بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيلول 2020 11:26ص أيام بيروتية (35) : 1912 قنابل الطليان على مرفأ بيروت درة تاج بني عثمان

السفن الايطالية تقصف بيروت 1912 السفن الايطالية تقصف بيروت 1912
حجم الخط

أصبح البيروتيون صباح السبت في الرابع والعشرين من شهر شباط 1912م على جو صاف وسكون يعمّ المدينة وما كادوا يبداؤن بالتوجه الى اشغالهم حتى ارتج زجاج النوافذ فهلعت القلوب واقفلت الاسواق وتراكض الاهالي متزاحمين نحو المرفأ ( الذي وصفه امبراطور المانيا بدرة تاج بني عثمان ) فشاهدوا دارعتين ايطاليتين كانت احداهما قد اطلقت مدفعاً إيذاناً بالوصول فجاوبتها المدفعية العثمانية وارسلت ضابطا بالألبسة الرسمية على زورق في مقدمه علم ابيض فلما وصل الى الدارعة تلقى من أميرالها كتابين احدهما الى الوالي والثاني الى قنصل المانيا فعاد وسلمهما الى الوالي الذي ارسل الى القنصل الألماني كتابه وفض الكتاب الموجه له فإذا هو انذار باللغتين الفرنسية والايطالية . وكانت الساعة قد بلغت الثامنة واربعين دقيقة . وهذا نص الإنذار " قومندانية الفرقة الثانية من الاسطول العثماني نمرة 154 اتشرف بإنذار دولتكم بان عليكم ان تضعوا تحت سلطتي وتصرفي المدفعية والنسافة العثمانيتين الموجودتين في ميناء بيروت وان ترسلوهما الى خارج المرفأ قبل الساعة التاسعة من قبل ظهر اليوم 24 شباط وعلى هاتين السفينتين ان تطفئا حالا نار مراجلهما اذا كانت موقدة وان لا توقداها فيما بعد . واني آسف لعدم تمكني من إعطائكم اقل مهلة ولي الامل بان دولتكم ستشرفونني بجواب سريع فلا تضطروني الى تطبيق اعمالي على المادة الثانية من الاتفاق التاسع من مؤتمر لاهاي الثاني ".

وأملى الوالي جوابه فورا وارسله بواسطة قنصلية المانيا وجاء فيه " في الساعة الثامنة و40 دقيقة من هذا الصباح اخذت اخباركم رقم 154 بشأن البارجتين العثمانيتين الراسيتين في هذا الثغر وبينما انا احرر الجواب الذي لم يصلكم نظرا لضيق الوقت اللازم ابتدأتم بإطلاق القنابل ليس على المدفعية والطوربيد فقط بل اصابت قذائفكم كثيراَ من منازل المدينة وسكانها وسببت خسائر جمة ومسؤليات كثيرة . فعملكم هذ في مرفأ غير حصين يخالف بعدة وجوه مقررات مؤتمر لاهاي لاسيما وقد بدأتم بإطلاق لقنابل قبل انتهاء المدة اللازمة لإرسال الجواب لكم على الانذار المستعجل المرسل منكم ولم تمر عشرون دقيقة حتى بدأتم بإطلاق النار فباسم حكومتي العلية احتج على عملكم هذا والقي عليكم كل المسؤوليات التي نجمت وتنجم عنه ".

وكانت الدارعتان الايطاليتان غاريبالدي وفيروشيو قد بدأتا عند الساعة التاسعة اطلاق القنابل تباعا فأصيبت الباخرة عون الله التي كانت بقيادة القبطان البيروتي عبد الكريم دية بأربع قذائف سقطت واحدة منها على مستودع الذخيرة وشبت فيها النيران فأغرقها بحارتها خوفا من استيلاء العدو عليها وغرق معها كثير من بحارتها . ثم تباعدت الدارعتان وعادت واحدة ووقفت عند مدخل المرفأ وضربت الطوربيد انقرة فأغرقته .

وكانت القنابل قد اخذت منذ الصباح تتساقط على احياء المدينة وعلى بيوتها واسواقها فأصيب مبنى البنك العثماني بثلاث قذائف وكذلك البنك الالماني واخترقت قذيفة جدار مكتب السكة الحديدية كما اصيب مبنى الجمرك في الوقت الذي كان فيه الشيخ احمد المحمصاني يخطب في الجماهير التي تقاطرت خطأ الى المرفأ ( وكان عليها الابتعاد عنه ) فأصيب عدد كبير منهم بين قتيل وجريح قدر باربعين شخصا كما اخترقت قذيفة جدار بنك سالويك وتحطمت عدة مكاتب منها مكتب يوسف بيهم وعبد الستار النصولي وغيرها من ابنية محلة المرفأ.

ولم تسلم المناطق البعيدة عن المرفأ من القصف فسقطت قذائف على محلة القنطاري واصابت واحدة مأذنة جامع قريطم . وكان بعض الاهالي عند بدء القصف قد اتجهوا نحو مستودع الذخيرة الكائن تحت المستشفى العسكري (مجلس الإنماء والإعمار حالياً ) وفتحوه عنوة واستولوا على تسعين صندوقا من الخرطوش وعلى اكثر من ثمانين بارودة . فيما خرجت النساء والاولاد مذعورين الى ضواحي المدينة وبقي الكثيرون نياماً في البساتين وتحت ظلال اشجار الصنوبر في الحرج .

