المغارة في الذاكرة الشعبية رمز لسكن الإنسان الأول ارتبط اسمها بأحداث تاريخية وأسطورية كمغارة مار جرجس الخضر وقضائه على التنين ومغارة أهل الكهف, وهي رمز المجهول يقف الإنسان عندها حذرا خائفا مما قد تخفيه من أسرار وطلاسم وأشباح, يرتبط الدخول إليها بنطق عبارة «افتح يا سمسم» التي سبقت اكتشاف العلم الحديث لما سمّي بصمة الصوت. نقل الأب لويس شيخو في الجغرافية ما قاله الأب زمّوفِن استناداً الى علم طبقات الأرض من أن وادي نهر بيروت مع السهل الذي يجاوره كان مغموراً بمياه البحر قبل حلول الإنسان فيه، وأن خوراً كبيراً كان يجمع بين خليج مار جرجس وبين مياه البحر عند مصب وادي شحرور، وأن رأس بيروت كان منقطعاً عن البحر وأن كثباناً من الرمل كانت تدفعها الرياح إضافة الى عوامل طبيعية أخرى شكّلت السهول التي تشكّلت بين نهر بيروت ونهر الغدير. وكان من الطبيعي أن تتكوّن بفعل تلك العوامل الجيولوجية ينابيع مياهها صالحة للشرب منها نبعة الحلبية عند موقع مدرسة الكبوشية، ونبعة شوران أو عين الفاخورة عند موقع الحمام العسكري, وعيون نابعة في محلة التحويلة وغيرها وينبوع ماء صالح للشرب في الدالية. وأن تتكوّن تلال وهضاب ومرتفعات وأودية ومغاور. وأكثر المغاور كانت موجودة من محلة ميناء الحسن (لم ترد في الوثائق القديمة إلا بصفة الحسن) وحتى الرملة البيضاء عدا مغارة الخضر أو مار جرجس شرق بيروت. وتساءل الدكتور سعيد شهاب الدين في رسالته المقدمة في جامعة السوربون سنة 1950م عما إذا كانت مغارة الحمام من بقايا جزيرة وان ما اكتشف من أدوات في منطقة المغارة يثبت ان الإنسان كان يشغل (يسكن) في رأس بيروت منذ القدم أي في العصر الحجري الوسيط Poleolithique moyen. وذكرت نينا جدجيان بأن الأب راوول ديريب حقّق سنة 1924م اكتشافات هامة الى الجنوب من مغارة الحمام في موقع يسمّى مينة الدالية يرتفع الى علو خمسة وأربعين متراً فوق سطح البحر ما يشكّل شاطئاً صخرياً يمرُّ الكورنيش (الحالي) بجانبه من الأوزاعي.
في خزانتنا وثيقة مؤرّخة في السابع عشر من شهر صفر الخير سنة 1264هـ/ 1847م « باع بموجبهــا الحاج مصطفى محمد نجا والشيخ علي ناصر الطيارة الى الأمير أحمد عباس ارسلان أربعة وعشرين قيراطاً من قطعة أرض مفرزة كانت معروفة بأرض يمين الكائنة ظاهر مدينة بيروت «والمقابلة للروشة»، يحدّها غرباً البحر المالح وتحتوي على بئر ماء مُعد لجمع ماء الشتاء بمبلغ ثلاثة آلاف وستماية قرش».
ويبدو أن اسم الروشة ظهر لأول مرة في مبايعة تلك السنة أي 1847م للصخرة التي كانت تعرف بمغارة الحمام La grotte aux pigeons وقد قيل خطأ بأن الفرنسيين أيام الانتداب أطلقوا على الصخرة La roche وأن الروشة من روش الناس أي كثرتهم؟ وبرأينا أن إطلاق اسم الروشة على الصخرة تمّ زمن الاحتلال المصري لبيروت بين سنتي 1831 و1840م بفعل كثرة المستشارين والخبراء الفرنسيين الذين رافقوا حملة إبراهيم باشا. وتفيدنا الوثائق أن عدة مبايعات تمّت في رأس بيروت الغربي لعقارات مجاورة لشاطئ البحر، ولا سيما في جب النخل وشوران منها ثلاثة عقارات بتملّك سعيد أرسلان غربها شاطئ البحر. وقطعة قرب عين شوران ملك الغلاييني وقطعة لإسماعيل التل في شوران وقطعة في كروم شوران اشتراها خليل صادق عيتاني.
