بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 كانون الثاني 2022 12:00ص الظّرْفُ في بلادي بين متناقضيْن

حجم الخط
الظريف - كما أراه أنا كإنسان مسلم - هو ذلك الإنسان الخلوق المرح، الذي يفرح بمجالسته الناس دون أن يكون في كلامه أو (ظرفه) خدش للحياء.. أو تجاوز للأخلاق.. أو إيحاءات رخيصة تتناقض مع الآداب العامة المتعارف عليها.

والظرف كما نعرفه ظرفان: ظرف محمود كما ذكرنا في بداية الكلام..

وظرف مذموم مرفوض يحمل في طيّاته العبارات الرذيلة والأمثلة البذيئة والمفردات المقيتة التي تخترق حدود الأدب الرفيع لتشوّه الأذان والمسامع بما لا يليق، وبكل أسف أقول هذا هو الظرف السائد في بلادي..؟!

أما الذي جعل الظرف المذموم يشيع في بلادنا، فلا شك أن الجهل وانحدار الفكر وانعدام الثقافة، وأيضا عدم الفهم الصحيح للدين هي أبرز الأسباب..

فالحالة الفكرية والثقافية السوداء التي خيّمت فوق سماء بلادي لفترة طويلة من الزمن قلبت الموازين، فجعلت المذموم محمودا والمحمود مذموما، ولذا أصبح اللسان معوجا، وباتت أمزجة الناس تميل الى الفساد، بل وإن أكثرهم لا يسعدون ولا يشعرون بالظرف إلا مع قبيح الكلام ورذيل العبارات.

وزاد الطين بلّة عمل وسائل الإعلام التي أيّدت هذا الاتجاه في مختلف برامجها، فجعلت من أصحاب اللسان البذيء (نجوما) تتهافت عليها القنوات، وتفتح لهم الشاشات، وتخصص لهم البرامج التي تمتد لساعات، فتجلب لهم مردودا كبيرا من الإعلانات، حتى أضحى الرأي العام في بلادي قابلا لتلك الانقلابات وراضيا بها، ثم تطوّر الأمر سوءا وفسادا فبات من لا يقبل بها متشدّدا.. رجعيا.. لا يمكن العيش معه..؟!

اختلال الموازين

ولما كانت القاعدة تخبرنا أن كل فعل له رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه - كما قال الأخ نيوتن - فقد أنشأ هذا التفلّت في مجال الظرف المذموم تفلّتا آخرا في مجال المبالغة في الجديّة عند الكثيرين، وخاصة الملتزمين منهم، فانقسم المجتمع إلى فسطاطين... الأول متفلّت نحو القبح تحت ستار الظرف، والثاني متفلّت نحو التجهّم تحت ستار التديّن...؟!

فكانت النتيجة (البشعة) أن استقرّ في أذهان كثير من الناس أن الدين حياة جافة وكئيبة ووجوه عابسة ومتجهمة وأفواه لا تعرف للابتسام طريقا، وأن المتديّن منعزل عن المجتمع، يتصنّع الجديّة ظنّاً منه  أنها من قبيل تقوى الله.. بينما غير المتديّن يعيش في ابتسام وسعادة ومرح مستمتعا بـ(الظرف المذموم القبيح).

ولكن...

لا أيها السادة من الجهتين، فالظرف ليس قبحا ولا بذاءة، وليس سوء اللسان أو فساد الأفكار أو فحش الكلام..

والتديّن ليس جديّة مبالغ بها.. بل الظرف أصل في ديننا وسنّة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يمازح أصحابه ويخالطهم وكان لا يواجه أحداً بشيء يكرهه، وكان دائم البشر وسهل الخُلُق وليّن الجانب كما كان من أضحك الناس وأطيبهم نفسا..

ونحن في بلادنا لا نريد أيا من النوعين المذكورين.. ولا نريد مدّعي الظرف وهم أقبح الناس قولا ولسانا.. ولا نريد ملتزمين يدعون الناس لليأس والإحباط والعبوس...؟!

نريد الحضارة الإنسانية التي دعا إليها الإسلام، والتي تتوافق مع الفطرة البشرية، فتميل بطبعها السليم إلى الظرف المحمود وإلى التبسّم وإلى لين الكلام وطرفة الحديث.

نريد المفهوم الصحيح للدين الذي يرغب الناس ويحببهم بالالتزام ولا يشعرهم بعزلة وانطوائية.

والواجب على الجميع دون إستثناء أن يعملوا معا لإزالة القبح من ميدان الحياة، ولمحو البذاءة من مسامع الناس وإن كانت تحت ستار الظرف، وفي الوقت عينه لتصحيح مفهوم الظرف عندهم وأنه جزء أصيل من الدين الذي أتى لينظم حياة الناس ويسعدها، لا ليقودها إلى الشقاء في المشاعر والأحاسيس ومختلف مجالاتها واتجاهاتها.

أيها السادة من الطرفين المتناقضين...

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)..

ويقول أيضا: (تبسّمك في وجه أخيك صدقة)..