بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 نيسان 2018 12:04ص الشيخ محمد عمر البربير بمناسبة المعراج الشريف

خطبة منبرية ألقاها يوم الجمعة في مسجد المجيدية

حجم الخط
أهدى اليّ الصديق محمد الشعار صاحب دار الحديث الكتّانية صورة عن مخطوطـــــة للشيخ محمد عمر البربير عبارة عن خطبة القاها في مسجد المجيدية في بيروت (لا تذكر المخطوطة  تاريخ الخطبة) مبرهناً فيها بالدلائل العقلية والنقلية على ثبوت إسراء ومعراج الرسول الأعظم بجسمه الشريف  صلى الله عليه وسلم .
رأيت من الفائدة نشرها بعد ذكر نبذة  من سيرة الشيخ البربير.
الشيخ محمد عمر البربير (ت 1350هـ 1940م  أديب وفقيه  بارع في الحساب والفلك نظم لأول مرة امساكية رمضانية  طبعت سنة  1903 ميلادية  بتصديق من مفتي بيروت في حينه الشيخ عبد الباسط الفاخـــــــــــوري  والده عمر البربير أحد تلامذة الشيخين محمد الحوت وعبد الله خالد ، والدته عنبرة بنت قاضي بيروت ومفتيها الشيخ أحمد الأغر وهو شقيق الشيخ محمود البربير والسيدة كلثم بربير والدة الرئيس صائب سلام وجدة الرئيس تمام سلام . برع محمد عمر البربير وتميّز بخط جميل يفوق خط إبن مقلة الخطاط العربي الشهير. ومن بقايا خطه  لوحة رخامية في مقام الإمام الأوزاعي خطها سنة 1320هـ. ولوحة رخامية خطها سنة 1318 هـ /1900م . تؤرخ إنشاء السبيل العثماني الذي كان يتوسط ساحة السور ونقل إلى حديقة الصنائع حيث يقبع حزيناً وقد جفت مآقيه. نشر محمد عمر البربير على نفقته سنة 1884م الكتاب الشهير للشيخ أحمد البربير المعروف بالشرح الجليّ على بيتي الموصلي. 
قال الشيخ محمد البربير «الحمد لله الذي حرص على الدين ووصّى وعلم كل بني وأحصى، وفضّل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم وأسرى به ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى.أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مــــــن لا يجد في إيمانه نقصا واشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أكرم به من نبي أدّى الأمانة وبالتقوى وصّى صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة لا تعدّ ولا تحصى وسلّم تسليماً .
أيها الناس إن الإسراء والمعراج الواقعين لنبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  هما من أكبر المعجزات وأظهر البراهين البيّنات وأقوى الحجج الواضحات وأصدق الأنباء وأعظم الآيات .
واتفق على وقوعهما حديثاً وقديماً واختلفوا في كيفيتهما تخصيصاً وتعميماً. فقال قوم وهم الأقلون كان ذلك خاصاً بروحه الشريفة بالرؤيا المنامية. وقال الأكثرون كان ذلك يقظة بروحه وذاته الجسميـــة، ولكل قول دليل يضعّفه فريق ويقويه قبيل .
والذي يفهم من الآيات التي رواها البخاري ومسلم أن الإسراء والمعراج وقعا له  صلى الله عليه وسلم  أولاً في المنام ثم حصلا له يقظة تحقيقاً لرؤياه التي رآها قبل أعوام  كما أنه رأى فتح مكة في نومه قبل عامين من فتحها المبين ونزل قوله تعالى {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخُلُنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} (الفتح 27) . فتخلص من هذا أن الإسراء والمعراج وقعا له مرتين مرة في المنام ومرة في اليقظة. وحققه كثير من المحدثين الحفظة. ومما يدل على حصول ذلك بروحه وجسمه المنير قوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} (الإسراء 1).
وتقرير الدليل ان لفظ سبحان معناه تنزيه  الله عن صفة العجز عن هذا الأمر العجيب، وهو متضمن أيضاً معنى التعجب أي تعجبوا من قدرة الله على هذا الأمر الغريب، ولو كان الإسراء مناماً لضاع معنى الإعجاب إذ الرؤيا المنامية لا تقتضي التعجب والاستغراب وإنما يحصل ذلك من الإسراء بالجسم في تلك الليلة القصيرة والمدة اليسيرة. ومن مقررات الدليل أيضاً قوله تعالى {أسرى بعبده} فإن لفظ العبد هو مجموع الروح والجسد كما يدل عليه قول الواحد الصمد {أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى} ( العلق 9-10) وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه – ولا شك ان المراد بالعبد هنا مجموع الروح والجسد .
وهو كذلك في قوله تعالى أسرى بعبده كما لا يشك بذلك أحد. ومن مقررات الدليل أيضاً قوله تعالى {لنريه في آياتنا أنه هو السميع البصير} فقد بيّن سبحانه وتعالى أن الغاية والحكمة الداعية للإسراء هو إرائة الله تعالى هذا النبي الآيات المخصوصة به التي ما شرف بها أحداً غيره من الأنبياء ، لو كانت رؤيا منامية لما كان فيها تشريف ولا كبير مزية .
وقال بعض أهل العلم إن سياق الضمائر يفيد أن الضمير في قوله تعالى {هو السميع البصير}   يعود الى النبي البشير النذير، وهو يدل أن الإسراء والمعراج كانا بجسمه وروحه دلالة قطعية إذ السميع البصير لا يوصف به صاحب الحالة المنامة.