مغارة سويد وجامع عبد الله بيهم
في السابع والعشرين من شهر ذي القعدة 1266هـ/ 1850م اشترى سعد الدين بن عرابي الحوت من خليل الرجي قطعة أرض مفرزة من بستان بني الترمساني في راس بيروت بالقرب من مغارة سويد. وتقول جريدة «بيروت» في آذار 1887 انه شرع في بناء جامع شريف جديد عند مغارة سويد على البحر في المكان المعروف بقهوة مروش. وذكرت في كانون الأول 1887 ان الجامع بُني «فوق» مغارة سويد. والجامع هو جامع دار المريسة أو جامع عبد الله بيهم بناه أولاده تكريما لذكرى والدهم، ولكننا لا نعرف من هو سويد المشار إليه ولم يقم أحد بالإشارة الى أهمية هذه المغارة أو الى عمقها. ومع هذا المقال صورة تعرض لأول مرة للجامع وتبدو المغارة تحته وهي من مجموعة أمين معاز.
مغارتان في أرض طنطاس
بموجب وثيقة مؤرخة في العشرين من شهر ذي الحجة سنة 1286هـ/ 1869م اشترى ميخاييل الغرزوزي ووقف ما سبق ان اشتراه عدة قطع أرض كائنة في محلة طنطاس من مزرعة راس بيروت المشتملة على صخور و«مغارتين» واصل زعرور، واصل خروب وجورتي اتون وبئر لجمع ماء المطر معروف ببئر العصافير.
مغارة الولي أحمد السادات
من المتفق عليه ان الحكايات والأغاني والأمثال التي يتداولها الشعب هي جزء من ذاكرته وان ما يتنّدر بها في ليالي الشتاء العاصفة وليالي الصيف المقمرة وما يضاف إليها من خوارق وأعاجيب ترويها الجدات ويتناقلها الأحفاد كعرس الجنيات الذي وصفه المرحوم رشيد قليلات أو جنيات خندق ديبو الخ.. كان لها في غابر الأزمنة شيئاً من الواقع ومن ذلك السادات الذين أعطوا اسمهم للمحلة والشارع المعروف بهم. أشارت حياة اللبان في كتابها «راس بيروت كما عرفته» الى ان الكثير من أهل رأس بيروت ومن أقاربها حدّثوها «على الضهرة بين الكلية الانجيلية وفندق فدرال. حيث توجد مغارة يسكنها الأولياء السادات الذين أعطوا اسمهم للشارع المتاخم لهم وكان يخرج ليلا من هذه المغارة شاب فارع الطول له لحية سوداء قصيرة يرتدي ثيابا بيضاء فيجول في المنطقة مرات عديدة بخطى واسعة كبيرة ثم يعود الى المغارة هو الولي أحمد السادات. «وتضيف» وقد شاهده كل سكان هذه المنطقة من رأس بيروت وكان له اخوات شابات يرتدين ثيابا بيضاء ويلتففن بأوشحة وأغطية ناصعة يغادرن المغارة من وقت لآخر وكان السكان يستنجدون بهن في الملمّات فيشعلون الشموع عند باب المغارة ويضعون قربها باقات من الزهر يجمعونها من أزهار الضهرة وينادون: إيه يا سادات... أريد كذا وكذا... فإذا انطفأت الشموع فلا يتم أمرهم وإذا بقيت مشتعلة فذاك دليل على قبول النذر».
مغارة القنطاري
بموجب الوثيقة المؤرخة في 20 ذي القعدة سنة 1263هـ/ 1846م اشترى الحاج محمد أبو علي ابن محمد اللبان الداعوق من مصطفى محمد الجدع وزوجته ليلى بنت أحمد علاء الدين يموت العودة المفرزة من بستان الجدع الكائن بمزرعة القنطاري خارج بيروت المشتملة على أغراس توت وبري وفواكه وعمار بيتين مسقفين بالجسور والأخشاب وبئرين معدّين لجمع ماء الشتاء و«مغارة».
