بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 تشرين الأول 2021 12:00ص أوراق بيروتية (35): دكان عمر سي علي وكرْم سيّد أحمد الحوت ودار الشيخ سي أحمد اللادقي

حجم الخط
ارتبط الساحل السوري - اللبناني - الفلسطيني جغرافياً بالساحل المصري منذ قديم الزمن ارتباطاً وثيقاً رافقه اشتراك في عدة عوامل كالتاريخ واللغة والعادات والتقاليد والتراث الوحي والعمراني وذلك على امتداد علاقات مصر بالشام منذ الفتح العربي مروراً بالعصور الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية وصولاً الى عهد الاستقلال. وكان من الطبيعي أن تنشط حركة انتقال السكان بين السواحل المذكورة وداخلها وخاصة بين دمياط والاسكندرية وطنطا ورشيد وبيروت، وأن ينتج عن هذا الانتقال تزاوج ومساكنة وتمازج واختلاط وتداخل في العادات والتقاليد والمعتقدات فتختفي الفوارق والخصوصيات مع الزمن، ولكن تبقى الرواسب في الأحافير والتي تبقى آثارها باقية كظاهر الوشم في باطن اليد على حد قول الشاعر طرفة بن العبد.

في أيلول/ سبتمبر سنة 1807م وصل الشيــــخ (أحمد) المسيري مع ستين من اتباعه وأقربائه من مرفأ الاسكندرية الى طرابلس وقدّرت الرسالة ثروة المسيري بمبلغ 23 ألف بورصة قيمة كل بورصة 500 قرش (حوالي ماية ألف ليرة عثمانية) إلا ان بربر آغا أوعز إليه بالسفر الى بيروت بعيداً من أعين الرقباء. وكانت بيروت يومها بلدة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها ستة آلاف نسمة. فانتقل المسيري مع عائلته وحاشيته الكبيرة الى بيروت وتوطّنوا فيها وتصدر الشيخ للتدريس في الجامع العمري الكبير. وفي 2 نيسان سنة 1832م دخل إبراهيم باشا بيروت من باب الدركة وقد رافقه وتبعه رهط من المدنيين التجار والصنّاع والكتبة والعلماء والشعراء واستمر تواجدهم العسكري في بيروت حتى سنة 1840م فخرج العسكر وبقي المدنيون وخلال فترة التواجد العسكري اختلط المصريون بالبيارتة فتزاوجوا فيما بينهم، نذكر من أعلامهم العباس بن سليمان (من جند إبراهيم) تزوج بيروتية من بني الشامي فرزق عدة أولاد منهم الشيخ أحمد الذي عرف بإسم أحمد عباس الأزهري. ومنهم السيد حمد، جد الشاعر عمر حمد. ومن أعلام تلك المدة إبراهيم عبد العال سالم الذي سمح له إبراهيم باشا بالزواج من ابنة إبراهيم البرهومي البيروتي.وهو والد القبضاي المشهور أحمد عبد العال والتاجر المعروف خليل آغا عبد العال وهذا الأخير والد المرحوم المهندس إبراهيم عبد العال. ومنهم التاجر علي بن حسين الشخيبي في بيروت وهو من عرب البحيرة، عمل في تجارة المواشي والنقل البحري بواسطة المركبين قاصد كريم وراجي كريم بشراكة عمر غزاوي والد عبد الله.

عقب فشل ثورة أحمد عرابي سنة 1882م قبض على من اشترك معه فتمّ نفي بعضهم الى سيلان والسودان. ومنهم من نفي الى بيروت وكان على رأس هؤلاء الإمام محمد عبده الذي تزوج رضى كريمة سعد الدين بن عبد الفتاح حماده، ودرّس في المدرسة السلطانية وكان له العدد من المريدين والتلامذة كالشيخ أحمد المحمصاني وعبد الباسط فتح الله.

مؤثرات مصرية في الأسماء والأغاني

من مراجعة سجلات محكمة بيروت الشرعية المحفوظة ابتداء من سنة 1259هـ/ 1843م يتبيّن وجود معاملات لعائلات كثيرة تعود في أرومتها الى مصر. وقد وردت شهرتها مضافة الى مدينة أو قرية مصرية أو الى مصر كبلد مع ذكر المهن أحياناً. نذكر على سبيل المثال: البدرشيني والرشيدي والفيومي والصعيدي والغول والدمياطي والجيزي والبلطجي والبنداق والنويري نسبة لنويرة وعسل المعبي (من بنها العسل) أو من معبيْ العسل والشرقاوي. كما ورد فيها العديد من معاملات البيع والشراء والتملّك وقضايا متعلقة بالأحوال الشخصية. 

لم تصل إلينا نصوص الأغاني التي كانت شائعة في بيروت في القرن التاسع عشر. ولكن وصلتنا بعض مطالعها من خلال دواوين شعراء بيروت بما يعرف «بالتنزيلات الصوفية» من مطالع تلك الأغنيات بلهجتها المصرية نذكر «ياما نهيتك» و«هيّا للخمّار هيّا. هيّا للخمّار هيّا. واسقيني كاس الحميّا. لأعطي للخمّار روحي. لأعطي للخمّار روحي والهدوم اللي عليّا». ومن الأغاني بلهجتها المصرية التي نظّم الأنسي على لحنها نذكر «يا ولد يا مسلّيني شاماتك عددهم كام» و«على البنادر يلبسوا عسكر» و«اسكندريا. قم يا حبيبي صح النوم كاس المدام حلي لك».

