بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آذار 2022 12:00ص الدعاة مع دخول شهر شعبان: أيام التهيئة العملية والإيمانية لحسن استقبال خير الشهور

حجم الخط
كان النبي صلى الله عليه وسلم  في شهر شعبان يكثر من الصيام، ويغتنم أيامه ولياليه في التقرّب إلى الله تعالى بالطاعات من كثرة صيام واستغفار وقراءة القرآن، ومن فضائل هذا الشهر الكريم أنه تم تحويل قبلة المسلمين فيه من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام إكراما لمصطفاه صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}.

ومن هنا نبّه الدعاة إلى ضرورة الاستعداد لشهر رمضان المبارك، من خلال الإكثار من الطاعات لا سيما الصيام في شهر شعبان، كما فهم ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم  والصحابة والتابعين والسلف الصالح من بعده، موضحين ان تدريب النفس على الطاعات قبل حلول شهر رمضان، يعطيها شحنة إيمانية، ويعينها على تحمّل أداء مختلف العبادات في الشهر الكريم، خاصة في ظل تراكم الأزمات التي نعيشها في بلادنا.

حجازي

الشيخ الدكتور وفيق حجازي قال بداية: إن شهر شعبان نفحة من نفحات الله وهبة من معين مدد الله، عظّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان يكثر فيه من الصيام النفل على غيره من الشهور، فكان يصومه كلّه أو إلّا قليلا منه، وقد قال العلماء بأن صيام شهر شعبان كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان وهو على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرّن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، والنفس إذا اعتادت على الصيام قبل رمضان، اجتازت بذلك مرحلة المجاهدة التي لا بد منها في بداية شهر الصيام، وبالتالي القدرة على اغتنام ساعات رمضان، أيامه ولياليه، بشكل أكبر وأفضل في أعمال البرّ والخير، كما أن شهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، ويٍُعدّ بمثابة السقي للزرع في شهر رجب ليكون الحصاد في شهر رمضان، فماذا يكون حال من لم يزرع ولم يسقِ في رجب وشعبان؟ فماذا يحصد سوى الخسارة، ومن هنا كان شهر شعبان عند المسلم بمثابة الحافز والدافع الشديد لرمضان، وما يقدّم فيه يكون بمثابة التهيئة للصيام الفرض المسبوق بالسنة قبله كما بعده، والفرصة سانحة للاستعداد لرمضان تلك الأعمال بمثابة تطويع للأعضاء على تحمّل ساعات الصيام وطول القيام في أيام رمضان ولياليه.

وأضاف: هذا وإن شهر شعبان هو شهر القرّاء للقرآن الكريم الذين ينقطعون فيه عن كل شيء دون القرآن؛ ليروّضوا ألسنتهم على كثرة قراءة القرآن، فما أن يدخل عليهم رمضان حتى تكون ألسنتهم طيّعة ليّنة مع كتاب الله تبارك وتعالى، يسهل عليهم أن يختموا الختمة بعد الأخرى، وذلك من أعظم الأعمال التي تكون في شهر رمضان، فالأوقات التي يغفل الناس عنها معظّمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات، فإذا ثابر عليها طالِب الفضل، دلَّ على حرصه على الخير، والنفوس تتأسّى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم، كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسّى بهم عموم الناس، فيشقّ على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلّة من يقتدون بهم فيها، ومن هنا كان الاستعداد لشهر رمضان من خلال شعبان أمرا مهما؛ لأن عظمة رمضان تستوجب الاستعداد له قبل مقدمه، وقد كان الصالحون يدعون الله تعالى قبل رمضان بستة أشهر أن يبلغوا شهر رمضان، ويدعوا الله تعالى بعد رمضان ستة أشهر أن يتقبّل منهم رمضان، فهو شهر عظيم مبارك، فضلا عن أنه سيد الشهور، وهو فرصة ثمينة يجب الحرص على استثماره على أحسن وجه وبأفضل صورة، والتخطيط المسبق لاستقبال شهر رمضان، وتنظيم البرنامج العملي أمر مهم جدا، والقاعدة أنه على قدر الاستعداد يكون من الله الإمداد، حتى يكون المؤمن عند دخول رمضان عليه قد تمكن من فتح صفحة جديدة في حياته مع الله تعالى، وفعل ما يؤدّي إلى قبول أعماله في شهر الصيام، وذلك كله يستوجب أن يجعل له حوافز في شعبان لرمضان منها أن يجعل له ختمة للقرآن في شعبان ولو مرة واحدة على الأقل لكن وبتدبّر وذلك ليفقه معنى القرآن كباب للعمل التام بمعانيه ومبانيه، وليكون قرآنا يمشي على الأرض كما كان عليه الصلاة والسلام، كما عليه أن يصدق التوبة مع الله من جميع الذنوب دقّها وجلّها مع القيام ببرنامج تعبّدي عملي يومي له وتصحيح سلوه ومعاملاته مع الناس والقيام بالصدقات ونحو ذلك من أعمال البر فإن رمضان تفتح فيه أبواب الجنان وهل يمكن أن تفتح لمن غلقها بمعصيته وعدم توبته وأعرض عن مولاه؟! ومن هنا كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم  عن شهر رمضان مبشّرا بمقدمه بأنه شهر مبارك كتب الله صيامه، تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حرم، فكيف لا يبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان، والمذنب والمقصّر بغلق أبواب النيران والعاقل بوقت تغلّ وتسلسل وتصفد فيه الشياطين، والأمة بحاجة للعودة إلى الله والاصطلاح معه لرفع الغمّة والكرب حيث البُعد عن الله والمجاهرة بمعاصيه وذلك كله يستوجب التهيئة في شهر شعبان بالطاعات والاستعداد للنفحات لتنقلب المحن إلى منح وما ذلك على الله بعزيز.

