بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2018 12:05ص الدُعاة بعد انتهاء شهر القرآن ... ختم القرآن ليس لذاته

بل لآثاره وانعكاساته الإيجابية ونريد الترجمة أخلاقياً

حجم الخط
بدأ نزول القرآن في شهر رمضان وكان جبريل يأتي إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  في كل ليلة من رمضان ليدارسه القرآن فقد كانت هناك صلة قوية بين القرآن وشهر الصيام ، وأعد الله عز وجل الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن تعلم القرآن وعلمه، فنجد المسلم في أول يوم من هذا الشهر الكريم يقبل على كتاب ربه يقرأه ويتدبر معانيه ويعتبر بما فيه من حكم ومواعظ.
وقد وصفه الله عز وجل بأوصاف عظيمة منها أنه هدى للمتقين قال تعالى: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} وهو هدى للناس قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} ومن أحسن صحبة القرآن وتلاوته وتدبر معانيه وتطبيق أحكامه فإن القرآن يصحبه حتى يقوده إلى الجنة, جاء في الحديث عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا, فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها».
وقد وصفه الله تعالى بأنه هدى وشفاء ورحمة وموعظة ورحمة قال تعالى: {يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.
كما وصفه الله عز وجل بأنه يهدي للطريق المستقيم ويحمل البشارات العظيمة.
قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيراً}.
 
القاضي الكردي
{ بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي: الارتباط بين شهر رمضان والقرآن العظيم ارتباطٌ محكم وثيق، ففي أيّامه المباركة ولياليه الجليلة نزل الروح الأمين بالقرآن العظيم ليكون هدى للناس وفرقاناً، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:186).
وقد حثّ الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على أن يكون لهم شأن مع القرآن الكريم، فيردوا حياضه، ويستروحوا في رياضِهِ، ويأنسوا بكَنَفِه، فها هو يخاطبهم في محكم كتابه، فيقول عز من قائل: {ورتل القرآن ترتيلا} (المزمل:4).
وقراءة القرآن الكريم عبادةٌ عظيمة، غَفَلَ عنها المتقاعسون عن الأجور؛ ذلك لعدم استشعارهم الأجور العظيمة التي تترتّب عليها، وفي هذا المقام يأتي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، قال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {آلم} حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف)، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
وكلّما قرأ المؤمن آيات الله تضاعفت حسناته، وامتلأت صحائف أعماله، وهذه هي التجارة الحقيقيّة مع الله عز وجل: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (فاطر:35).
والمقصود بـ (التالين) لكتاب الله -كما ذكر العلماء- هم الذين يداومون على قراءته، واتباع ما فيه، حتى صار ذلك سمةً لهم وعنواناً، فمثل هؤلاء قد عقدوا مع الله عز وجل صفقةً رابحة،ً لن تكسد وتفسد، بل تجارة: «هي أجلُّ التجارات، وأعلاها، وأفضلها، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه».
وقراءة القرآن تشفع لصاحبها يوم القيامة، فقد روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، قال: (اقرأوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقانٌ من طير صواف، تحاجّان عن أصحابهما، اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)، رواه مسلم. و(البطلة): هم السحرة، كما ذكر شرّاح الحديث.
ومن فضائل قراءة القرآن الأخرويّة: ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي  صلى الله عليه وسلم ، قال: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارْقَ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أحمد وأصحاب السنن عدا ابن ماجه.
والناس يتفاوتون ويتباينون في قدرتهم على قراءة القرآن ومهارتهم فيه، ومن ثَمَّ  كان لكل واحدٍ منهم فضلٌ وأجرٌ بحَسَبِه، مصداق ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، قال: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران) متفق عليه.
وتابع : الحديث عن قراءة القرآن يقودنا إلى مسألة تدبّر آياته، والذي يعني أصالةً: تأمّل معانيه، والتفكر في حكمه، والتبصّر بما فيه من الآيات، وقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء:82)، وقوله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} (ص:29)، وقوله سبحانه: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد:24).
ولذلك يقول الإمام ابن القيم: «وأما التأمل في القرآن، فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر». 
واختتم بالقول: إن المطلوب بعد انتهاء شهر رمضان المبارك أن نبقي على حسن علاقتنا بالقرآن وأن نعمل به في كل أمور حياتنا حتى نكون من الذين عملوا بما قراوا من كتاب الله.
القاضي الحاج شحادة
{ أما القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة قال: ثمة علاقة وطيدة ورباط متين بين القرآن وشهر الصيام، تلك العلاقة التي يشعر بها كل مسلم في قرارة نفسه مع أول يوم من أيام هذا الشهر الكريم، فيُقْبِل على كتاب ربه يقرأه بشغف بالغ، فيتدبر آياته ويتأمل قصصه وأخباره وأحكامه، وتمتلئ المساجد بالمصلين والتالين، وتدوي في المآذن آيات الكتاب المبين، معلنة للكون أن هذا الشهر هو شهر القرآن، قال جل وعلا: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185)، وكان جبريل عليه السلام يأتي إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فيدارسه القرآن كل ليلة في رمضان -كما في «الصحيحين»-، وكان يعارضه القرآن في كل عام مرة، وفي العام الذي توفي فيه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عارضه جبريل القرآن مرتين.
وكان للسلف رحمهم الله اهتمام خاص بالقرآن في هذا الشهر الكريم، فكانوا يخصصون جزءاً كبيراً من أوقاتهم لقراءته، وربما تركوا مدارسة العلم من أجل أن يتفرغوا له ومما ينبغي أن يعلم أن ختم القرآن ليس مقصوداً لذاته وأن الله عز وجل إنما أنزل هذا القرآن للتدبر والعمل لا لمجرد تلاوته والقلب غافل لاه، قال سبحانه: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} (ص:29)، وقال: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد:24)، وقد وصف الله في كتابه أمماً سابقة بأنهم {أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} (البقرة:78)، وهذه (الأمية) هي أمية عقل وفهم، وأمية تدبر وعمل، لا أمية قراءة وكتابة، و(الأماني) هي التلاوة -كما قال المفسرون-، بمعنى أنهم يرددون كتابهم من غير فقه ولا عمل. وقال: ولكن علينا أن نعمل أيضا أن العلاقة مع القرآن لا تنتهي مع انتهاء شهر رمضان المبارك بل علينا أن نستمر بالعمل وفق ما جاء بالقرآن الكريم طوال العام، فقراءتنا في رمضان هي بداية رحلة تستمر معنا عاماً كاملاً إلى أن يأتي رمضان المقبل لنبدأ برحلة قرآنية جديدة.