بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2020 12:05ص أيام بيروتية (10) موقع نزول العسكر في بيروت وأبي هدير وسعدية طبارة

سيف القرصان.. السيف الذي انتزعته سعدية طبارة من أحد القراصنة سنة 1826م سيف القرصان.. السيف الذي انتزعته سعدية طبارة من أحد القراصنة سنة 1826م
حجم الخط
أشرنا في الحلقة الماضية الى حملة الأسطول اليوناني على بيروت وما رافقها والى نزول العسكر عند برج أبي هدير، وبقيت من تلك الحملة ذكريات تناقلها البيارتة.

موقع نزول العسكر ومهاجمة بيروت 

نشرت مجلة «الجنان» لصاحبها سليم البستاني سنة 1871م ثلاثة فصول عن بيروت للكاتـــب داود خليل كنعان بعنوان «جواهر ياقوت في تاريخ بيروت» قام حفيده إبراهيم نعوم كنعان بجمعها ونشرها سنة 1963 كجزء أول أضاف إليه جزءاً ثانياً بعنوان «بيروت في التاريخ» مصرّحاً فيه بأنه «علّق على بعض الأماكن الجغرافية بما يعرفه شخصياً»؟ وعندما ورد ذكر هجوم القراصنة الأروام (اليونان) على بيروت سنة 1826م تجـــــاه برج أبي هدير ونصبهم السلالم شرقي المدينة ثم إنسحابهم الى الغناس، فعلّق إبراهيم كنعان في الحاشية على هذا الخبر بقوله «ان الغناس هو الشاطئ الجنوبي لبيروت الممتد من كنيسة مار إلياس الطينا الى محلــــة الجناح...».

ورجعنا الى كتاب الشيخ طه الولي «عبد الرحمن الأوزاعي شيخ الإسلام وإمام أهل الشــــــام» فوجدناه يورد الخبر نفسه ويضيف إليه قوله «بأن حدود محلة الجناح الحالية التي تنتهي حيث تبتدئ حدود محلة الأوزاعي هي حدود الغناس قديماً...» ونقل الشيخ طه في كتابه «بيروت في التاريخ والحضارة والعمران» موقع الهجوم المذكور من محلة الجناح الــــــــــى عين المريسة؟؟؟ ثم رجعنا الى مؤلفات الذين كتبوا في تاريخ بيروت فوجدنا أحدها يقول «كانت منطقــــــة وطى بطينا تعرف في العهد العثماني باسم الغناس القريبة من الشاطئ الغربي لبيروت الممتد من كنيسة مار إلياس بطينا الى محلة الجناح...» وقرأنا في مؤلف آخر بأن أسطول القراصنة توقف في البحر تجاه برج أبي هدير (ووضع بين هلالين كلمتي برج أبي حيدر) وبسطت السلالم على السور شرقي المدينة ثم انسحبوا واقلع الأسطول الى جنوب بيروت بين مار إلياس بطينا والجناح...؟؟؟ وتكرر الخبر نفسه لدى مؤلف ثالث. وهكذا انطلق كتبة تاريخ بيروت من تفسير خاطئ لإبراهيم كنعان فنقلوه وتبنّوه رغم مخالفته للواقع الجغرافي وللحقيقة التاريخية والمنطق التاريخي والحربي في التفسير والتحليل.

فيفهم من نقلهم لتفسير إبراهيم كنعان وتبنّيهم له أن العسكر نزل جنوب بيروت – الجناح – ثم سار برّا حتى وصل الى برج أبي حيدر (المصيطبة اليوم) فتسلّقه ثم نزل منه وسار براً حتى وصل الى سور المدينة فتسلّقه ثم انسحب الى محلة مار إلياس الطينا – الجناح... ما يعني ان الكتبة نقلوا برج ابي هدير الى المصيطبة ونقلوا مرفأ الغناس الى شاطئ الجناح كما نقل مارد مصباح علاء الدين القصور والدور من مكان الى آخر؟؟؟

ويزول العجب ويستقيم الخبر ويقف على قدميه إذا علمنا أن برج أبي حيدر (المصيطبة) ليس برج أبي هدير الواقع شرقي بيروت قرب موقع الكرنتينا أي على بُعد أمتار من سور المدينة، ان موقع الغناس الذي نزل فيه العسكر إنما هو في شرقي بيروت لا في جنوبيها، كما أوضحنا في كتابنا «منزول بيروت» وأثبتنا ان صحيفة «حديقة الأخبار» نشرت في شباط 1858م بأن الأمواج والرياح قذفت بباخرة الى البرّ كانت «ملتجئة بالمرسى المعروف بالغناس بقرب نهر بيروت» والذين خلطوا بين أبي حيدر وأبي هدير برروا ذلك بأن تسميـــة أبي هدير تعود لهدير صوت كان يسمع بسبب علو البرج ونفوذ الرياح إليه؟؟ ولو راجعوا جيداً الوثائق الشرعية لمحكمة بيروت لوجدوا ان أبا هدير كان أحد المرابطين في شرق بيروت في محلة عرفت بسهل أبي هدير ومزرعة أبي هدير وفيها برج على اسمه...

