بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 أيلول 2021 12:00ص الاحتكار جريمة بحق اللبنانيين بكل طوائفهم وبكل طبقاتهم وأجناسهم

حجم الخط
لقد عمَّ البلاء والفقر والجوع والخوف هذا البلد الطيب الآمن لبنان الحبيب، وضعفت القدرة الشرائية عند كل المواطنين والمقيمين وانعدمت عند كثير منهم بشكلٍ كامل وذلك بسبب هبوط العملة الوطنية والمضاربة عليها وفيها من قبل مجرمين محتكرين حاربوا الوطن كله بعملتهم الوطنية.

كما وانقطعت المواد الحيوية الضرورية من الأسواق والمحلات والصيدليات وانتشرت المضاربات والتهريب خارج الحدود دون رادعٍ أو رقيب أو حسيب وزادت السرقة والإحتكار بكل صوره، وبدأت حرب الجشعين الذين يريدون الحياة ولو على حساب غيرهم على حساب الجياع والفقراء، وتفلّت استعمال السلاح لأتفه الأسباب، وخاصة على محطات البنزين أو أبواب الصيدليات أو أبواب الأفران، بل وربما شهر السلاح على أولوية مرور أو وقوف.

انقطاع الإنسانية والمواطنة

وانقطعت الإنسانية والمواطنة والشعور بالآخر بسبب ظلم وتسلّط أفسد سياسيين ومسؤولين رأيناهم منذ استقلال لبنان عن المستعمر بل لا يوجد أفسد منهم في الدنيا بدءاً من رأس الهرم إلى أصغر مسؤول في هذا البلد تسلطوا جميعاً على أجمل بلد في الدنيا فنهبوا خيراته وأرضه وتملّكوها زوراً وبهتاناً، بل وأكثر من ذلك فأخرجوا أموالهم المسروقة إلى الخارج ليأمِّنوا على أنفسهم لو خرجوا أو أُخرجوا من هذا البلد ولم يكتفوا بذلك فأخذوا مدخرات الناس في البنوك التي تعتبر جنى أعمارهم من بلاد الغربة ليعيشوا كراماً آخر أعمارهم وليتركوا لأولادهم ما يسترهم من نغص العيش وصرفت بسعر هو عين السرقة الموصوفة، فضاعت منهم الأحلام الجميلة، وأفاق المواطن اللبناني على كابوس مظلم كريه المنظر لم يره في حياته كلها وهذا كله بسبب الاحتكار.

نعم الاحتكار السياسي، والاحتكار الوظيفي، والاحتكار التجاري، والاحتكار الصناعي، والاحتكار الغذائي، والاحتكار الداوئي والعلاجي، وغير ذلك كثير هو الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من تردٍ لحياة الفرد والمجتمع بل وأصبح الناطق الرسمي لهم رؤساء النقابات الذين يزيدون البِلَّةَ طيناً فيبشّرون الناس بفقدان كل شيء حتى وربما أولادهم وأغلى ما يملكون.

والإحتكار هو حبس كل ما ينفع الناس للإضرار بهم وحصر المنفعة بالمحتكر... وقد ذمَّ الله كل من يحبس المنافع عن الناس فقال سبحانه وتعالى {الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون} فأفعالهم رياءً وسمعةً وشرّهم للعباد واصل، وخيرهم للعباد فاشل، فالاحتكار السياسي الذي نعانيه منذ بداية العهد القوي على المواطن الضعيف أمام مصالحه وعصبيته، فالبلد ينهار، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والمسؤول الأول وغيره يبحثون في جنس الوزراء ومذاهبهم وانتمائهم، بدلا من أن تكون جلسة واحدة فقط لتأليف الحكومة والنظر فقط إلى أهليتهم وكفاءتهم وحبهم لأوطانهم والتفاني بخدمة الوطن والمواطن لا استغلال المنصب والوظيفة.

الاحتكار محرّم

وأما الإحتكار الوظيفي ليس أدل عليه من تعطيل مجلس الخدمة المدنية في توظيف الكفاءات اللبنانية بحجة المناصفة وغير ذلك التي لم تجد ملاذاً إلا الاغتراب والهجرة حفاظاً على ما تبقّى من كرامة لهم.

وأما الإحتكار الصناعي يتجلّى ذلك بحصر بعض الصناعات بمحسوبيات مذهبية وحزبية وطبقية بغيضة... وأما الإحتكار الغذائي فهو المسؤول الأول عن مجاعة الشعب اللبناني وإذلاله لتحصيل لقمة العيش الكريم ولو بالحدود الدنيا... ولهذا نقول: المحتكرُ ملعون ومطرود من رحمة الله تعالى للحديث الشريف (المحتكرُ ملعون) رواه ابن ماجه والحاكم وذلك لأنه يحبس الغذاء عن الناس طلباً لارتفاع سعره فهو ظالم لكل اللبنانيين بكل طوائفهم وبكل طبقاتهم وأجناسهم بل لكل المقيمين في هذا البلد.

وقد نهى رسول الله  صلى الله عليه وسلم أن يُحتَكَرَ الطعامُ وقال عليه الصلاة والسلام (من احتكر فهو خاطئ) رواه مسلم والترمذي، وقال صلوات ربي وسلامه عليه (من احتكر على المسلمين طعامَهم لم يمت حتى يضربَهُ الله بالجزام أو الإفلاس) أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم.

أسألكم بالله العليّ العظيم كيف سيواجه المحتكرُ والظالمُ ربَّهُ؟

من احتكر حليب الأطفال سيسأل عن الأطفال التي جاعت أو مرضت أو ماتت وما أكثرهم فقد ظلمهم وظلم أمهاتهم وآباءهم؟!

وأما إحتكار الدواء فجريمة لا تغتفر وخيانة عظمى لكل اللبنانيين بل وعقوبتها أشدّ وأعظم عند الله تعالى من حبس الغذاء، ولهذا أطالب أجهزة الدولة بمعاقبة كل من يتلاعب بالأمن الغذائي والأمن الصحي للمواطنين وإلغاء وكالات استيراد الأغذية والأدوية ولتكن الدولة هي التي تستورد الدواء والغذاء.

وأما إحتكار المواد الضرورية للمواطنين كالبنزين والمازوت وكل ما هو ضروري للمواطن أفراد ومؤسسات ومستشفيات وأفران ومصانع، فهي جريمة تحرق أصحابها في الدنيا والآخرة.

جريمة كبرى

إن مناظر اللبنانيين أمام محطات البنزين أمر مخزٍ ومذل لكل النواب والوزراء والسياسيين قبل أي مواطن، والقضاء والأمن اللبناني مسؤول أمام الله وأمام المواطنين بالقضاء على هذه الظاهرة التي أثّرت على معيشة الناس وحياتها ووقتها وأخلاقها، وقد صرح فقهاء الإسلام وأجمعوا على (أنه لو احتكر إنسان شيئاً واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أُجبر صاحبُهُ على بيعه).

وختاماً أتمنى وجود حكومة لبنانية من اختصاصيين أكفّاء شرفاء... تكون سبباً لخروج هذا البلد من هذه الأزمة الخانقة ولانتخابات نزيهة ورجالات وطنية غير مرهونة لأحد... ولاؤها للّه الواحد ثم الوطن.



* رئيس محكمة جبل لبنان الشرعية السنية