لم يميّز مجتمع البيارتة بين الرجل والمرأة فوزّع مسؤولية البيت بين الاثنين. يغدو الرجل صباحاً الى تحصيل رزقه ورزق عياله، ويعود عند المغرب لتناول وجبة العشاء مع عائلته على طبلية يتحلق الأولاد حولها. فيما تنهمك الزوجة بين الصباح والمساء في تنظيف الدار تحقيقا للمثل: «اغسل دارك ما بتعرف مين بيدوسو واغسل وجّك ما بتعرف مين بيبوسو» وتحضير الوجبة الرئيسة للعشاء. وتكرّست حقوق المرأة المالية، فلها عملا بالأحكام الشرعية ذمّتها المالية المستقلة، تتملك وتتصرف بما تملكه من عقار ومنقول كما تشاء من بيع وشراء ووقف ورهن، ولعل أفضل شاهد على ذلك تسمية محلة بإسم عائشة صيداني (بكار).
تجلّت الحرية المالية للمرأة البيروتية بما نراه متناثرا في الكثير من الوثائق من محلات وبساتين وجلول وعودات وآبار وينابيع على اسم امرأة. ومن المرجح القول ان ذلك يعود لإرث من جهة ولشخصية صاحبة الاسم ولعمل من أعمال البرّ والخير ينتشر نوره في محيطها العائلي الضيق وفي مجتمعها الواسع. ومع تقادم الزمن يضيع سبب الاسم ويبقى الفعل. وفي الحديث ان الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار، ومن هذه الشراكة في الماء أباحت بعض النسوة مياه آبارها سبيلا للعامة.
عودة بئر السّت
ارتبط اسم بعض الينابيع بإسم امرأة منها نبعة الحلبية وبئر شريفة ونبعة أم جمعة. في وثيقة مؤرخة في السابع والعشرين من شهر صفر الخير سنة 1259هـ/ 1843م ورد ذكر بستان في محلة راس النبع بإسم بستان السّت، باعت آمنة بنت إبراهيم جمال الدين بشهادة خليل ودرويش أولاد الشيخ رجب الغزاوي الى وردة بنت يوسف اده العودة المفرزة من بستان بني جمال الدين المعروفة بعودة بئر السّت الكائنة بمزرعة راس النبع المشتملة على أشجار توت وفواكه وبئر ماء نابع. كما ورد في محلة راس النبع ذكر لبستان بإسم بستان السّت.
بئر شريفة
في غرّة شعبان سنة 1279هـ/ 1863م باع حسين أمين آغا الارناؤطي الى إلياس الحمصي وشركائه قطعة أرض كائنة في محلة بئر شريفة ضمن مزرعة الأشرفية، يحدّها غربا نقولا الارقش وبني العالية. وبموجب الوثيقة المؤرخة في الرابع من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1285هـ/ 1869م باع المشترون المشار إليهم ما اشتروه أي القطعة ومساحتها 12320 ذراعا الى روفائيل بن ميخائيل دانا. ولم تشر أية وثيقة سابقة أو لاحقة لهوية شريفة المذكورة.
محلة الحلبية
جرت في الثاني عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1284هـ/ 1867م مبايعة بين داود ابن الشيخ بشير تلحوق وشقيقه حمود ووالدهما وبين المشتري ياسين محمد عنتر دياب قطعة أرض في محلة الحلبية من مزرعة رأس بيروت. ويذكر المعمرون ان موقع هذه المحلة هو في شارع الحمراء الحالي وبالتحديد موقع كنيسة ومدرسة الكبوشيين وان الأرض كانت تتضمن بئر ماء نابع صالح للشرب كان يستقي منها سكان المحلة عرفت بنبعة الحلبية. ويقال ان النسبة تعود لعائلة أصلها من حلب وقد تكون من الموحدين الحلبيين.
نبعة أم جمعة
يذكر الأستاذ إبراهيم الصيداني في كتابه «راس النبع ذاكرة الجغرافية والتاريخ» وجود نبعة في زاروب مقابل جامع الصيداني (عبد الرحمن بن عوف) وان امرأة صالحة تدعى أم جمعة قُتلت ودُفنت قديما في البئر تحوّلت الى مباركة، فما من مريض شرب من هذا البئر إلا ونال مراده (الله أعلم).