أبو هدير المرابط في شرقي بيروت وبرجه ومزرعته

ونعود الى أبي هدير فنقول ان الرأي الراجح انه أحد الذين رابطوا على ساحل بيروت ودافعوا عنها. وقد يكون من آل أبي هدير الذين قدموا من المغرب ولا تزال بقية منهم في بعقلين ونيحا الشوف. وقد تكون كنية أبي هدير لما عرف عنه من شدّة وبأس وصوت جهوري.

روى صديقنا المرحوم المحامي فيصل طبارة ان جده لأمه كان صاحب بستان كبير في محلة المرفأ يعرف ببستان صالح طبارة قريباً من قلعة بيروت وانه كان في جبانة الخارجــــة (التي أقيمت مكانها صالة سينما ريفولي) ضريح ببناء مرتفع للمدعو أبي هدير وان الأولاد كانوا يتسلقون الضريح المطلّ على بستان طبارة وداره المجاورين، فيتلصصون أو يرمون حجارة، فتضايق طبارة وأمر بهدم الضريح. وحدث بعد أيام من هدمه ان مرض صالح ورأى يوماً فيما يراه النائم أبا هدير يقول «يعمرّني بعمّرو». فاستيقظ وأمر فوراً ببناء الضريح وإعادته كما كان فشفي مــن مرضه.

سعدية صالح طبارة 

تنتزع السيف من القرصان

كانت قلعة بيروت تقع في الجنوب الشرقي من مدخل المرفأ. قصفها الأسطول الروسي سنتي 1772 و1773م. وكان يطلق على حافظ القلعة اسم «الدزدار» تولّى هذه المهمة شجعان من عائلات بيروت منهم عبدي آغا إبن الحاج حسن القصار سنة 1720م وإبراهيم آغا سنة 1743م وعلي آغا ديه وصادق دية وعبد الله ديه سنة 1772م وما يليها. وكان جوار القلعة عامراً بالدكان والسكان لما كان يوحيه جوارها من أمن واطمئنان. بنيت بجوارها خانات تخصّ آل الحلواني وبسترس. وسكن بجوار القلعة من البيارتة آل الحلواني وغندور وبيهم وبسترس والداعوق وتويني وعمر درويش غزاوي الذي سكن بيتاً اشتراه كان عبد الغني رمضان قد بناه أما أكبر عقار مجاور للقلعة وملاصق لدرجها فكان عبارة عن بستان معروف بجنينة صالح طبارة وفيه بيته، وكان البستان يصل حتى بناية فتال.

ولا بد من الإشارة إلى أن من يجاور القلعة يكتسب منها صلابة وقوة بأس وشجاعة التصدّي للأعداء والمهاجمين وهو ما كان حال سعدية (وقيل سعود) بنت صالح طبارة زوجة قاسم القوتلي ووالدة الحاج عبد القادر وعبد الرحيم ومريم القوتلي وكانت سعدية طبارة ممن تصدّى للمهاجمين والمشاركة في المعركة وقد تمكنت من انتزاع السيف من أحد القراصنة ولا يزال أحفادها يحتفظون بالسيف المذكور.

ساعة النحس في يوم الخميس

يقول القزويني في عجائب المخلوقات أن يوم الأربعاء قليل الخير وأن آخر أربعاء في الشهر نحس. ويقال أن آخر أربعاء في شهر صفر هو أنحس يوم ولذلك قيل: «من يولد في صفر في خطر». وإن الله أرسل يوم الأربعاء سبع كوارث منها إغراق جيش فرعون وهلاك عاد وثمود. وأن الله تكلم في سورة «السجدة» عن أيام نحسات. يذكر المفسرون من ضمنها يوم الأربعاء بأنه يوم نحس مستمر. ورسخ في ذهن العامة أن يوم الأربعاء فيه ساعة نحس أخفاها الله ولا يعرفها إلاّ أصحاب التأويل. وفي تفسير البيضاوي أنه ما عذّب قوم إلا في يوم الأربعاء وأن يوم النحس المستمر إستمر شؤمه حتى أهلكوا جميعاً وأنه هو الأربعاء آخر الشهر. فكان كثير من الناس يتشاءم من يوم الأربعاء وكان منهم من يمتنع عن القيام بأي عمل بحجة أن فيه ساعة نحس لا يعرفون وقتها.

كان أحد تجار دمشق يتشاءم من يوم الأربعاء وكان أرسل الى عميل له في بيروت صناديق من الزبيب والنقوع وقمر الدين، وأرفقها بكتاب قال فيه: إني مرسل لك البضاعة وستصل إليك مساء يوم الثلاثاء. فآمل منك أن لا تبيعها يوم الأربعاء بل أجّل بيعها الى يوم الخميس لأن يوم الأربعاء فيه ساعة شؤم».واتفق أن القراصنة الأروام – اليونان – أغاروا على بيروت سنة 1241هـ/1826م ونزلوا عند برج أبي هدير قرب الكرنتينا وساروا وتسلّقوا سور المدينة ودخلوها مساء يوم الأربعاء وأخذوا في نهب ما وصل إلى أيديهم. وكان من نصيبهم بضاعة ذلك الدمشقي. وقد أرسل عميله في بيروت رسالة إليه يخبر بما حدث وقال له: كانت ساعة النحس في يوم الخميــــس لا يوم الأربعاء.

 * مؤرّخ