بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 كانون الأول 2022 12:00ص أي دور للخطباء في زمن الأزمات؟ (2)

للخطبة دور في التوجيه الاجتماعي والاقتصادي والفكري

الشيخ د. مازن القوزي الشيخ د. مازن القوزي
حجم الخط
يوم الجمعة يوم عظيم عند المسلمين، إذ يرتادون فيه المساجد لأداء صلاة الجمعة وسماع خطبة الجمعة التي تحتل موقعاً مهما ومتميّزاً في تبليغ الدين ومخاطبة مختلف الفئات والطبقات والمستويات.
ونتابع اليوم الجزء الثاني من أهمية خطبة الجمعة في ظل الأزمات.

القوزي
رئيس دائرة المساجد والمفتش الديني في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية الشيخ د. مازن القوزي قال:
على الرغم من كون صلاة الجمعة فريضة تعبّدية، إلا أن لها في الإسلام حكمة وغاية، شأنها في ذلك شأن سائر الفروض التعبّدية الأخرى، ولعل أولى حكم صلاة الجمعة الألفة والمحبة واجتماع المسلمين، إضافة إلى التذكير بحقوق الله والالتزام بأوامره ونواهيه.
وعلى الرغم من أهمية صلاة الجمعة في الإسلام، وعظيم أثرها في تعليم المسلمين أمور دينهم، وتذكيرهم بربهم وآخرتهم، وتصحيح مفاهيمهم وأفكارهم المغلوطة عن الإسلام، وتقويم اعوجاجهم في سلوكهم وأخلاقهم، إضافة لفوائدها الاجتماعية الكبيرة والخطيرة، إلّا أن أداءها على الوجه الأكمل كما طلب الإسلام يحتاج إلى تطوير في المنهجية فهناك فجوة وبون شاسع بين الثمرة المرجوة من أداء هذه الفريضة على الفرد والمجتمع المسلم، وبين الواقع الذي يوحي بضعف تأثير صلاة الجمعة على المسلمين.
وإن فضل الله تعالى ونعمته على أمة محمد صلى الله عليه وسلم  باختصاصهم بهذه الفريضة عظيمة وجليلة، فإن أعداء هذه الأمة طالما تمنّوا اختصاصهم بهذه الفريضة عوضا عن المسلمين، وطالما صرّحوا بعظيم ما كانوا سيفعلون لو كانت هذه الفريضة موجودة في دينهم، بعد أن اختلفوا بشأن يوم الجمعة فحرمهم الله منه واختصه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد ورد في الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَداً وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ.
ورغم أن الله اختص هذه الأمة وحدها بهذه العبادة، إلّا إن واقع خطبة الجمعة في عصرنا الحالي يضج بالملاحظات والهفوات التي كان لها كبير الأثر في عدم تحقيقها المأمول من تشريع الله لها، ولعل أهم هذه الملاحظات تتعلق بالخطيب وموضوع خطبة الجمعة والوقت.
وتأتي الملاحظة الأولى المختصة بالخطيب فيما يتعلق بالتأثير على الحضور المستمعين، فمع الاعتراف بدور خطبة الجمعة في تعليم الناس أمور دينهم، وإزالة الشبهات التي تحوم حول دينهم، إلّا أن ذلك لا يعني أن تتحول إلى محاضرة علمية بحتة، تخلو من الحالة الإيمانية الخشوعية المطلوبة والتأثير.
والحقيقة أنه لا يمكن للخطيب أن يؤثر في الناس إيمانيا وعاطفيا إلا إذا كان حاضر القلب فيما يقول ويعظ، متأثرا ومتفاعلا مع الكلام الذي يلقيه على الناس، منفّذا ومطبّقا لما يقول قدر المستطاع، فلسان الحال أبلغ من لسان المقال كما هو معروف، والكلام الذي يخرج من القلب يصل إلى القلوب بلا استئذان، والكلام الذي يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.
أما حول موضوع الخطبة فهناك الكثير من البُعد عن واقع الناس وهمومهم والقضايا الساخنة التي تشغل بالهم.
وعلى الرغم من أن الساحة العالمية تعجّ بالأفكار الملحدة والمذاهب والتيارات المنحرفة التي تؤدي الى الشذوذ وآخرها ما نسمعه من المثلية، والتي تمثل شبهات خطيرة قد تودي بإيمان بعض المسلمين، لا نرى اهتماما ملحوظا بتناول هذه الأفكار والمذاهب والتيارات بالنقد والتمحيص في خطب الجمعة بالمستوى المطلوب والمأمول.
وفي حين تتزايد الشكاوى من ظاهرة فصل الدين عن حياة المسلمين اليومية، من خلال تناقض ظاهر وفاضح بين ممارسة بعض المسلمين لعباداتهم الشعائرية بانتظام - كأداة الصلاة والصيام والحج - بينما عباداتهم التعاملية والأخلاقية - كأداء الأمانة وإتقان العمل والبُعد عن المال الحرام - فيها الكثير من الخلل والعوار، ومع هذا لا نلمس وجود تركيز على هذا الأمر في خطبة الجمعة، من خلال برنامج موضوعي لمعالجة هذه السلبيات بتناولها عبر سلسلة من الخطب المتتالية أو المتفرقة.إن اختيار وانتقاء موضوع خطبة الجمعة يحتاج إلى كثير من العناية والاهتمام من الخطباء، حيث يقدم الموضوع الأهم حسب الزمان والمكان وحاجة المسلمين، ولعله ليس من المبالغة في شيء القول: بأن حسن أو سوء اختيار وانتقاء موضوع خطبة الجمعة من أهم أسباب نجاح الخطبة أو فشلها، خاصة إذا استوحى الخطيب المسؤولية أمام الله عن هذا المقام الكبير والخطير الذي أقامه الله فيه واختصه له.
