في شهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام، ويغتنم أيامه ولياليه في التقرّب إلى الله تعالى بالطاعات من كثرة صيام واستغفار وقراءة القرآن. ومن فضائل هذا الشهر الكريم أنه تمّ تحويل قبلة المسلمين فيه من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام إكراما لمصطفاه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}.
ومن هنا نبّه الدعاة إلى ضرورة الاستعداد لشهر رمضان المبارك، من خلال الإكثار من الطاعات لا سيما الصيام في شهر شعبان، كما فهم ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والسلف الصالح من بعده، موضحين ان تدريب النفس على الطاعات قبل حلول شهر رمضان، يعطيها شحنة إيمانية، ويعينها على تحمّل أداء مختلف العبادات في الشهر الكريم.
القوزي
{ بداية قال الشيخ د. مازن القوزي رئيس دائرة المساجد في الأوقاف الاسلامية، إن الله سبحانه وتعالى قد امتنّ على هذه الأمة بأمور كثيرة منها، الأشهر الحرم التي حرّم الله سبحانه وتعالى فيها القتال، ومن بين هذه الأشهر رجب، كما امتنّ الله على الأمة المحمدية بشهر رمضان المبارك وفرض الصيام عليهم في نهاره، واستن النبي صلى الله عليه وسلم، قيام ليله، وبين شهري رجب ورمضان، يجيء شهر شعبان، وهو شهر يغفل فيه كثير من الناس، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فقد روى الإمامان الترمذي والنسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قُلتُ: يا رسول الله، لمْ أرَكَ تصوم من شهر من الشهور ما تصوم مِنْ شعْبان. قال: ذلك شهْرٌ يغْفُل الناس عنْه بيْن رجب ورمضان، وهو شهْرٌ تُرْفَع فيه الأعْمال إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أنْ يرْفعَ عملي وأنا صائمٌ.
وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أحوال خاصة في شهر شعبان، مما يوضح فضل ومنزلة هذا الشهر الكريم وما فيه من الخيرات، وقد جاءت أحاديث كثيرة توضح ذلك منها، ما رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها - قالت: «ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استكملَ صيام شهر قطُّ إلا شهر رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صياماً منه في شعبان» وأشار إلى أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين، كانوا يهتمون بهذا الشهر - أي شهر شعبان - اهتماما خاصا، لما عرفوا من نفحاته وكراماته، فكانوا ينكبون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه، ويتصدّقون من أموالهم، ويتسابقون إلى الخيرات، وكأنهم يهيّئون قلوبهم لاستقبال نفحات رمضان الكبرى، حتى إذا دخل عليهم رمضان دخل عليهم وقلوبهم عامرة بالإيمان وألسنتهم رطبة بذكر الله، وجوارحهم عفيفة عن الحرام طاهرة نقيّة، فيشعرون بلذّة القيام وحلاوة الصيام، ولا يملّون من الأعمال الصالحة، لأن قلوبهم خالطتها بشاشة الإيمان وتغلغل نور اليقين في أرواحهم، واطمأنت قلوبهم بذكر الله وعمل الخيرات وترك المنكرات، قال تعالى في كتابه الكريم {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
الخانجي
{ أما الشيخ محمد الخانجي إمام وخطيب مسجد قريطم فقال: «إن شهر شعبان هو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، كما جاءت الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، مشيرا إلى ان المراد برفع الأعمال، أي أعمال السنة كلها، وهذا يتطلب من كل مسلم أن يجتهد حتى تكون خاتمة أعماله حسنة، ومن المعلوم أن طلب حسن الخواتيم من الأمور التي يسنّ للإنسان أن يطلبها من الله سبحانه وتعالى بل ويلحّ في طلبها، ففي الدعوات المأثورات «اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم لقائك».
وأضاف: أن من فضائل شهر شعبان، أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الشهر ظرفا لحدث مهم في تاريخ المسلمين وهو حدث تحويل القبلة من المسجد الأقصى في فلسطين الى الكعبة بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وقد كان هذا الأمر العظيم من الأمور التي كان يتمنّاها النبي صلى الله عليه وسلم ويقلب وجهه في السماء رجاء أن يحقق الله سبحانه وتعالى له مراده، وقد استجاب رب العزّة سبحانه لرغبة نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، وقد سجل القرآن ذلك، حيث قال تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون}.
وأشار إلى أن من المحاسن التي يلتزم بها كثير من الصالحين من المسلمين، انهم يستعدّون لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بشهرين، لذا تراهم إذا ما أهلّ عليهم شهر رجب كانوا يكثرون من الدعاء ويقولون «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا اللهم رمضان»...