بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 حزيران 2020 12:01ص الحجاب منهج وركيزة إيمانية.. والإلتزام بشروطه واجب

حجم الخط
الإسلام دين الفطرة، يحترم العقل ولا يحتقر الغرائز، وإنما نظّمها ووجّهها لما يحفظ الحياة سويّة، والأنساب عليّة، ونظر إلى المرأة نظرة عادلة، لأنها أم وزوجة وأخت وبنت، بل واهتم بها وكرّمها باعتبار رسالتها الأصيلة في الحياة، فأنزل في القرآن سورة بإسمها هي سورة «النساء»، ولقيت من التشريع الإسلامي عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفّتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان، لذا أمرها بالحجاب لأنه يحجب مفاتن المرأة وعوراتها، ويميّز العفيفة عن غيرها، فتسلَم من المضايقات، وتعرُّض الفساق لها بالأذى، وقطع بذلك أطماع القلوب المريضة، وحجبها بحجابها من النار وعذابها، فكانت في الدنيا رمزا للعفّة والحياء والطهارة والصفاء والسكينة والإباء.

الحجاب منهج حياة وفكر

فالحجاب منهج لحياة الفتاة المسلمة، وليس غطاء عن الفكر، أو سترا عن الفهم والعلم والقيم، أو انفصاما عن معايشة الواقع وتطلّعات الحياة، فالحجاب بالنسبة للمرأة معلم شخصية وركيزة إيمانها وتحرّرها عن غبش التلوّن في المعتقدات والتذبذب أمام إغراء دعاة التحرّر والموضة والانحلال، لأنها بحجابها تحفظ شخصيتها من الذوبان وكرامتها من الامتهان، ونجاحها بين يدي الله وقت الامتحان، ولذلك كان الخطاب للنبي # موجّها من خلاله لزوجاته وبناته ونساء المؤمنين على سبيل العموم لأهل الإيمان دون غيرهم وليس على سبيل التخصيص كما يثيره بعض الأدعياء من الجهلاء؛ لذلك لما رأت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، المبرّأة من فوق سبع سماوت، نسوة بلباس غير محتشم قالت لهن «إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات»، فالمرأة المسلمة تظهر شعائر دينها وشخصيتها بحجابها دون تبعية لموضة أو إنقياد خلف دعاية، وما شُبَهُ دعاةِ تفلّت المرأة والحرب على الحجاب إلا لجعلها سلعة في سوق فقدان القيم وشوارع الغفلة والرذيلة بحيث تعامل كسلعة تُباع وتُشترى ثم تُرمى كالقمامة فعملوا بطريقة خبيثة لهدف إنحراف الفتاة المؤمنة عن مسيرتها الربانية بصور مبتدعة من الحجاب لتفقد بذلك قدسيتها وتتنازل عن كرامتها وعفّتها، وليست هكذا أخلاق الإسلام ولا شِيَمه، لأن الدين كله حياء، ولذلك تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: «إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِن}، فانقلب رجالهن إليهن يتلون ما أنزل الله إليهن فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذوي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل - أي الذي نقش فيه صور الرحال وهي المساكن - فاعتجرت به - أي سترت به رأسها ووجهها - تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله في كتابه»، ثم إن الله تعالى ذكر الحجاب في كتابه الكريم في ثمانية مواضع، واعتبره فريضة وعبادة وليس موضة وعادة.

قال الله تعالى: {يا أيها النبي قُل لأزواجك وبناتك ونساءِ المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذَين، وكان اللهُ غفوراً رحيماً}.

شروط وآداب

لقد شرط الإسلام لحجاب المرأة شروطا في ملبسها وزينتها لسد ذريعة الفساد نتيجة التبرّج والعناد، وهو بذلك لم يقيّد حريتها كما يدّعي دعاة التحرر المأزوم والتفقيه المشؤوم بل وقاها من أن تسقط في درك المهانة، ووحل الابتذال، بيد أن تكون مسرحاً لأعين الناظرين بالازدراء والافتراء والإيذاء، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ}.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».

فمن شروط الحجاب أن يكون ساترا لجميع بدنها غير مبهرج ولا مزخرف أو مزركش بل غير لافت للنظر ولا جاذب للانتباه، سميكا لا يشفّ أو يرى ما تحته لأن الثوب الخفيف الشفاف ليس حجابا وأن يكون فضفاضا غير ضيق لا يجسّم جسد المرأة ولا يظهر مواضع الفتنة في جسدها فكيف تكون الفتاة محجبة وهي تلبس البنطال الضيق الذي يفصّل مسام جسدها وألا يكون فيه تشبّها بالرجال أو بغير المسلمات أو ثوب شهرة للفت الأنظار إليها، فإن جرثومة العري التي دخلت مجتمعاتنا وضربت سمومها جراحاتنا ووقعت في فخها نساء ينتسبن للإسلام في تبعية وغثائية عمياء وانحراف عن العقيدة وتزيي بزيّ لا يمتّ للحياء بصلة ولا للأخلاق بوجه، أمر هو نذير شؤم وحرب على القيم والأخلاق وشخصية الفتاة المسلمة، فهل من الحجاب غطاء رأس وبنطال ضيق صفيق؟

وهل من الحجاب عباءة تنزل على جسد الفتاة يَسفها الريح فيظهر مفاتن جسدها؟

أما إنه لو أن كل امرأة التزمت بالحجاب الشرعي كما أراد الله وسترت مفاتنها، لظلّ كل زوج معجباً بزوجته، ولأصبحت الزوجة أجمل من يرى الزوج من النساء، لأنه لا يرى مفاتن الأخريات، وفي هذا حماية منها لزوجها وأزواجهن! فإن صانت المرأة أزواج الأخريات بستر محاسنها، ستر الله عن زوجها محاسن الأخريات فأصبحت في عينيه أجمل النساء، بل إن اللباس الشرعي بمواصفاته المعتبرة يحقق للمرأة العديد من المنافع الصحية والنفسية، كما قال أهل الطب وهذا يدلُّ على حكمة الإسلام، وعنايته بالنفس البشرية.

هل بعد كل هذا نرى فتيات الإسلام في تقليد كل عام لموضة وأزياء وأين هن من أمر الله لهن بالحجاب؟! بل أين مسؤولية الآباء والأمهات ألا يفكرن ولو للحظة بالموقف بين يدي الله القائل {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}، وقول النبي محمّد #: «صنفان من أهل النار لم أرهما» وذكر منهما «نساء كاسيات عاريات»، بل لنفكّر جميعا بقول الله تعالى: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.