بستان فاطمة زهرة
في غرّة شهر ربيع الثاني سنة 1263هـ/ 1847م اشترى مفتي بيروت الشيخ محمد الحلواني من روجينا الصاقصلي البستان المعروف سابقا بفاطمة بنت علي بن عمر (الرند) زهرة الكائن في مزرعة القنطاري. يذكر ان كلا من شقيقتي فاطمة: عائشة زوجة حسن يوسف مومنه وصفية زوجة عبد الله أبو الحسن البقاعي، كانت تملك قطعة أرض في البستان المذكور. والرند من أشجار البادية طيب الرائحة، ربما سمّوا به العود الذي يتبخر به رنداً. ويتبيّن من التواريخ والوثائق صلة نسب بين أسر الأغر وزهرة ومحرم وأبو زرقوط. ففي سنة 1813م نظم الشيخ أحمد الأغر مؤرّخاً قصر السيد علي زهرة (الرند) ابن السيد عمر محرم الذي بناه في حصة أبيه المذكور الكائنة في مزرعة القنطاري خارج مدينة بيروت من جهة غربها وذلك بطلب منه فأجابه:
إن ذا القصر برج في السما
ما رأى طرف له مشاركا
دام فيه السعد يزهو ساكناً
ما يلي صبح منير حالكا
من لجين رصفت جدرانه
وعليٌّ قد بناه سابكا
في جنان العزّ أرّخ قد بدّا
فادخلوه منزلاً مباركا
جنينة شمّاسية
في الحادي عشر من شهر محرم الحرام سنة 1264هـ/ 1847م اشترى حنا الخياط من ميخائيل الطرابلسي عدة قراريط من بيت وعليّة وتقيسة كائن من داخل جنينة شمّاسية الشهيرة عند بوابة يعقوب... ولم نتبيّن ما تعني شمّاسية.
عودة الشامية
حصلت منازعة في شهر محرم الحرام سنة 1264هـ/ 1847م حول عودة كائنة في برج حمود المعروفة بعودة الشامية دون أن يعرف من هي الشامية، علما بأن وثيقة مؤرخة في الرابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1260هـ/ 1844م تذكر مبايعة على حارة من بيتين كائنة في الشامية بالقرب من جبانة السنطية.
أرض نفيسة النعمانية
تقع هذه الأرض في محلة جل البحر. يذكر الهشي ان علي نعمان انتقل سنة 1799 من فلسطين الى بيروت واستقر فيها وانه لم يرزق ذكورا. ويذكر ان وثيقة تفيد بيع حليمة علي نعمان قطعة أرض في راس بيروت، فمن المرجح أن تكون نفيسة النعمانية شقيقة حليمة المذكورة.
محلة السكرية
تفيد وثيقة مؤرخة في الرابع عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1302هـ/ 1885م ان من جملة ما تركه إلياس سلوم لورثته قطعة أرض كائنة في محلة السكرية في ميناء الحسن، يحدّها قبلة زينب بنت عبد الرحمن حمود.
دار خديجة أحمد الغول
في الثامن من شهر شعبان 1273هـ/ 1857م وقفت خديجة أحمد الغول زوجة الحاج حسن فخري اثني عشر قيراطا من الدار المعروفة بمنزول قاسم درويش في محلة الحاج شاهين تجاه قهوة خبيني على نفسها وعلى زوجها وابنتها صالحة بنت عبد القادر عرابي الغول ومن بعدهم على قفة الخبز التي توزع على فقراء بيروت (أفردنا مقالا خاصا بأوقاف البيروتيات).
بستان ناعسة
في الثاني من شهر ذي القعدة سنة 1264هـ/ 1848م جرت مبايعة على الدار الواقعة في بستان ناعسة الكائن بمزرعة الصيفي.
اودة أم معطي المصرية
في السابع من شهر شعبان سنة 1273هـ/1857م اشترى ياسين ابن الشيخ عمارة المصري اثني عشر قيراطا من الاودة الكائنة في دار بني المير في حارة الرصيف داخل المدينة شركة أم معطي المصرية بالمطبخ والمرتفق وفسحتها وزاروبها.
أم حنيني
في الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 1273هـ/ 1857م باع إلياس عكره الى الحاج بكري والحاج عبد القادر ومحمود أبناء الحاج أحمد العريس قطعة الأرض الكائنة في محلة راس النبع، يحدّها قبلة وغربا ملك جرجس الكفوري وتمامه ملك «أم حنيني».
برج أم دبوس
تزوج الأمير أحمد بن حيدر أخي الأمير ملحم من السّت خنسا ابنة الأمير فارس بللمع من بسكنتا لقبت بأم دبوس لفراستها وعزّتها. بَنَتْ القيسارية العتيقة والبرج المستدير بجانب السور الغربي للمدينة الذي بني موضعه القشلة الهمايونية.
أود السّت
بموجب الوثيقة المؤرخة في الثاني من شهر محرم الحرام سنة 1265هـ/ 1848م باع جرجس أبو أنطون ووالدته واخوته كادك الدكان الكائنة سفلي «أود الست» الواقعة بالقرب من قهوة النوفرة الشهيرة باطن بيروت. ونرجح أن تكون الست المشار إليها هي «السّت أمّون» ابنة المير نجم شهاب حاكم حاصبيا زوجة الأمير ملحم ووالدة الأمير قاسم، ويأتي ترجيحنا من كون الأمير قاسم انشأ السوق المعروفة باسمه بالقرب من جامع النوفرة كما ذكرنا في أوراق سابقة.
* مؤرخ