وحصل هياج من بعض الاهالي ضد الاجانب وكاد البعض ان يتعرض لقنصلي انكلترة وروسيا بظن انهما من الإيطاليين . وهاجم بعض المتظاهرين مخزن الكف الاحمر في السوق الطويلة وكسروا ابوابه واخذوا ما فيه من اشياء ثمينة .

وكانت السلطة قد حددت مهلة عشرة ايام لخروج الايطاليين من بيروت والشام والقدس وبغداد وحلب وخشية الفلتان الامني اعلنت السلطة تطبيق الاحكام لعرفية وعينت رئيسا لديوان الحرب فاصدر بياناً منع فيه حمل السلاح من اي نوع كان ومنع االتجول في المدينة بعد منتصف الليل الا لعذر مشروع كما منع حمل بواريد الصيد وطلب ممن لديه منها التي اخذت من مستود الذخيرة وجوب تسليمها بخلال مهلة يومين وبالفعل وجدت الاسلحة مطروحة في الازقة .

نداء مطران الروم في بيروت غراسيموس مسرة

تجلت وحدة المسيحيين والمسلمين في البيان الذي وزعه المطران غراسيموس مسرة ونصه " الى ابناء وطني العزيز عموما سلاما ودعاء .اما بعد فان الاقدار قضت بان لا يبقى وطننا مرتاحا من اذى العدو المفتري الذي ناصب دولتنا العلية العدوان منذ عدة اشهر كما هو معلوم فجرى ما جرى السبت في ثغر هذه الحاضرة من الاعتداء على اسطولنا وعلى بعض افرادنا من اسلام ومسيحيين فلا حول ولا قوة الا بالله وقد وجب علينا اثر ذلك ان نوزع هذه النشرة اصالة عنا ونيابة عن سائر اخواننا رؤساء الطوائف النصرانية ايضاحا لاستيائنا الشديد من هذا الاعتداء ونعلن عنا وعن عموم الرؤساء والشعوب المسيحية الذين جاءنا كثيرون من نخبهم وطلبوا منا ان نعلنه وهو اذا قضت الحال بتكرر العداء لا سمح الله والذود عن الوطن العزيز بجنوده ورجاله فان اديرة النصرانية واوقافها وبيوت اهلها في جبل لبنان مفتوحة لقبول النساء والاولاد من كل الطوائف وفي مقدمتها السادة المسلمون الذين نحن شركاء معهم في السراء والضراء فان حريمهم واولادهم ينزلون عندنا على السعة والرحب ويكونون مع حريمنا واولادنا مصونين ومحترمين ومشمولين بامان الله تعالى فان شبعنا يشبعون قبلنا وان لا سمح الله جعنا فلا يجوعون الا بعدنا واننا نسال اله تعالى بشفاعات جميع انبيائه واوليائه ان يزيل هذه الغمة عن ربوعنا كما ازال غيرها كثيرات من امثالها انه اكرم الاكرمين . عن دار مطرانيتنا في بيروت في 12 شباط سنة 1327" .

كان من نتيجة القصف ان استشهد عدد كبير من العسكريين والمدنيين فقد استشهد 47 شخصاً من العسكريين وجرح منهم 50 في حين استشهد من المدنيين 56 شخصأً من اهالي بيروت عرف منهم احمد بوجي وعثمان الاسطة وسعيد وهبي وعبد الرؤوف الشيخ والشيخ مصطفى أبو النصر وهاشم خليل منيمنه ومحمد علي رضوان وجميل دريان وحسن احمد عيتاني وطارق الحص وعبد الرحيم حمادة ومصطفى الطرابلسي وخليل الجيزي وابراهيم الحلبي .

وفي يم الجمعة التالية توجه الوالي وقائد الموقع العسكري والمفتي مصطفى نجا والعلماء والمشايخ وتلامذة المدرسة الرشدية الى الجامع العمري الكبير وبعد اداء صلاة الجمعة تلي الختم الشريف لأرواح المجاهدين ثم توجه الجميع وتضاعف الجمهور من جميع الطوائف الى مدفن الباشورة. ومما يذكر ان المطران غراسيموس مسرة ذهب بنفسه الى جبانة الباشورة ووزع من يده الصدقات عن نفوس شهداء الوطن.

ورغم ان الحملة الايطالية لم تتكرر الا ان القلق استمر مسيطراً على الاهالي ما دعا الكثير منهم الى الرحيل الى لبنان ودمشق فاضطر الوالي لأن يطوف بنفسه في ارجاء المدينة ليلا ونهارا مطمئنا الاهالي وطالبا منهم العودة الى مزاولة اعمالهم وامر مفتش البلدية بان يصطحب جميع الدلالين ويطوف معهم أحياء المدينة منادين بالأمان والاطمئنان ونفي الشائعات الكاذبة عن مجيء الطليان.

فهل من يومها كان الحق عالطليان ؟