بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيلول 2020 12:00ص أيام بيروتية (37): المجروح المجاهد خضر آغا جمال الدين من بيروت إلى طرابلس الغرب

حجم الخط
أخذ الغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر يتدخّل في أمور الدولة العثمانية تحت ستار حقوق الإنسان ومشروعات صالحة لكل منطقة وجماعة، فتارة يتذرّع بحرية الرأي وطورا يبدي عطفاً على بعض الجماعات ويدّعي حماية حقوق الأقليات متذرّعاً بما عرف بالامتيازات واستطاع بذلك خلق مشكلات منها المسألة البلقانية والمسألة اللبنانية والمسألة الفلسطينية والمسألة الليبية التي بدأت منذ احتلال إيطاليا لليبيا والتي لا تزال حتى اليوم تشهد حروبا متنقلة:

كأن لم يكن بين الحجون والصفا

أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامرُ

في 27 أيلول (سبتمبر) سنة 1911م أرسلت إيطاليا إنذاراً الى الباب العالي كي يصدر أوامره بعدم مقاومة جيوشها وأساطيلها التي توجهت لاحتلال طرابلس الغرب. ويوم وصول الإنذار الى الأستانة، كان أهالي محلة البسطة يقيمون احتفالاً لرجال الأسطول العثماني الذي كان قد وصل الى بيروت قبل ذلك بأسبوع, ألقى فيه الشيخ مصطفى الغلاييني قصيدة قال فيها:

فقل لمن قال ولّى عزّنا ومضى

فليس ينفع هذي النفس مسعاها

نحن الألى مدنوا الأقوام فانقشعت

عن أفقهم ظلمٌ كانت تغشاها

وألفوا لجنة للإعانة الحربية مؤلفة من ستة أشخاص لقبل الظهر، هم: الحاج خليل عبد العال (والد المهندس إبراهيم) ومصطفى الغندور ومحمّد يوسف بيضون وعبد السلام فرغل ونجيب عرمان وباسيل نقولا داغر (ابن نقولا شقيق بطرس داغر رئيس بلدية بيروت الشرقية)، وأربعة لبعد الظهر، هم: سليم علي سلام وخير الدين النحاس ونجيب طراد ونخلة الطبيب ويوسف فرعون.

نصف مجيدية من إبن كريدية

وقد تجاوزت التبرعات أربعة آلاف ليرة في يومين، كان منها سبع ليرات من أولاد محلة البسطة ومنها نصف مجيدية من محيي الدين سليم كريدية وكان عمره سبع سنوات، فعلا منضدة في وسط السوق ونادى بأعلى صوته:

يا أهل الوطنية، يا أهل الحمية، يا أهل الغيرة أنا لا أملك غير نصف مجيدية
بقية ما جمعته من خرجية في العيد أقدّمه هدية.

وفي 5 تشرين الأول نفذت إيطاليا تهديدها فغزت ليبيا بقوات بحرية وبرية هائلة، قدّرت بنحو مئة ألف جندي، واهتزت أرجاء الدولة وفتح باب التطوع ونظمت القصائد والأناشيد الحماسية منها نشيد تردد في بيروت ودمشق يقول:

يا بني الأوطان من

لحمى هذا الوطنْ

أوقدت ايطاليا 

في طرابلس الفتن

فابذلوا أموالكم

في قوى اسطولكم

وأنقذوا أوطانكم

من عدو ذي محن

إن جيش الإعتدا

في طرابلس اعتدى

بالدم والمال هيا

افتدوها والبدن

ونظمت القصائد التي تحثّ على الجهاد وتدعو لشهر السيوف الحداد وامتطاء الخيول الجياد، منها قصيدة للشاعر عبد الرحيم مصطفى قليلات (تولّى إدارة البوليس بعد ذلك) بعنوان «الحرب يا رجالها» مطلعها:

أبعدَ ذا يا بني الطليان طغيان

غدر وظلم وكفران وعدوانُ

رأيتم الليث غفلان العيون وما

دريتم أن قلب الليث يقظان

وقال فيها:

وما بتسليم شبر من طرابلس

إلا حروب وأهوال ونيران

فإن ظفرنا بها فالنصر شيمتنا

وإن بنا سيفنا فالدهر ميزان

هذا مثال أوروبا في مطامعها

بفصم عروتنا لا عاش خوّان

فما سياستها إلا مغالطة

وخدعة وأضاليل وبهتان

وألقى في 7 كانون الثاني 1912 الشاعر الشهيد عمر حمد الطالب في الكلية العثمانية (ثم الإسلامية) والذي شنق في السادس من أيار قصيدة بعنوان «نحن وروما» وفيها:

بحد العوالي

والسيوف القواضب

نوال المعالي واكتساب المطالب

وما الفخر إلا في جيش عرموم

وما العزّ إلا في صدور الكتائب

ولا المرقم السيال يصدق في الورى

كما يصدق العسال عند المضارب

المجروح المجاهد البيروتي خضر آغا جمال الدين

اثارت الحرب على طرابلس الغرب نخوة الشباب فهبّوا للجهاد وتطوّع منهم ثلاثة آلاف من بلاد الشام كان على رأسهم الأمير شكيب أرسلان. كما تطوع العديد من البيارتة كان منهم خضر آغا جمال الدين فحارب في طرابلس الغرب ودرنة وأصيب بعدة جروح. وقد عثرنا على رسالتين أرسلهما في كانون الأول 1911، يقول في الأولى «ان مجموع المجاهدين من سوريين وأتراك وبدو هم على قلب واحد ورأي واحد ومبدأهم إما النصر وإما القبر، وعندي ان هذه الحرب لا تنتهي مهما كانت قوة العدو كبيرة لان المتطوعين يفدون كل يوم. وقد حادثت أحد الأسرى الايطاليين فقال لي انه حضر مع كثيرين الى بنغازي مكتّفين وان أكثر رفاقه لا يريدون النزول من البواخر». ووقّع رسالته بإمضاء «المجروح المجاهد خضر آغا جمال الدين».

وأرسل في 31/12/1911 رسالة ثانية قال فيها «خرج الطليان لمنازلتنا بالعزف والناي والمندولين والنقر على الناقور، فلما اشتبكنا معهم انكفأوا. وفي المقابلة الثانية، خرجوا علينا بستة مدافع وثلاثة طوابير فكانت خسارتهم أكثر من السابق ثم وصلت الى درنة المركيزة خالة الملك فكتور عمانوئيل فشجعتهم وأسمعتهم مرّ الكلام فخرجوا للهجوم وكانت هزيمتهم مثلما تقدمها. ويتحدث خضر عن الجندي الذي أسره فيقول «أما أسيري فقد احترمته وعاملته معاملة طيبة جدا».



* مؤرخ