بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 شباط 2022 12:00ص أوراق بيروتية (54).. شيوخ مجهولون: مشقيه والبواب والطنطاوي وسعادة والناطور (1/3)

حجم الخط
ترد في كثير من الوثائق العائدة لأواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر أسماء لأشخاص بيارتة وصفوا بالشيخ، ولا يتبيّن ما إذا كان اللقب من قبيل توقير الرجل المسنّ أم هو للعلماء كأئمة المساجد والخطباء والمدرّسين وشيوخ الطرق الصوفية؟

وقد عثرنا في مئات الوثائق على كثير من الذين وصفوا بالشيوخ إلا انه لم يتبيّن معيار التفريق بين العالِم العامل وغيره، قال الشيخ أحمد الأغر:

وكم مدّعٍ للعلم من فرط جهله ولم يدرِ ما جهل ولم يدرِ ما علمُ

فليس له من علمه غير جهله وليس له إلا العمامة والكم

ونرجو من إخواننا البيارتة الذين يتغنّون بتراث آبائهم وأجدادهم أن يبحثوا في أوراقهم لعلّ فيها ما يساعد في ترجمة لعلماء بيروت.

لقب الشيخ

أطلق لقب الشيخ على الطاعن في السن وعلى العلماء، وجرى التوسّع في هذا اللقب فكان يطلق على كبار العلماء والوزراء ورجال الكتابة. ذكر ابن بطوطة في رحلاته ان سلطان مقدشو كان يلقّب بالشيخ. وفي عهد المماليك كان اللقب يأتي أحيانا في مقدمة المكاتبات وكان خاصا بمشايخ الصوفية وأهل الصلاح، وكان يطلق على غير المسلمين أيضا. وأضيف الى اللقب كلمة أخرى مثل شيخ الإسلام وشيخ الشيوخ وشيخ المشايخ وشيخ العارفين. وأطلق شيخ الشيوخ على من تولّى أمور رجال التصوف.

وفي ذكريات الشيخ عبد القادر قباني (الكشاف 1927) ان آخر من كانت له مشيخة المشايخ في بيروت الشيخ علي الفاخوري ثم الشيخ محمد الحوت ثم الشيخ عبد الله خالد ثم الشيخ عبد الباسط الفاخوري ثم لم يكن بعده مشيخة أبدا. وقد شجّعت الدولة العثمانية الطرق الصوفية وإنشاء الزوايا إلا انها عمدت في القرن التاسع عشر الى تشكيل «جمعية مشايخ الطرق الصوفية» وظهرت الجمعية المذكورة في بيروت سنة 1886. وقد آن الأوان لذكر ما عثرنا عليهم من المشايخ البيارتة:

- الشيخ حسين أبو علي مشقيه: كنت أسمع ان والدتي ونسيباتي ذاهبات الى «بيت مشقيه» في يوم الاستقبال الشهري وكنت أعتقد انهن يستسهلن لفظ مشقية بدل دمشقيه الى ان اطّلعت على بعض الوثائق الشرعية وعلى ديوان المفتي الشيخ أحمد الأغر، فتبيّن لي وجود عائلتين هما دمشقية ومشقيه ولا نعلم صلة قرابة بينهما. ففي احدى الوثائق المؤرخة في 7 محرم 1267هـ/ 1850م كان الشيخ حسين أبو علي مشقيه من ضمن شهود العقد، وفي الوثيقة المؤرخة في 1265هـ/ 1848م وَكَّل عبد القادر محمد فتح الله المفتي الشيخ حسين أبي علي مشقيه ببيع قسم من دار بني فتح الله في محلة شويربات.

ويبدو من ديوان المفتي الشيخ أحمد الأغر ان أسرة مشقيه كانت مقرّبة منه، ففي سنة 1236هـ/ 1820/21م أرّخ المفتي طلوع عذار ولده القلبي أحمد ابن الشيخ عبد الرزاق مشقيه فقال:

لوجه أحمد نور

يفوق نور الشموس

أدار سور عذار

عليه فوق النفوس

تحبّبا أرّخته

هند خمار عروس 

وفي سنة 1235هـ/ 1819/20م أرّخ المفتي مولد ولده القلبي أحمد ابن الشيخ عبد الرزاق مشقيه سمّاه محمودا:

قلْ يا ابن عبد الرزاق ادم فرحا 

وابشر برزق جديد يا أبا الجودِ

والبس سرورا وعشْ ما شيت من عمر

بالانس والبسط والأفراح ممدود 

بشراك في ولد كالبدر في شرف

فاق الشموس بحسن غير محدود

قدوم خير عليك اليوم قد قدما

بطالع السعد والاسعاد مولود

- الشيخ محمد البواب: في 27 محرم سنة 1255هـ/ 1839م حضر الى المجلس الشرعي في بيروت محمد ابن الشيخ محمد البواب ووقف الدار العلوية المشهورة بدار والده الكائنة بمحلة شويربات قرب قهوة المعلقة. وأسرة البواب قديمة في بيروت. ذكر المفتي الأغر انه ذهب الى مقام الخضر عليه السلام للزيارة مع جملة من أحبابه وكان جالسا في عليّة هناك ومن جملة من معه رجل يلقّب بالمحب وآخر يلقّب بالبواب فتجاذبا باب العليّة بشكل مداعبة فانخلع الباب أي غلقه ووقع على البواب فقال المفتي على الارتجال:

