بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الثاني 2021 12:00ص أوراق بيروتية (39): حمّيدي صقر و«بستان بيت زين» وقف سليمان المعلّم علي زين في حيّ عين الباشورة

حجم الخط
من المتفق عليه ان أحمد باشا الجزار دخل الى بيروت سنة 1771م ومعه ثلاثمائة من المقاتلين المغاربة وعمد الى تحصين بيروت وتقوية دفاعاتها وتدعيم سورها. ومن نافل القول انه وضع عسكره في المواقع المتقدمة في المدينة, وان عسكر الجزار المغاربة ومعهم بعض شباب المدينة حاربوا معه سنتي 1772 و1773 الأسطول الروسي وان البعض منهم خرج مع الجزار عندما أُجبر على الخروج من بيروت أو عاد إليها بعد عودة الجزار واليا على صيدا وبيروت ضمناً فيما بقي البعض الآخر وعرف بالمغربي فيها وتزوج من عائلاتها وتملّك بيوتا وبساتين. ومع انه لا يوجد إثبات بأسماء العساكر المغاربة الثلاثمائة الذين قدموا مع الجزار الى بيروت إلا ان الأحداث بيّنت منهم البخاري ومحمد آغا الجبوري وأبو الموت.

في عنعنات البيارتة ان أصول بعض عائلاتها يعود الى مصر والمغرب العربي الكبير بما فيه الأندلس، قدموا الى بيروت لجوءا أو تجارة أو هجرة ومنهم عائلات طبارة والبنداق وفرغل وزنتوت وسوبرة والهبري ودية. لقب أبناء من هذه الأخيرة بدزار القلعة ولا سيما أثناء العدوان الروسي الذي كان فيه علي آغا دية دزداراً لقلعة بيروت وقد رثاه مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله بقوله:

بكل الورى أمر المنون فنافذ

وفيها المنايا بالسهام تراشق

وكل مليك سوف يرحل ظاعنا

ولا بد يوما للحياة يفارق

علي السجايا ابن المكارم والندى

همّام به ذلّت أنوف شواهق

عليك رضاء الله ما ناح طائر

وما طلعت شمس وما اسودّ غاسق

الأمر الذي يرجّح ان علي آغا جاء مع الجزار وإلا لما أمِنَ هذا الأخير جانبه وسلّمه حماية القلعة والدفاع عنها.

ومن جهة ثانية، فان الإسم حميدي كان معروفا في بيروت، ذُكر منه الحاج محمد بن عبد القادر الجزائري المشهور بالحاج حميدي وقد مدحه مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله بعدّة قصائد مطوّلة. والذي يؤيّد بقاء عدد من عسكر الجزار في بيروت ان البيارتة كانوا على اتصال وثيق مع رجال الجزار الذين تولّوا السلطة بعد وفاته منهم سليمان باشا العادل الجزاري وعبد الله باشا بن علي باشا الجزاري وقد مدح المفتي والقاضي الشيخ أحمد الأغر هذا الأخير سنة 1232هـ/ 1816م برتبة مير ميران بقصيدة مطلعها:

البشر غرّد في الأكوان طائره

والفخر تيهاً لواء العز شاهرهُ

كما مدح الحاج علي آغا الجزاري متسلم بيروت وأمين جمركها مرتجلا:

علي القدر فاسمح عن جواب

من القاضي بأنك لا تحابي

وزدني من سماحك ثم زدني

لأني عدت ذا بكم لما بي

ومدحة بقصيدة مطوّلة مهنّئا بعودته من عكا مطلعها:

سرور سرى في السر سبحان من أسرى

ففيه قيود الهم كم أطلقت أسرى

ومدح المفتي فتح الله الحاج علي آغا الصغير الجزاري أمين جمرك بيروت سنة 1226هـ/ 1811م بزواجه:

تهلّل الكون ووجه الزمان 

 وأعرب البشر بأحلى لسان

حميدي صقر وبستان المعلم زين

البستان كلمة فارسية بمعنى مكان الرائحة وفي الأصل أرض محوطة فيها نخيل ثم أطلقت على أرض محوطة فيها أزهار ورياحين أو نباتات تربى بالرعاية والتعهد. وكثرت البساتين في بيروت ولا سيما في المناطق الذي تتوفر فيها المياه في رأس النبع والقنطاري وحي عين الباشورة وتنسب الى مالكيها أو الى شجرة معمّرة، وتذكر الوثائق في حي عين الباشورة بساتين البشناتي وأحمد القباني والتل والبعاصيري والناطور وفتح الله وبلوز وحميدي صقر ومنصور وسراج وغيرهم.