العرب

أما الشيخ حسن العرب، إمام وخطيب مسجد سبنية، فقال بدوره: ونحن في بداية شهر شعبان لا بد أن نحضّر أنفسنا استعداداً لاستقبال شهر رمضان من خلال تبييت النيّة حيث قال عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيّات. فأنت أيها المؤمن ما الذي تفكّر به وتريده وتنويه في شهر رمضان، ما الذي تنوي أن تكون عليه في رمضان من الآن حتى قدومه؟.. ما الذي تتصوّره في ليلك ونهارك؟... ما البرنامج العبادي الذي ستقيمه وتحافظ وتواظب عليه في شهر رمضان؟... هل تفكّر بالطعام والشراب والنوم.. أم انك تفكّر بتدبّر القرآن وفهمه والمواظبة على دروس العلم..!؟

وقال: وهناك نقطة أخرى مهمة في شهر شعبان، كثرة التوبة والاستغفار وكذلك في شهر رمضان شهر الكرامات ومن أعظم الكرامات هو أن يوفّقك الله ويعتقك، وعلينا أيضا الإكثار من الدعاء، وأن تكون نفوسنا وقلوبنا بعيدة عن الحقد والضغينة لكي يتقبّل الله عملنا، وعلينا أن نحذر من مصاحبة الكسالى الذين يقضون أيامهم في غفلة وتمضية الأوقات، فمهمّ أن نعرف قدر هذا الموسم - قدر رمضان، عند ذلك نجتهد في قراءة القرآن وفعل الخير، ففي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، علينا أن نحضّر أنفسنا في شهر رمضان على إيداء صلوات الجماعة في أوقاتها وقراءة الأوراد والقرآن، فبذلك يكون زادنا كبيرا في شهر رمضان..

وأضاف: علينا أن نعلم أن أيام وليالي رمضان هي نفحات الخير ونسائم الرحمة والرضوان فما أجملها من أيام معطّرة بالذكر والطاعة وقراءة القرآن وأنفاس الصائمين وأيادي الخيّرين وابتهالات المتضرّعين والعائدين الى الله رب العالمين، وهو المنحة الربّانية والهبة الإلهية كيف لا والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان}، فسيأتي رمضان هذا العام وتشتدّ فيه الأزمات الاقتصادية وتزداد الأعباء المالية على الناس في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة وانعدام فرص العمل وقلّة الاستفادة من المدخّرات الموجودة في المصارف، وهنا دعوة لكل الميسورين والتجار لاغتنام فرص الخير في شهر الرحمة والخير من خلال التكافل الاجتماعي والتراحم الإنساني من حيث يقول سبحانه وتعالى {وتعاونوا على البرّ والتقوى} ومن أفضل الصدقات صدقة القربة التي تعود على صاحبها بالأجر المضاعف كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم  وقال: [من فطّر صائما كان له مثل أجره غير انه لا ينقص من أجر الصائم شيئا]، وكما ذكر أيضا ان دينار سبق مئة ألف دينار بإخلاص صاحبه من الانفاق. فليكن شهر شعبان إنطلاقة روحانية إيمانية لاستقبال شهر رمضان المبارك.