أنت المحب وهذا الحبّ بواب

حارت بحسنكما المحبوب البابُ

لا بدع ان صار في طرف الهوى لكما

سرّ عظيم إليه يسجد الباب

وأرّخ المفتي الأغر عذار ولده القلبي محمد ابن عمر البواب (القرداحي):

ما غير وجه محمد وعذاره

بدرا تنقب في نقاب سحابِ

ولقد غدا لمؤرّخيه بطيبة

مسكاً عذار محمد البواب

- الشيخ إسماعيل الطنطاوي: تلقّى الشاعر مصباح محمد البربير القرآن العظيم بالتجويد والإتقان على الشيخ إسماعيل الحافظ الطنطاوي، فقال مادحا ومؤرّخا ولادة غلام لشيخه سنة 1281هـ/1864/65م:

وافى إليك ربيع البشر في رجب

يا من يجيد نظام الشعر قوم أجبِ

سقى الغمام رياض الشعر باكرةً

قد انقضى وقته والشعر لم يشب

أسدى الإله لإسماعيل تكرمة

مولود خير جليل القدر والنسب

- الشيخ إبراهيم سعادة: أسرة سعادة من أسر بيروت القديمة. ففي غرّة ذي القعدة 1230هـ/ 1815م وقف الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم سعادة بستانا في محلة الدحداح وعدة دكاكين في محلة شويربات وبسوق القطن وحي العقال، وعيّن متوليا لتسجيل الوقف فخر الأشراف عبد القادر ابن الشيخ فتح الله قرنفل. وكان من شهود الوقف عبد الهادي قرنفل نائب بيروت السابق والشيخ مصطفى شهاب. يذكر ان الحاج سعيد ابن الحاج أحمد المكداشي وقف في 17 شعبان 1249هـ/ 1834م عدة عقارات وكان من بين الشهود محمود ابن الشيخ إبراهيم سعادة. وكان مريدو الشيخ عمر اليافي شيخ الطريقة الخلوتية كُثراً في بيروت منهم محمد ومصطفى وعبد القادر وعبد الغني سعادة، وقال عمر اليافي في هذا الأخير:

زدتِ يا بيروت نورا

ببهاء ابن سعاده

هو بالصدق وبالتوفيق

قد نال مراده

كم له في عنق مثلي

من سجاياه قلاده

وقال في عبد القادر قصيدة مطلعها:

لي منكم ورد الكتاب وضمنه 

نشر الذي تطوى عليه سرائري

وقال في مصطفى:

قدح الشوق في الفؤاد زناده

فغدت ناره به وقّادهْ

سعد القلب باللقا حين وافى

لي كتاب من مصطفى ابن سعاده

فعليه تحية وسلام

ينتجان الحسنى له وزياده 

وقال في محمد:

دعواتي في الغيب عين الشهاده

بسؤال الحسنى بكم وزياده

ونجاح الأمور في كل قصد

لحبيبي محمد ابن سعاده

ثم أرجو دعاءكم كل وقت

وهو منا لكم نراه عباده

- الشيخ عبد الله الناطور: ذكر المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله انه في سنة 1223هـ/ 1809م بنى عبد الله ابن المرحوم الحاج عمر الناطور عين العافوص التي هي فوق عين الباشورة جعلت سبيلا لمقبرة الباشورة فأرّخها المفتي بقوله:

يا حسن عين من زلال ماؤها

منها حلا للواردين الشرب

وبعين عافوص تسمّت واغتدى

فيها لبانيها يسرّ القلب 

يجزيه ربي منّةً خير الجزا

ويناله منه الرضا والقُرب

هذي وقد حفت بتاريخ سما 

عين بها ماء معين عذب

تذكر الوثيقة المؤرخة في 3 رجب 1263هـ/ 1846م ان الحاج محيي الدين ابن الحاج عمر الناطور أصالة وعبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله الناطور وعن بنتي عمر الناطور باعوا ما آل إليهم من مورثهم الحاج محمد الناطور الى سعد الدين عمر العوني وعبد الستار عبد الرحمن بكداش الجل المفرز من بستان بني الناطور الكائن بحي عين الباشورة، يحدّ الجل شرقا قسيمه جل ملك الشيخ حسن محمود. وتفيد الوثيقة المؤرخة في 20 ذي القعدة 1304هـ/ 1887م ان سليم طراد باع قطعة أرض في محلة الباشورة مشتملة على بناء حمام وخمس دكاكين وفرن، يحدّها قبلة مقبرة الباشورة وشمالا وغربا الطريق السالك الآخذ الى جامع الباشورة. يذكر ان حمام النزهة القديم بقي من موقعه قطعة الأرض الباقية الملاصقة لمقبرة الباشورة (فيها اليوم محطة بنزين) بعدما استملكته الدولة لشق أوتوستراد فؤاد شهاب ونقل صاحبه أحمد بيرقدار الذي تملّكه حوالي سنة 1935 الحمام الى زقاق البلاط سنة 1958 وسمّاه حمام النزهة الجديد.

- الشيخ مصطفى الناطور: يذكر يوسف النبهاني الشيخ مصطفى الناطور الشهير بالجدّ وانه سمع الشيخ علي العمري يثني عليه ويشهد له بالكرامات منها ما تناقلته العامة من انه ورد الى بيروت وباء الهواء الأصفر سنة 1282هـ/ 1865/66م فشكا له محمد بك السجعان والد صفية زوجة النبهاني فأجابه الشيخ انه يموت هو بالوباء فداء عن النّاس، وبعد يوم أو يومين توفي وحصل به حسن الخاتمة وارتفع الوباء.

 * مؤرخ