وذكر بستان في حي عين الباشورة مشهور بـ «بستان بيت زين». ففي الوثيقة المؤرخة في الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول الأنور سنة 1259هـ/ 1843م حضر الى المجلس الشرعي في بيروت إبراهيم بن محمد وهبي وباع الى ابنه محمد وهبي جميع المساحة الشائعة وقدرها الربع ستة قراريط من أصل الأربعة وعشرين قيراطا من كامل البستان المشهور سابقا بـ «بستان بيت زين» بحصة البرج (برج الباشورة أو برج العريس فيما بعد) الكائن بحي عين الباشورة خارج بيروت (يصل حي عين الباشورة الى البسطة الفوقا الحالية) المحتوي على جلين متلاصقين مشتملين على أغراس أشجار توت بري وفواكه وعلى عمار بيوت، يحدّه شمالا ملك أبناء قاسم بلوز و«حميد سقر» (كتبت بالسين) ومحمد منصور (ما يؤكد العلاقة بين حميدي صقر وزين، لأن حميدي صقر كان صهر سليمان المعلم زين زوج ابنته فاطمة ولم يتبيّن ما إذا كانا من أصول مغربية أو ان أحدهما كان من عسكر الجزار المغاربة).

وتفيد الوثيقة المؤرخة في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1264هـ/ 1848م ان الحجة رابعة «بنت علي زين المعلم علي» باعت ما آل إليها إرثا من أبيها الى عبد القادر بن يوسف قدورة قطعة أرض مفرزة من حصتها من بستان أبيها الكائن بحي عين الباشورة خارج المدينة المشتملة على أغراس أشجار توت بري يحدّها قبلة قسيمتها ملك البائعة.

وتقول الوثيقة المؤرخة في السادس والعشرين من شهر صفر الخير سنة 1283هـ/ 1866م ان السيد حميدي ابن السيد محمد صقر والسيد محمد بن حسن زين الأول متولي على وقف جده الأعلى لأمه المعلم علي زين والثاني ناظرا على الوقف المأذون لهما بالاجارة وأجرا الى عمر بن الحاج محمد الناعماني قطعة أرض مفرزة من بستان الوقف الكائن في حي الباشورة والتي قدّر مساحتها 1200 ذراع، يحدّه شمالا ملك بني فتح الله وشرقا أرض الوقف على مدة تسعين سنة بثلاثين عقد متضايفة كل عقد ثلاث سنوات بمبلغ عشرة آلاف وثمانمائة قرش المؤجل منه 540 قرشا مقسّطة على جميع المدة ستة قروش كل سنة.

وفي العشرين من شهر محرم الحرام سنة 1292هـ/ 1875م حصلت منازعة حول بناء بيت في زقاق فتح الله التابع لمحلة الباشورة بين محمود بن حميدي بن محمد صقر وشقيقته آمنة بإدّعائه انه بناه من ماله وشهد بذلك شقيقاه أحمد ومحمد فثبت حقّه.

حميدي صقر ووقفية المعلم زين

من المتواتر ان سليمان المعلم علي كان يملك بستانا في حي عين الباشورة، قام أواخر القرن الثامن عشر أي سنة 1210هـ/ 1795م (أثناء حكم الجزار) في عهد قاضي بيروت الشيخ إبراهيم الصائغ الذي تولّى قضاء بيروت بين سنتي 1200/ 1211هـ بوقفه على ذريته. ثم اشترى علي بن سيد أحمد سراج مالك البستان المجاور لبستان الوقف من ابنة الواقف قطعة مفرزة من بستان أبيها ونشأ اثر ذلك نزاع حول بطلان البيع لتناوله أرضا موقوفة لا يجوز بيعها واستمع القاضي في حينه إلى الشهود وكان من بينهم أبو علي زين ابن الحاج أحمد المعلم علي والحاج محمد الصفح الذين أثبتوا وقف البستان قبل الشراء فتقرّر إبطال البيع واستعاد المشتري من البائعة ما كان قد دفعه. وعيّن القاضي ولدي البائعة مصطفى والحاج محمد ولدي بكري صقر ناظرين على الوقف.

يؤيّد هذا القول ان سيد أحمد سراج كان يملك بستانا في حي عين الباشورة مجاورا للبستان الموقوف الذي اشترى سيد أحمد قطعة منه من فاطمة ابنة الواقف. ما جاء في الوثيقة المؤرخة في الثالث والعشرين من شهر صفر الخير سنة 1264هـ/ 1848م والتي تفيد ان خديجة بنت حسين منصور المعرّف عنها من حسن محمد سراج باعت الى عبد الله فخري قطعة الأرض المفرزة من بستان سراج من وسطه الكائن «فوق عين الباشورة».

* مؤرخ