بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الثاني 2019 12:04ص أيام بيروتية (4) بيروت تحت سلطة الأمراء المعنيِّين والشهابيِّين وحلفائهم

بيروت ايام زمان بيروت ايام زمان
حجم الخط
بعد احتلال السلطان سليم الأول لبلاد الشام ذهب الأمير فخر الدين مع وفد من أمراء الجبل لمقابلة السلطان ودعوا له بالعزّ والتخليد، فخلع عليه السلطان لقب سلطان البر كما يقال وأقرّه والأمراء على اقطاعاتهم.

وبعد وفاة قرقماز ابن الأمير سلّمت ولاية الجبل وصيدا وبيروت الى الأمير فخر الدين المعني الثاني. وتوجّست الدولة العثمانية من مطامع الأمير فجرّدت عليه سنة 1611 حملة عسكرية بقيادة الحافظ أحمد باشا. وتذكر المصادر ان الأمير طلب سنتها من أربعة من علماء بيروت التوسط لدى والي دمشق إلا ان أحدا ممن كتب في تاريخ الأمير ولا حتى مؤرّخه الصفدي من ذكر أسماء العلماء الأربعة المشار إليهم. إلا ان الوساطة لم تنجح، فاضطرّ الأمير للسفر مع أمواله الى توسكانا (ما أشبه الليلة بالبارحة) وأقام فيها خمس سنوات بعد أن أودع أمواله في بنك توسكانا، وقد ذهب ثلثي هذه الأموال فيما بعد الى مجمع روما.

وعاد الأمير بعد عفو السلطان عنه الى بلده في محاولة جديدة لتحقيق طموحه إلا ان الدولة لاحقته وانهزم سنة 1633 ونقل الىالاستانة. وعندما أخذ ابن أخيه يثير الفتن في الجبل قامت السلطة بقطع رأسه.

كتب الكثير عن انجازات الأمير فخر الدين وعن الانشاءات التي قام بها وأدّت لازدهار بيروت في أيامه، مع الإشارة الى ان الأمير جعل سنة 1633 بيروت عاصمة له وانهزم في تلك السنة أيضاً، وما حكي عن انجازاته جاء على لسان رحّالة أجانب في محاولة لتلميع صورته كالقول انه بنى برج الكشاف ورتب حدائق مدرّجة تكاد تضاهي حدائق بابل المعلقة، كما بنى حديقة للوحوش وحماماًومشروع سراي. ولم يشر أي مصدر الى انه بنى مسجداً أو أسّس مدرسة أو افتتح مستوصفاً.

ويبدو ان جلّ همّه كان رغبته في توطيد علاقته مع أوروبا من أجل مساعدته في تحقيق أحلامه. وقد استغلّت تلك الدول هذا الهوى، فأعدّت مشروع معاهدة بينها وبينه من أجل تسليم قبرص والقدس للبابوية، نشير الى ان كافة الوثائق الخاصة بذلك نشرت سنة 1974عن جامعة بيروت العربية بعنوان «وثائق أساسية من تاريخ لبنان الحديث 1517-1920»، تحقيق د. عبد العزيز نوار.

الأمير حيدر الشهابي

وبعد وفاة الأمير أحمد المعني تولّى الإمارة الأمير حيدر الشهابي ابن بنت الأمير أحمد فانتقلت الإمارة الى الشهابيين وأصبحت بيروت تابعة لهم. وتوارثوا السلطة عليها.

وتوطن الأمراء الشهابيون بيروت بظروف أعدّ لها الأمير ملحم. فقد كان ياسين بك وهو رجل تركي متسلماً عليها وكانت بينه وبين الأمير ملحم مشاحنة، فأمر هذا الأخير الشيخ شاهين تلحوق بأن «يمخرق» في ضواحي المدينة وأطرافها كالمصيطبة والاشرفية وراس بيروت وغيرها، فقام الشيخ شاهين بعدّة غارات عجز ياسين بك عن إحلال السلام وردّ الغارات وكتب الى والي الشام عثمان باشا يخبره بما يقوم به اتباع الأمير ملحم فكتب عثمان باشا الى الأمير عارضاً عليه تسلّم بيروت فقبلها مسروراً وأزاح ياسين بك عنها.

نسب للأمير ملحم انه بنى خان الملاحة الذي عرف فيما بعد بالخان العتيق، وانه مال في آخر أيامه الى قراءة الكتب الفقهية، وفي سنة 1753 دخلت شوكة صبير بيده وتعسّر خروجها وعجز الأطباء عن شفائها فمرض الأمير وفوّض الأمور الى شقيقيه منصور وأحمد وتوفي ودفن في مقبرة جامع الأمير منذر. وروي أن قراصنة اعتدوا على مركب للبيارتة فهاج هؤلاء على الفرنج وضايقوا رهبان دير البادرية ونهبوا الدير فقبض الأمير ملحم على اثنين من أهالي بيروت وشنقهما.