أدرك عمر الزعني (1898 – 1961م) تذوّق البيارتة للهجة المصرية، فكانت أول أغانيه باللهجة المذكورة الفرانكوفونية سنة 1918م ألّف وغنّى على لحن «عشنا وشفنا سنين، الدنيا قايمه والشعب غافل راحت بلادكم ما حد سائل الحق عليكم وللا على مين». ويقول في أغنية أخرى «يصح كده يا سي عبده.. يبقى الغريب سيدك وأنت عبده».

سيد أحمد في بيروت ولبنان

جاء في «تاج العروس» يقال هذا سيد قومه اليوم فإنما اخبرت انه عما قليل يكون سيدهم. وفي الحديث قالوا فما في أمتك من سيد قال بلى من آتاه الله ملا ورزق سماحة فأدّى شكره وقلّت شكايته في الناس.

تكثر في مصر تسمية الأبناء بسيد، مثل: سيد درويش وسيد قطب وسيد طنطاوي.. وقد يضاف إليها (سي) بالحرفين السين والياء. عرفت هذه التسمية في لبنان وبيروت في القرن الثامن عشر لا سيما لدى الأمراء الشهابيين، فكان منهم وفقا للتاريخ الأمير حيدر سيد أحمد ابن الأمير قاسم وسيد أحمد ابن الأمير منصور وسيد أحمد ابن الأمير ملحم وفارس ابن الأمير سيد أحمد.

وعرفت هذه التسمية في بيروت، ذُكر منها «سيد أحمد سراج» ثم تكاثرت هذه التسمية بعد سنة 1830 وما يليها.

سيد أحمد في بيروت

ففي الثامن عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1262هـ/ 1846م باع عبد الرحمن الغريب الى مصطفى الغلاييني قطعة أرض في القنطاري مشتملة على أغراس توت وبئر وفواكه وفرن (فرن القنطاري) يحدها غربا أولاد عم المشتري إبنا «سيد أحمد الغلاييني» ويتبع المبيع العليّة الملاصقة لعليّة أولاد سيد أحمد المذكور.

وفي الثامن من شهر صفر الخير سنة 1263هـ/1847م باعت الحجة صفية بنت المرحوم « سيد أحمد الحوت» الى ابنها محمد علي ابن الحاج حسين منيمنه قطعة أرض من كرم أبيها الكائن بمزرعة القنطاري بالقرب من وادي جميل (هكذا وردت).

وفي الخامس من جمادى الثانية سنة 1264هـ/ 1848م وقف الحاج حسن ابن الحاج حسين منيمنه الدار الواقعة بحصة الدرب المشهورة سابقا بحصة «سيد أحمد الحوت» في مزرعة القنطاري، يحد الدار غربا ملك السيد محمد الحوت. وكان الوقف على الواقف وعلى زوجته ومن بعدهما النصف لزاوية الباشورة والنصف لفقراء الحرمين الشريفين: حرم مكة المكرمة وحرم المدينة المنورة.

وفي الخامس عشر من ربيع الثاني سنة 1264هـ/ 1848م باعت الحجة رابعة بنت علي زين المعلم علي الى عبد القادر قدورة قطعة من بستان أبيها الكائن بحي عين الباشورة وشهد على من وكّلته بالبيع السيد إبراهيم أبي حسن ابن «سيد أحمد الدنا»...

وقد أدركنا من سميّ سيد بيضون ومن سميّ سيد بدوي الشعار والد المرحومين المحاميين وجيه وسامي الشعار. 

سي عمر وسي أحمد

افتتح أول سجل شرعي لبيروت سنة 1843م بجردة لأوقاف واحكار الجوامع والزوايا في بيروت، فكان من أوقاف جامع الأمير عساف (السراي) حكر دكان «عمر سي علي» في سوق الساحة مقابلة دار السيد الشيخ أحمد الاغر على العريس صدقة. والمقصود بالساحة ساحة شهداء الحروب الصليبية القديمة الواقعة عند تقاطع شارعي ويغان واللنبي الحاليين وكان فيها بيت الشيخ أحمد الاغر وأبي عسكر يونس نقولا الجبيلي. ويرجّح أن يكون سي عمر المذكور قد شغل الدكان أثناء حكم إبراهيم باشا لبيروت.

بينما تذكر الوثيقة المؤرخة في الثامن عشر من شهر محرم الحرام سنة 1264هـ/ 1848م ان سعد الدين عمر العويني باع الى عبد القادر موسى المتولي على الجامع الكبير العمري (وصف بالكبير لتمييزه عن الجامع العمري الصغير القديم الذي عرف بجامع الدباغة) بمال وقف الجامع للجامع، والمبيع نصف أرضية وتخت يعلوها، يدخل منه الى تقيسمه الكائن ذلك داخل الدار المعروفة سابقا «بدار سي علي» الملاصقة لعمار الجامع وشركة الجامع بالنصف الثاني.

وفي الحادي والعشرين من شهر صفر الخير سنة 1263هـ/ 1847م باع محمد بكري الطيارة وشقيقته رحمة ما آل إليهما إرثا عن والدتهما نفيسة مصطفى العيتاني الى عبد الرحمن وعبد الله الطيارة ثلاثة أرباع القيراط من الدار العلوية. المعروفة سابقا «بدار الشيخ سي أحمد اللادقي» الكائنة في محلة شويربات بسوق الصاغة القديم المعروف (الآن) بسوق الجديد. وقد ورد الاسم ذاته في وثيقة التاسع عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1263هـ/ 1847م بإسم «الشيخ سيد أحمد اللادقي». ويبقى السر في التسمية بالسيد قبل اسم أحمد فقد يكون من باب التبرّك والله أعلم.

 * مؤرخ