أكدت لجنة الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية أن الدين الإسلامي في حقيقته يعدُّ مَعيناً لا ينضب من التسامح والاعتدال والعدالة، فقد كانت نظرته للمخالفين له نظرة رحمة بعيداً عن التعصب والكراهية، وأوصى بمخطابتهم بالحسنى، لقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} والمسلم يحرص على الدعاء للمخالفين له بالهداية والمغفرة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ).
وقالت: لقد وضع الإسلام التشريعات التي تصون كرامة الإنسان وتحفظ حقوق الضعفاء، وحارب النظرة العنصرية للآخرين، وقد قدّم حلولاً عملية للقضاء على جميع أشكال التمييز التي تخالف تعاليمه ونظمه، فجعل ميزان التفاضل بين بني الإنسان هو التقوى فقط، فلا تمييز في الإسلام على أساس الجنس أو اللون أو العرق، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وفي تفسير هذا الخطاب العالمي للبشرية يقول ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى مخبراً للناس أنه خلقهم من نفس واحدة، وجعل منها زوجها وهما آدم وحواء وجعلهم شعوباً وهي أعمّ من القبائل، وبعدها مراتب أُخر، كالفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك، فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية، إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة اللّه تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة، واحتقار بعض الناس بعضاً، منبّهاً على تساويهم في البشرية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} أَيْ: لِيَحْصُلَ التَّعَارُفُ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، أي: إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب».
تحريم اللعن والشتم والنميمة
وأضافت اللجنة: لقد حرّم الإسلام كذلك اللعن والشتم والغيبة والنميمة والخوض في الباطل، قال الله تعالى: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [سورة الأحزاب: 58]، وقال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الفَاحِشِ وَلاَ البَذِيءِ)، بل المسلم يحرص على التماس العذر للناس قد الإمكان ما لم يتعلق الأمر بمسألة فيها مخالفة صريحة للإسلام، فحينها يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالحكمة والأسلوب الحسن.
وقد أرسى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قواعد العدل عندما هاجر للمدينة، ووضع الأسس التي تقوم عليها الدولة من خلال وثيقة المدينة المنورة التي جعلت المجتمع واحداً، الكل فيه سواء، وضمنت الوثيقة لغير المسلمين أن يعيشوا آمنين في ظل دولة الإسلام، قال ابن إسحاق: «وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادَعَ فيه يهود وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم» [السيرة النبوية للندوي/ ص: 359]، حيث حَوَتْ هذه الوثيقة الدستورية ما يقارب سبعاً وأربعين بنداً أو مادة، جاءت لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين المسلمين بعضهم بعضاً وبين غير المسلمين، ونظمت العلاقة بين أهل المدينة وغيرهم ممن يحاربهم أو يناصرهم، فعززت مفهوم سيادة القانون، وحقوق المواطنة، والمسؤولية الجماعية، كما عززت مفهوم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، ونظمت كافة المصطلحات الحديثة التي ينادي الناس بها الآن، أرساها النبي صلوات الله عليه وسلامة قبل قرون عديدة.
نهج ربّاني لا مكان فيه للتعصّب
وأضافت اللجنة في بيانها: الإسلام منهج رباني لا مكان فيه للتعصب والعصبية، قال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ) رواه أبو داود، وهذه التعليمات والنظم الإسلامية سبقت الجمعيات الحقوقية وجمعيات حقوق الإنسان في إرساء حقوق الإنسان في ظل الإسلام، والتي تطالب ببعضها تلك الجمعيات الحقوقية.
ويمكن الحد من الخطابات المتعصبة والمثيرة للكراهية من خلال:
أولاً: استغلال وسائل التواصل بجميع أنواعها، كمنصات لبثّ رسالة الإسلام السمحة، وتعريف الناس بهذا الدين العظيم، فالإسلام منهج رباني لا مكان فيه للنظرة العنصرية، أو التفريق على أساس اللون أو الجنس.
ثانياً: احترام حق الآخرين في حرية التعبير ما دام أنه لا يتعلق بموضوع يصادم قواعد الشرع.
ثالثاً: اللجوء إلى الحوار الهادئ في القضاء على الأفكار العنصرية، من خلال رفع مستوى الوعي بشأن مخاطر التمييز والتعصب، كعقد الدورات التدريبية والتوعوية للحد من خطورة خطاب الكراهية.
رابعاً: تفعيل المسؤولية الفردية والمجتمعية، وذلك على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع بمتابعة أبنائهم وحمايتهم من الفكر الدخيل أو المتطرف، وذلك يتجسّد في الرعاية الدينية والخلقية.
وعليه؛ فخطاب الكراهية الذي يدعو إلى الفرقة والتمييز بين الناس على أساس لونهم أو جنسهم أو عرقهم هو خطاب مرفوض، ومحرّم شرعاً؛ لأنه يخالف تعاليم الإسلام التي أعطت كل إنسان حقه، وجعلت ميزان التفاضل التقوى ومخافة الله تعالى، فالتمسّك بتعاليم الإسلام يحمي الفرد والمجتمع من أي فكر منحرف. والله تعالى أعلم.