بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 شباط 2020 12:05ص أيام بيروتية (16): الدول «المتحابّة» التي تحالفت لإخراج محمد علي من بلاد الشام

محمود نامي بك محمود نامي بك
حجم الخط
يقول منير إسماعيل «ان عام 1840م كان منعطفاً مصيرياً في تاريخ لبنان، ففيه حصل التدخّل العسكري الأوروبي في لبنان لأول مرة في العهد العثماني، وكان هذا العام بداية زوال حكم الجبل بعد عزل الأمير بشير الشهابي الثاني».

ويبدو ان نسخة من كتاب «الأمير» لمكيافللي كانت بقرب سرير الحكّام وانهم وقفوا طويلا عند العبارة الشهيرة «الغاية تبرّر الوسيلة» ودرج اليوم القول «ليس في العلاقة بين الدول صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ولكن مصالح دائمة. فمن تتحالف معه اليوم تحاربه غدا والعكس كذلك».

اعتقد كثيرون ان الحملة المصرية على بلاد الشام ستفكّك الدولة العثمانية، وحرّكت الصراع الدولي في المنطقة، فالحملة المصرية كانت مدعومة من فرنسا ما دعا انكلترة الى محاولة القضاء على الأسطول االمصري ومنعه من مساندة القوات المصرية في الشام وقامت فرنسا بإبلاغ محمد علي بذلك فأعاد أسطوله الى الاسكندرية. ولمنع امتداد النفوذ الفرنسي بسبب الحالة المصرية عمدت بعض الدول الأوروبية كروسيا والنمسا وانكلترة وبروسيا الى إبداء رغبتها في مساعدة الدولة العثمانية والتحالف معها لطرد جيش محمد علي من بلاد الشام (سمّيت الدول المتحابة) إلا ان هذا التحالف لم يدم طويلا كما حدث بعد ذلك بقليل من الحرب بين كلا من روسيا والنمسا في البلقان والقرم والبوسنة.   

محمود نامي بك

في 13/2/1840م دعا محمود نامي بك حاكم بيروت العمال للحضور الى السراي لقبض مستحقاتهم المتأخّرة، فحضر النجارون والبناؤون وقبضوا ما يتوجب لهم، ولكن أبلغوا بأنهم محتجزون في السراي من أجل نقلهم إلى عكا من أجل أعمال التدعيم علما بان أحجار القبور في عكا أخذت أيضاً من أجل استعمالها في الأسوار خاصة جهة البحر.

وكان الاتفاق قد تمّ بين الدولة العثمانية وانكلترة والنمسا على توحيد جهودها من أجل إخراج الجيش المصري من الشام. وتمّ تجهيز أسطول يضم 23 سفينة انكليزية وخمس سفن تركية وثلاث نمساوية تحمل حوالى خمسة عشر ألف جندي تركي وألفي أوروبي وتمّ إنذار سليمان باشا قائد الجيش المصري بإخلاء بيروت فوراً. وفي 29/5/1840 قرر محمود نامي بك حاكم بيروت قطع أي اتصال بين بيروت والجبل بإحاطة بيروت بنطاق صحي فارضاً الحجر لمدة أحد عشر يوماً على من كان خارج المدينة ثم أزيل الحجر فلجأت العائلات الإسلامية الى اللجوء داخل المدينة. وقام بتوزيع ثمانمائة جندي على القلاع. ومنع محمود بك خروج القمح والشعير والأرز من بيروت وتبلّغ قنصل الانكليز ان بيروت محاصرة من البر والبحر والامدادات من كافة الأصناف مقطوعة بالكامل. وفي آخر ربيع الأول سنة 1256هـ/ 1840م أبلغ قنصل الانكليز «بظهور بعض الأشقياء من رعايا جبل لبنان بالقرب من بيروت ومن جراء ذلك ان رعايا بيروت من إسلام ومسيحيين من البرية متحمسين وينزلون عفشهم الى البلدة.. وقد نبّهنا الى إقفال البوابات عند آذان المغرب ويصير فتح بوابة السراي الى العشاء فقط والذي يكون داخل البلدة يبقى بها كما والذي خارج البلدة يبقى خارجها..».

وفي صباح 10/9/1840م قصفت بارجتان: انكليزية ونمساوية، المحجر الصحي في الكرنتينا فيما اتجهت اربع سفن انكليزية الى رأس بيروت وكرّرت المدفعية وفي اليوم التالي قصف بيروت فطلب قائدا الاسطولين الانكليزي والنمساوي مجددا من سليمان باشا تسليم بيروت فردَّ عليهم قائلا «إذا فشلت في الدفاع فلن تستوليا غلى بيروت إلا بعد أن تصبح هذه المدينة رماداً».