وأما بالنسبة لوقت الخطبة بين التطويل والتقصير، وعلى الرغم من أنه ورد في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يطيل خطبته أحيانا ويقصّرها أحيانا، بحسب حاجة الناس وتغيّر الأحوال، إلا أن المشهور من سنّته صلى الله عليه وسلم  أنه يتوسط ويقصّر الخطبة، ويؤكد ذلك حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: (كُنْتُ أُصَلِّى مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم - الصَّلَوَاتِ فَكَانَتْ صَلاَتُهُ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً).
وإذا أردنا أن نلتمس العذر لطول خطبة بعض الخطباء الذين يجيدون انتقاء الموضوع ويتقنونه، ويجذبون انتباه واهتمام المصلين من شدّة تفاعلهم وحرصهم على نفع المسلمين والتأثير فيهم، فإن طول خطبة الكثير دون اتقان للموضوع ولا تفاعل أو شد لانتباه المصلين، مع تكرار بعض العبارات و الأفكار، يثير الكثير من تذمر المصلين واستيائهم.
إن الالتزام بسنّة النبي صلى الله عليه وسلم  في التوسط بوقت خطبة الجمعة يساعد في معالجة ظاهرة تأخّر كثير من المصلين عن أول وقت صلاة الجمعة بحجة أن الخطيب يطيل الخطبة - رغم عدم شرعية ذلك - كما أنه أدعى لاستيعاب مضمون الخطبة وفهمها ومن ثم تطبيقها، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا، وما قلّ وكفى خير مما كُثُر وألهى.
ملاحظات يمكن تداركها، وهفوات يسهل اجتنابها، لنعيد لخطبة الجمعة رونقها ونحقق حكمة الله في فرضها، فهل إلى ذلك من سبيل؟!
الشعراوي
في حين قال إمام وخطيب مسجد المكحل الشيخ د. خليل الشعراوي:
إن الله سبحانه وتعالى قد أولى لصلاة الجمعة والخطبة الأمر العظيم حيث أنزل قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فوقت الجمعة هو وقت مقدّس بالنسبة للمسلم، فلا بد له أن يترك كل شيء سواء كان بيع أو شراء أو غيرهما ويذهب للصلاة ولسماع الخطيب.
فهذا اللقاء الأسبوعي للأمَّة مع إمامهم هو في غاية الأهمية وذلك لإبلاغهم بما يلزمهم من أمور الدين والدنيا، فالإمام الذي هو الخطيب هو الناظر في واقع الأمة وما ينبغي عليها أن تفعله في ظل الواقع الذي يعيشة الناس، فيرشدهم الى الحق الذي علمه من كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالخطيب هو الصوت الصادق الذي يطمئن إليه المسلمون لأنه لا ينطق إلا بما قال الله سبحانه وتعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  من خلال الحياة والواقع الذي يعيش به الناس.
فالجمعة هي فرض على كل مسلم ذكر حرّ عاقل قادر، وما هذه الفرضية إلا ليعلم المسلم من قرارة نفسه أن المجتمع الإسلامي لا يمكن أن يكون فيه جاهل أو أحد لا يريد الحق فيؤثر العمى والضلالة على النور والهداية التي أنزلها الله تعالى، فالموضح لكل تلك الأمور هو الإمام الذي يخطب بالناس في كل أسبوع، فهو حلقة الوصل فيما بين المجتمع سواء كانوا من المتعلمين أو الجاهلين، من السياسيين أو العسكريين، من الشباب أو الشيوخ، من العمال أو التجار، فالإمام الخطيب يجالس كافة طبقات المجتمع، يعلم ما يحاك للأمة فينذرهم، ويعلم ما ينقصهم من أمور دينهم ودنياهم فيعلّمهم ويرشدهم، ويذكّرهم إن غفلوا عن الله، ويحثّهم على الأنفاق إن رأى البخل مستشرٍ فيما بينهم، ويدفعهم إلى الأخلاق الفاضلة من صدق وأمانة ووفاء وبذل لكل يتيم، ومساعدة لكل أرملة ومسكن ومحتاج.
فالمنبر الأسبوعي لهذه الأمة الذي لا بد والذي يحضره أن يصغي ولا يلهو هو ما تقام عليه خطبة الجمعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من قال صه والإمام يخطب فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من مسّ الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له».
فللخطيب يوم الجمعة أهمية بالغة في توجيه الأمة وما هي عليه وخاصة وما تتعرض إليه اليوم من فتن وحروب وآلام هنا أو هناك، سواء كانت هذه الآلام اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية أو غيرها، فالخطيب لا بد وأن يكون ملمّاً بزمانه، عارفاً واقعه، مخاطباً كافة طبقات المجتمع بما يصلحهم ويصلح شأنهم.
فخطبة الجمعة هي النور لكل من أراد الهداية، ولكل من أراد الحقيقة، ولكل من أراد النصر لهذه الأمة، فهي نعمة من الله منّ بها علينا لنبقى على علم ورشد وهداية.
والله الموفق لكل خير.