وبعد فرض سيطرة الشهابيين على بيروت وتوطّنهم فيها مع حلفائهم فمن غير المستبعد أن يقوم بعضهم بتجاوزات لم يكن بإستطاعة أهل المدينة مقاومتها أو الاعتراض عليها أو انتقادها. كما ان الأمراء وحلفاءهم سيطروا على تجارة المدينة وبنوا فيها الخانات والقيساريات حتى ان الأمير حيدر مؤرّخ تاريخ الجزار قال بان أرباب الوظائف الإدارية والأمنية ودزار القلعة وكذلك المغاليق (جمع مغلق) أي المخازن والدكاكين كانت كلها موقوفة على موافقة الأمير ملحم وتحت أمره. كما ذكر ان الست ضيا زوجة الأمير ومالكة عدة جلول في تلة باب يعقوب قرب السراي الكبير أجرت ختان ابنها بكلفة بلغت 25000 قرش.

ولإعطاء فكرة عن سيطرة الأمراء وحلفائهم على التجارة في بيروت وما يتبع ذلك من نفوذ وسطوة، نذكر بعض الانشاءات التي بنوها واستثمروها مدة طويلة فكان منها: خانات قديمة آلت للميري وعرضت عدة غرف منها للبيع مثل 25 غرفة بالخان القديم و27 غرفة بخان الأمير منصور و17 غرفة بخان الشيخ شاهين وقيسارة البارود لسليمان أبو اللمع وقيسارية الأمير يونس وقيساية الأمير سليمان الشهابي وقيسارية الصاغة للأمير يوسف وقيسارية العطارين لعبد السلام العماد وقيسارية ام دبوس زوجة الأمير أحمد.

والتلاحقة من قبيلة بني عزام كانت مخيّمة في الجزيرة الفراتية ثم بارحوها مع الأمير معن الأيوبي الى الشام ثم ذهبوا الى حوران وانتقلوا منها الى وادي التيم ثم سنة 1144 الى بيروت ومنها الى الشويفات وكفرشيما وعيتات واشتهر منهم الشيخ حسين بفصاحته والشيخ شاهين بكرمه وشجاعته، وقد تملّك هذا الأخير مساحات شاسعة في رأس بيروت ودار المريسة كما بيّنا في محل آخر (اللــــواء 24/8/2019).

وقد بلغ من نفوذ الشيخ شاهين تلحوق ما ذكره الشيخ أحمد البربير في كتابه «الشرح الجلي على بيتي الموصلي» قال «ان الشيخ شاهين تلحوق كان إذا نزل من الجبل الى بيروت يكون معه من الأتباع نحو المائة (يمكن أن يكونوا مسلحين) فرأيته يوماً عند الصباح يأتي إليه أتباعه يطلبون منه أن يعطيهم دراهم لأجل الفطور ويزدحمون عليه، فرأيت أحدهم أخذ منه ثم تأخّر قليلاً ثم طلب ثمن الفطور فأعطاه فتأخّر قليلاً ثم تقدّم فأعطاه الى المرة السابعة، فعندها مال إليه وقال له سراً: صارت هذه سابع مرة فأخذ منه في المرة السابعة ولم يعد». 

وقد يكون من الجائز القول بان سيطرة الأمراء الشهابيين وحلفائهم على التجارة في بيروت واحتكارهم لها ولمداخيل الميناء وفرضهم الضرائب والرسوم وتحميل أهل المدينة مطاليب الباشاوت، دفع البيارتة للانصراف الى التجارة وبناء الزوايا الصوفية وإنشاد الاذكار والاوراد.

ولم تسلم بيروت وأهلها طيلة حكم الشهابيين من تداعيات الخلافات التي كانت تحصل بين الأمراء بعضهم البعض بسبب طمع في السلطة أو المال، ففي سنة 1753 فوّض الأمير ملحم الولاية الى أخويه منصور وأحمد وحضرت لهما الخلع ثم جاء فرمان من الاستانة للأمير قاسم ابن شقيق منصور وأحمد ورفضا تسليمه المدينة فذهب الى صيدا وجاء بعسكر الى بيروت وداهمها غفلة ودخلها واستولى عليها فهرب عماه، ثم تصالح معهما وانتقل من الحدث وسكن في بيروت. وحدث مرارا ان أقفلت أبواب المدينة ومنع الخروج منها أو الدخول إليها أو قبض على من فيها من غرباء أو ضبطت أملاك الأمراء.

يذكر انه بعد خروج بيروت من حكم الشهابيين سنة 1776 جرت محاولات عديدة منهم للعودة الى حكمها وخيّموا مرات عند حرج الصنوبر إلا ان محاولاتهم باءت بالفشل.

وأما معاناة البيارتة من الخلاف الذي حصل بين الجزار والأمراء فنتركه لما بعد.

* مؤرّخ