ارتبط اسمها بموقع أو معلم أو شجرة، منها زقاق الحمام الصغير في محلة التوبة، وزقاق الفواخير (جمع فاخورة) في محلة دار المريسة، وزقاق الحلواني في زقاق البلاط الذي انشأ فيه المعلم بطرس البستاني مدرسته، وزقاق مار متر التابع لمحلة الرميل، وزقاق دندن التابع لمحلة الدركاه، وزقاق كنيسة الأرمن بمحلة بركة المطران في حي النورية، وزقاق خروبة المعقصة بمزرعة رأس بيروت، وزقاق الجميزة الذي أصبح شارع غورو وقد خلط البعض بين هذا الزقاق ومحلة جميزة يمين في القنطاري. وزقاق منيمنة في محلة جميزة يمين، وزقاق الحشاش آخر سوق باب السراي قرب زاوية الإمام الأوزاعي، وزقاق نبعة المطران في محلة راس النبع الشرقي، وزقاق الوادي والمقصود به زقاق وادي أبي جميل الذي سنبيّنه في مقال خاص.



* مؤرخ