وتبيّن ان هذه المغارة كانت تخفي آثارا مهمة أشير إليها سنة 1883 من قبل ادمون ابن دوري كلوفيس، وكان هذا الأخير قنصلا لفرنسا في صيدا. كان ادمون يجول على فرسه قرب فرن القنطاري عند الرمل فسمع صوت فراغ تحت حوافر الفرس فاشتبه بوجود مغارة فأخذ يبحث وتوصّل لمعرفة بأن في الفرن مغارة قديمة. وتتابع صحيفة «الجنة» التي نشرت الخبر «فدخل الفرن واندهش عندما رأى ان ذات الفرن مدفن قديم منقوش نقشا جميلا وهو مملوء بالقبور الخالية من توابيتها والتي يبدو انها أقيمت في عصر مجهول. غير انه تتبّع هندسة البناء في مغارة الفرن وتحقق عنده وجود حفر ثانية متلاصقة لا بد أن تكون مدافن قديمة وتقرر عنده ان كل تلك البقعة المجاورة للفرن هي المقبرة العمومية لمدينة بيروت وزار المكان كليامنتس فيليبيدس الذي كتب تلك الكلمة وقال فدخلت الفرن وتحققت مما سمعته من ان الفرن أصله مدفن ولو عرفت الحكومة السنية به وأخذت في البحث عما يحتمل وجوده في الفرن والمغاور الملاصقة والظاهرة من داخله لوجدت آثارا مفيدة في التاريخ البيروتي».
مغارة الوطاويط
حدث أثناء احتلال إبراهيم باشا لبيروت ان تاجرا اشترى قنطارا من الزبيب وتركه مفروشا في زاوية دكانه وكان يعلو الباب نافذة صغيرة بقضبان خشبية أقفل التاجر دكانه وسافر الى دمشق في أموره التجارية ولما عاد تفقّد الزبيب فلم يرَ له أثرا، فشكى الأمر الى متسلم البلد ولم تسفر التحريات في معرفة السارق فلم يكن من كسر أو خلع في الباب أو النافذة وبعد أيام خرج اتباع الباشا للنزهة في شوران ومغارة الحمام ولفت نظرهم فتات الزبيب على الحشائش في المغارة فاخبروا الباشا، وتذكّر هذا الأخير الزبيب المسروق فاستدعى التاجر الى السراي وقال له لقد وجدنا السارق فاذهب الى ضابط البلد يرشدك إليه، فانطلقا حتى انتهيا الى المغارة فصاح الضابط: يا سارق الزبيب سلّم نفسك، وكرّر النداء مرة ثانية دون طائل، عندها سأل التاجر: أين السارق؟ فقال الضابط: ما أحسب ان السارق من الإنس ولا من الجن، فقال التاجر: فمَن تراه يكون؟ فتبسّم الضابط وقال: سارق الزبيب جماعة الوطاويط.
مغارة الأوزاعي ومغاور سهل مار إلياس
يذكر أن الأمراء الشهابيين كانوا يملكون مع الأمراء الأرسلانيين الساحل الغربي وعلى أثر خلافات حصلت فيما بينهم تصالحوا فخرجت الأملاك الواقعة في الشيـــــــــاح وبرج البراجنة وقسم من تحويطة الغدير من نصيب الشهابيين، وكانت الأراضي المدعوة «بسهل الإمام الأوزاعي» بعهدة الأمير بشير منذ سنة 1236هـ/ 1820م أجّرها للشيخ مصطفى الرفاعي وأن هذا الأخير تغلّب على الأرض وأدارها ثم قيّدها بدفتر الوقف بعد أن كان مستأجرها. وأفادت الوثائق بأن حدود تلك الأراضي عند المغارة التي تبعد مائة ذراع للجهة القبلية من مقام الأوزاعي. وتفيد وثيقة مؤرخة في 22 جمادى الأولى 1282هـ/ 1865م ان الأراضي المتلاصقة الواقعة في سهل مار إلياس مشتملة على رمل وصخور يحدّها قبلة أرض الإمام الأوزاعي وشرقا وقف مار إلياس وغربا شاطئ البحر وفيها مغارة مار إلياس بطينا الذي لجأ إليها هربا من الاضطهاد وبُني فوقها دير مار إلياس وتبيّن مؤخراً وجود أنفاق تحته.
مغاور مقالع الحجارة
اشتهرت أيام الانتداب الفرنسي مغاور في منطقة تلة الخياط كانت تأوي إليها بنات الهوى يستقبلن فيها الجنود، وكانت هذه المغاور مقالع قديمة كان البيارتة يستخرجون منها الحجر الرملي.
* مؤرخ