ويدل على عروجه صلى الله عليه وسلم بجسمه الى السماوات قوله تعالى في هذه الآيات البينات {والنجم إذا هوى* ما ضلّ صاحبكم وما غوى* وما ينطبق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى* عّلمه شديد القوى* ذو مرّة فاستوى* وهو بالأفق الأعلى* ثم  دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى* فأوحى الى عبده ما أوحى* ما كذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على ما يرى* ولقد رآه  نزلة أخرى* عند سدرة المنتهى* عندها جنّة المأوى* إذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى* لقد رأى من آيات ربه الكبرى} (الإسراء من 1 الى 18).
وأي مزية  وأي مدح في نفي الزيغ عن بصر النائم مع أن الآية مسوقة للمدح وتعداد المزايا الحسان ويدل على ذلك قوله تعالى {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} (الإسراء 60) وهي رؤيا عين رآها ليلة الإسراء كما في البخاري عن إبن عباس وقد حصل للكفار إنكار واستبعاد حينما أخبرهم أنه أسري به وعرج به الى السماء، وافتتن وارتد بعض من كان اسلم من الضعفاء ، وما ذاك إلا لأنهم فهموا ان الإسراء والمعراج كان يقظة بالروح والجسم ما نقل ذلك الثقاة من أهل العلم ، ولو فهموا ان ذلك كان بالروح والنوم لما كان ما يوجب الاستبعاد والتكذيب واللوم، وقد برهن لهم  صلى الله عليه وسلم  على صدق رؤياه بوصف بيت المقدس ولم يكن سافر اليه ولا رآه وبأخبارهم عن عيرهم وحمولها وعيّن يوم مجيئها ودخولها كما روي ذلك بالأحاديث الصحيحة المجمع عليها والأخبار التي يطمئن القلب إليها من ذلك ما رواه البخاري ومسلم عمّن صلّت الملائكة عليه أنه قال لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلّى الله  لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر اليه وهذا دليل قوي الحجة لا يجادل به إلا من حاد عن المحجة. ثم من ينكر اسراءه ومعراجه   صلى الله عليه وسلم  في اليقظة والجسم يقول انه منافٍ للعقل ومغاير للفهم لأمور منها ان تلك الحركة السريعة اي ذهابه من مكة الى بيت المقدس ثم منه الى السماوات ثم عوده لمكة في بعض ليلة وبضع ساعات غير معقول المعنى ولا صحيح المبنى، ومنها ان صعوده الى السماوات موجب لانخراقها والتآمها وهو محال منافٍ لعقول الفلاسفة وأفهامها.
ومنها ان صعود الجسم الترابي الثقيل الى السماوات العلى غير معقول الدليل .
والجواب ان الحركة السريعة لهذا الحد ممكنة عقلاً وثابتة نقلاً وقد تقرر عند علماء الهيئة ان قرص الشمس أكبر من كرة الأرض بأكثر من مائة وستين مرة وإنا نشاهد طلوعه ، وغيابه يحصل بنحو دقيقتين وذرة. وقد دلّ القرآن الكريم على أن الذي عنده علم من الكتاب أحضر عرش بلقيس من أقصى اليمن الى أقصى الشام في مقدار لمح البصر وأن الريح كانت تسير بسليمان عليه السلام في الأوقات القليلة الى المواضع البعيدة الأثر وكذا القوة الكهربائية المستنبطة في هذا الزمان تنقل الأشياء في أسرع من لمح الطرف الى أقصى البلدان، كل ذلك دليل على أن إسراءه ومعراجه  صلى الله عليه وسلم  في وقت قصير أو ممكن عقلاً يطمئن به الضمير والمولى قادر على خلق قوة في بدن النبي  صلى الله عليه وسلم  او فيما حمل عليه تبلغه في زمن قليل الى المكان السائر اليه. وما قولهم ان صعوده صلى الله عليه وسلم موجب لانخراق السماوات والتآمها فلا مانع من ذلك لدى أصحاب البصائر وأفهامها لأنا نشاهد تلك الحالة في الماء المماثل في الجسمية للسماء والله يقول في كتابه الكريم  {فأوحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلُ فرقٍ كالطود العظيم} (الشعراء 63) وقال أيضاً وقوله لم يزل صواباً {وفتحت السماء فكانت أبوابا} (النبأ 19) أو قولهم ان الجسم الترابي الثقيل يتعذر صعوده الى السماء ويستحيل فالجواب لو كان ذلك صحيحاً لا يحتمل النقض لاستحال نزول الجسم الخفيف الروحاني الى الأرض وقد ثبت نزول الملائكة لها وهي أجسام نورانية روحية فلا يستحيل اذا صعود الأجسام الثقيلة الى السماوات العلية وانّا نشاهد بعض الحيوانات تعيش في البر كما تعيش في الماء الغزير، يخلق الله ما يشاء وهو على كل شيء قدير.
وحديث المعراج ثابت في صحيحي البخاري ومسلم فعليك بالإيمان والتصديق به أيها المسلم ففي الإيمان به إنارة للقلب وسلامة من وساوس الشيطان الرحيم وانه يهدي من يشاء الى صراط مستقيم، هدى الله قلوبنا وقلوبكم للتبصر بآياته ووفقنا وإياكم للتصديق بمعجزات الرسول وبيّناته. وجعلنا وإياكم من المتبعين شريعته المجتنبين منهياته واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين».

*محامٍ ومؤرخ