بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 نيسان 2021 12:00ص إلى متى ستبقى عطاءاتنا الرمضانية إستهلاكية؟!

حجم الخط
منذ بداية شهر رمضان المبارك وأنا أتأمّل مسيرة العطاء التي بفضل الله تعالى انتشرت في بلادنا من شماله إلى جنوبه لتقدّم لأهلنا ما تيسّر من الطعام والشراب وصناديق المونة التي بلا شك هم بحاجة إليها.

ورغم الأجر الكبير الذي نسأل الله تعالى أن يكتبه لكل من عمل أو يسّر أو شارك في إيصال هذه الصناديق إلى المستحقين إلا أنه ساءنا أن يكون عطاؤنا تابعا للثقافة الاستهلاكية..؟!

وربما يكون الأمر مقبول من مبادرات الأفراد الذين لا يملكون إمكانيات كبيرة.. ولكن لا أعتقد أنه مقبول من قبل المؤسسات أو الجهات الرسمية التي تستطيع أن تقدّم للمجتمع كله مشاريع استثمارية وإنمائية تقوم مكان عشرات الآلاف من صناديق المونة؟!

فثقافة العطاء التي يريدها ديننا الحنيف تقوم على مبدأ الاستثمار المستمر الذي يحوّل المحتاج أو الفقير إلى إنسان فاعل وبنّاء، يحاول بدوره بعد أن ينال هذا العطاء أن يساعد غيره ليصبحوا مثله، وبالتالي هي ثقافة تنمية مستمرة لا تعطي المحتاج سمكة.. وإنما تعلّمه الصيد..؟!

أعيدوا النظر

فنحن حين نقرأ قول الله تعالى {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}، نشعر أن هذا العطاء الذي نقدّمه لا نريده عطاء استهلاكيا، وإنما نريده استثمارا نمويا مباركا... يبدأ بحبة.. تنبت سبع سنابل.. وكل سنبلة تعطينا مئة حبة...؟!

وحتى إذا تأمّلنا سنّة النبي  صلى الله عليه وسلم نرى هذا البُعد الراقي، ومنها ما رواه مسلم في صحيحه أن رَسُول اللَّه  صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً»..

نعم... نحن بأشدّ الحاجة إلى تنمية معاني وأبعاد ثقافة العطاء في فكرنا، والعمل بكل جهد ووعي لنرتقي به إلى المستوى المبارك الذي يحقق مراد الله تعالى في مجتمعاتنا.

فكيف إن كان الأمر في بلادنا التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة تدفعنا بكل قوة إلى التفكير الجديّ في العطاء الاستثماري..؟!

وكيف إن أدركنا أن مشروعا استثماريا واحدا قد يحقق الأمن الاجتماعي لعدد من الأسر، ربما يكون أضعاف أضعاف من ينالون صناديق مونة من هنا أو من هناك..؟! وكيف إن أدركنا إن هذا العطاء الاستثماري سيؤدي بعد فترة إلى مشروع ثانٍ وثالث ورابع.. إن كانت إدارته والإشراف عليه من قبل متخصصين أخلصوا النيّة للّه وعملوا كما أمر سبحانه..؟!

ربما يقول البعض أن الأمر يحتاج إلى خبرات وإلى قدرات وإلى أموال.. فنقول أن كل ما سبق موجود ولكننا بحاجة إلى قرار وإلى تصميم وإلى عمل جديّ يحوّل كل ذلك إلى واقع..

الارتقاء بالمفاهيم

أيها السادة الكرام.. في زمن الأزمات والمحن لا يمكن أبدا أن يكون فكرنا ومفهومنا وعملنا عاديا أو تقليديا أو نمطيا، وإنما علينا أن نكون عاملين بفقه الازمات الذي يحتم علينا التفكير بطريقة مختلفة حتى نستطيع الخروج من هذه الأزمات بأقل الأضرار..

فالمولى عزّ وجلّ قد أخبرنا فقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.. فأين آثار ومفاعيل تلك الخيرية في ما نقدّمه من أعمال في مختلف المجالات..؟!

وأخبرنا سبحانه فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، فأين نحن وعطاءاتنا من هذا المبدأ الإنساني الراقي..؟!

بل أخبرنا تبارك وتعالى أن هذا العطاء في حقيقته هو تجارة معه فقال: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيم}، فأين تجارنا وأغنياؤنا من هذا السلوك المبارك؟!

إن كثيرا من الناس وبكل أسف حتى في عطاءاتهم يريدون أنفسهم.. وسمعتهم.. وشيوع اسمهم.. ومصلحتهم الضيقة... ويبتغون من وراء ذلك الرياء والمفاخرة بل وأحيانا إذلال المحتاج بالصور وبالتصريحات الإعلامية التي تروّج لهم بدل من أن يجعلوا ذلك تعاملا مع الخالق تعالى الذي أعطاهم من فضله..

أيها السادة..

مهما ملكتم... ومهما تحصّلتم على المال... ومهما بلغت ثرواتكم... تأكدوا أنها ليست لكم في حقيقة الأمر وإنما أنتم مؤتمنين عليها، ولذلك كان الخطاب من الله تعالى لأمثالكم {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}..؟!