وكان من نتيجة القصف أن تهدّم سور بيروت بشكل كامل تقريباً وتمّ تدمير الكثير من أجمل أبنيتها وتهدم بعض برج الكشاف وأصابت بعض القنابل زاوية الشوي القادرية (جامع المجيدية) وزاوية (الخلع) الفاخوري في سوق البياطرة. وقد وردت رسائل الى القنصل من المتضررين أبلغها بدوره الى القائد العسكري سليمان باشا منها في 3 تموز 1840م يشكو بعض سكان البلدة وتجارها من الخراب الذي أحدثته القوات المصرية في بيروت على البيوت والأرزاق بتكسير الأبواب والشبابيك ومن النهب والحرق في حي الرمل وفي بساتين برج حمود. وان آخر ذكر ان له دارا جديدة جانب بوابة يعقوب في زقاق البلاط وعودة في ضهور الاشرفية وحمى نهر بيروت وان العساكر تقوم بتخريبها وحرق البيوت ونهب بساتين في محلة الجنينات (قرب موقع سيّار قوى الأمن الحالي) فيما أفاد آخر بان العساكر قطعت أشجار التوت والزيتون وأفاد مصطفى البلهوان بانه فقد حوالى ألفي قرش حين حضور القوى المتحالفة.

وقرر إبراهيم باشا الرحيل في 16/12/1840 وجمع قبل خروجه الديوان وقال «وحياة راس محمد علي وحياة راسي ان قطعت عن البلد خمسة أيام وبلغني انه تقاصص نصراني أو يهودي أو مسلم برجع بكوّم الرؤوس متل البطيخ وبخرب الشام حجر على حجر...».

الدول المتحابة والأعداد المتحابة

شاع قديماً استعمال اصطلاحات عددية ناتجة من جمع القيمة العددية للحروف (أبجد هوز... الألف 1 الباء 2 الخ) التي تؤلف الكلمات وركبوا معادلات بين الكلمات والجمل ووصل الأمر في الطلاسم الى بيان عجائب الأعداد المتحابة ومعنى المتحابة على ما قاله ابن خلدون ان أجزاء كل واحد فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان مساوياً للعدد الآخر صاحبه فتسمّى لأجل ذلك متحابة. والطلاسم تملأ الرقى والتمائم تبيّن أثر الأعداد في الألفة بين المتحابين واجتماعهما أكثر من أن تحصى.

قصيدة المفتي الأغر في انتصار السلطان عبد المجيد

ذكرنا ذلك لان مفتي بيروت الشيخ أحمد الأغر كتب في رجب سنة 1256هـ، وصول سر عسكرية بر الشام بحرا وصحبته جانب من العساكر وبعض سفن لأجل قيام إبراهيم باشا من البلاد التي استولى عليها من بر الشام وما يليه وان الدول المتحالفة مع السلطان (أي المتحابة) هي دول الانكليز والنمجة (النمسا) وروسيا وبروسية. وخرج الى البر الى ثغر جونيه ثم وقعت المحاربة بين عساكره بين إبراهيم باشا مع عساكره فكسر هذا الأخير وولّى هارباً بعسكره الى دمشق بعد وقوع الغلبة عليه.

ونظم الأغر قصيدة في انتصار السلطان عبد المجيد مطلعها:

يا آل عثمان ان الأرض أقصاها 

للّه خالقها الباري وأدناها

وحيث كنتم عباداً صالحين له

ورثتموها وفيكم كان أحياها

جاءت لدعوتها كل الملوك فان 

كليزها بسفين الحرب وافاها

تأهبوا كلهم للحرب وانتظروا 

ليعملوا بالذي أدّته آراها

فانكليز سعوا في البحر في سفن

مثل الجبال التي مولاك أرساها

هذا وقد صدقوا فيما له ندبوا

يبغون مرضاتها سعيا لمسعاها

ويل لمن خرجوا من قيد طاعتها 

قد ادخلوا مطلقاً في نار عصياها

قد غرّهم ويلهم في مين غفلتهم 

بكنز أمواله قارون موساها

تبت يدي من ترجى من أبي لهب

ماءً ومن بخلا الدنيا عطاياها

كما مدح المفتي الأغر السلطان عبد المجيد بموشح مطلعه:

أبّد وأيّد يا حميدْ             سلطاننا عبد المجيد

وخصّه طول المدى           بالنصر والفتح المديد

يا رب أيّد دولته              يا ربّ خلّد صولته

يا رب قوِّ  شوكته            واجعل له العزم الشديد 

ومدحه بموشح آخر مطلعه: 

أيّد اللهم واحفظ يا حميد     دائما سلطاننا عبد المجيدْ

واجعل التوفيق في دولته     باقياً بالنصر والفتح العديد

وجاء في أحد أدواره:

ملك اعطيته خير مراد        وبه قد عمرت كل البلاد

وبه قد فرحت كل العباد     وغدوا بالأمن والعيش الرغيد 

 * مؤرّخ

أخبار ذات صلة