بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تشرين الأول 2021 12:00ص الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أعمال إنسانية... لا شعارات لسانية

حجم الخط
ها قد هلّ علينا شهر المولد النبوي الشريف شهر ربيع الأول...

ومنذ دخوله بدأت الدعوات تنهال على المرء من هنا أو من هناك للاحتفال بذكرى مولد خير البريّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..

ولكن - وللأسف الشديد - كما في كل عام يعود المسلمون إلى ما درجوا عليه من احتفالات جوفاء وكلمات رنّانة وخطب عصماء... ثم.. ينتهي كل شيء وكأن شيئا لكم يكن....؟!

ومن هنا يحق لنا أن نسأل..

أما آن لنا جميعا ومن مختلف المستويات والفئات أن نجعل تلك الذكرى موسم إنطلاق جديّ نحو أعمال صالحة تنفع البلاد والعباد في وقت تنهال الأزمات فيه فوق رؤوسنا كما ينهمر المطر..؟!

أليس الأحرى والأجدى والأفضل والأنفع أن تقدّم للناس جميعا ما يزيل همّاً.. أو يفرج غمّاً... أو يساعد على تخطّي مشكلة أساسية في حياة المجتمع..؟!

ألم نعلم بعد أن المطلوب في ذكرى مولده أن نكون حقا من أتباعه الذين علموا سنّته وساروا على هديه وطبّقوا ما أمر به، وليس من الذين يحتفلون باللسان بينما أعمالهم وأفعالهم وسلوكياتهم كلها تتناقض مع ما أوصى به صلى الله عليه وسلم...؟!

لماذا - وعلى سبيل المثال - لا نقوم في يوم ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق مشروع تنموي حضاري تمتد آثاره وفعالياته إلى سنوات وسنوات ويستفيد منه المجتمع كله، بدلا من «إطلاق الشعارات» التي للأسف أدمن الكثير من حولنا إطلاقها...؟!

ما المانع من وضع «أحجار الأساس» لمشاريع تجارية وسكنية وتعليمية تؤمّن حسن التحصيل الفكري والعلمي والإيماني للشباب... بدلا من وضع «أحجار العقبات» أمام مستقبلهم الذي باتوا يرونه أسودا..؟!

واقع أليم

أن الواقع الذي نعيشه في بلادنا اليوم واقع أسود وأليم يعاني من تبعاته كل اللبنانيين بلا إستثناء، وهو أيضا واقع يصرخ فينا جميع أن تحرّكوا.. واعملوا.. وقدّموا لأهلكم وناسكم ما ينفعهم في حركة حياتهم اليومية ولا تجعلوا أعمالكم مجموعة من البيانات والكلمات... فهل أردنا بؤس الحال الذي نحن فيه..؟!

لا يعتقدن أحد أننا ندعو لعدم إقامة الاحتفالات بذكرى المولد ولكن كل ما في الأمر أننا نصرّ - وسنبقى مصرّين - على تزامن ما نقول مع ما نفعل، وعلى تلاقي الخطابات مع الإنجازات... حتى لا يتعوّد الأبناء على أننا أمة قولية.. تقول وتقول وتقول... ثم لا تفعل شيئا..؟!

فما رأيكم مثلا... وبدلا من توزيع الحلوى ونشر الملصقات وتعليق اليافطات (وعذرا على اللفظ) المرائية في أكثرها..؟! أن نجمع كل ما أنفق عليها في سبيل تحقيق علاجات لأناس ينامون يوميا وهم يبكون من آلام المرض ..؟!

ما رأيكم.. دام عزّكم.. لو توحّدت جهود المحتفلين في مختلف المناطق فننشئ «صندوقا مؤسساتيا» مخصصا لمساعدة الشباب العاطلين عن العمل الذين باتوا اليوم أكثر من نصف الشعب اللبناني..؟!

وما رأيكم... لو خصصنا مصاريف تلك الاحتفالات لتوزيع مساعدات شهرية على «عائلات متعففة» دار بها الزمان في هذه الأيام النحسات حتى انقلبت أحوالها، وأصبحت هي بحاجة إلى من يتصدّق عليها.. بعدما كانت من الأسر التي تتصدّق على من حولها من المحتاجين..؟!

أن تجويف المناسبات الإسلامية من معانيها الحقيقية ساهم في تحقيق كارثية المشهد في بلادنا وخاصة من قبل هؤلاء الذين تعوّدوا كما تعوّد المجتمع على «زمانية الذكرى» لا على عموم الفائدة، وبالتالي قصّروا في تزكية تلك المعاني في نفوس المسلمين حتى هجروها وغابت عنهم حتى ارتفع ما يمكن تسميته «بالجدار الفاصل» بين حياة الأمة الفعلية وبين دورها المطلوب المجيد في كل الأيام.

فقه عمارة الأرض

وأما علاج هذه الآفة... فلا بدّ أن يكون إيجابيا على قدر السلبية التي شاعت منذ سنوات، فنسعى جميعا لنعمّم ثقافة العمل والإنتاج المفيد ونجهد بقدر استطاعتنا لتكون أيامنا كلها أيام سعي محمود، وهكذا حتى يصبح الإسلام بكل أحداثه ومناسباته متمكّنا من قلوب وأعمال وإنجازات الأمة التي لا تحرّكها إلا طاعة الله ورسوله في سبيل عمارة الأوطان والمجتمعات امتثالا لقوله تعالى {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}.

وفقه عمارة الأرض الذي أمرنا به المولى تعالى هو العمل بجملة قيم الحضارة بأبعادها المتنوعة، ابتداءً من بناء الإنسان عقلاً وجسداً وروحاً وفكرا، وأيضا تحقيق أبعاد العمارة في المجال الإداري والزراعي والصناعي والتجاري والبيئي والصحي وغيرها من المجالات التي يحتاجها الإنسان حتى نكون من العاملين بمقتضى قوله تعالى {وَلَقَد كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.

إننا بالترافق مع دخول شهر ربيع الأول واقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف نناشد كل مسلم على أن يبدأ ومن الآن بتصويب العقلية التي ننطلق منها إلى الاحتفال بذكرى المولد، كما نطالب بتصحيح مفهوم الانتماء إلى من نحتفل بذكرى مولده بالعمل قبل القول..؟!

نعم الأفكار كثيرة...

ونعم الأعمال المطلوبة والمتاحة أكثر وأكثر..

ولكن كما قلنا المطلوب أولا هو تصويب العقلية حتى تكون على مستوى شرف الاحتفال بذكرى مولد خير البريّة صلى الله عليه وسلم...؟!