بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 كانون الأول 2019 12:04ص العُلماء للتجّار في لبنان: في الأزمات تظهر معادن الرجال

فلا تكونوا خائنين لأوطانكم وشعوبكم

حجم الخط
ما من أحد في هذه الأيام ينكر موجة الاحتكار التي يتعرّض لها اللبنانيون منذ إندلاع الثورة..

فالعديد من التجار استغلّ الأزمة الداخلية والأوضاع وراح يغلّي أسعار المواد الغذائية، وأدّى بالبعض إلى استغلال النّاس ونفاد المواد الغذائية من الأسواق ليُعاد بيعها بأسعار مرتفعة..

وكيف لا ننسى أزمة البنزين التي احتكرتها بعض الشركات مما أدّى إلى إنقطاع المادة من الأسواق، وطوابير السيّارات متوقفة على محطات البنزين وغيرها من إرتفاع الدولار وإرتفاع الدواء وغيرها.. وغيرها... وكما هو معلوم ان المعاملات في الإسلام تجمع بين الثبات والتطوّر أو المرونة، فالربا والغش والاحتكار من الأمور التي حرّمها الإسلام وهي حرام إلى يوم القيامة في كل زمان وكل مكان مهما اختلفت الصور والأشكال، وليس لأحد أن يحلّ صورة مستحدثة أو شكلاً جديداً ما دام في جوهره يدخل تحت ما حرّمه الله سبحانه وتعالى.

فالاستغلال حرام...

الإحتكار حرام...

رفع الأسعار حرام...

ففي ظل الأزمة التي نعانيها: ما هو واجب التجار؟ وكيف عالج الإسلام هذه الظواهر لمنع استغلال الفقراء؟..

هذا ما سنعرضه في تحقيقنا التالي:

شحادة

{ بداية قال القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة بما ان هذه الأيام التي يمرُّ فيها لبنان من أصعب الأوقات السياسية والاقتصادية على حدّ سواء، من الملاحظ ان جميع السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، بما فيها المحروقات، شهد اللبنانيون والناس انها قد تبدّلت أسعارها ومنها ما اختفى عن الرفوف والأماكن التجارية وشوهد لفترات ثم يعود للظهور للبيع بأسعار مرتفعة ومختلفة. كما يفعل، على ما نرى، أصحاب محطات المحروقات حيث انهم يعمدون من فترة لأخرى لإقفال المحطات وعدم التوزيع إحتكاراً لمادة الفيول بأنواعها، والتلطّي بسعر الدولار والغلاء الحاصل كي يكون لهم مبرّرا أمام النّاس لاستغلالهم...

وأضاف: ونقيس على ذلك كافة المؤسسات التجارية فان تجارها وأصحابها يعمدون أيضاً إلى رفع الأسعار كالسلع والمواد التي يحتلونها من متاجرهم وهي كانت موجودة قبل الأزمة وكانت قد استوردت بسعر الصرف الرسمي المنخفض للدولار الأميركي، ويعودون إلى زيادتها بدون تحديد سقف لها، حوالى 30٪ ومنهم من يزيد 50٪ ومنهم من يزيد 100٪، ذلك ان هذا الأمر مرفوض في الشريعة الإسلامية وفي كل الشرائع الدينية والشرع السماوي حيث ان المبدأ في ديننا الحنيف هو أن نتعامل مع النّاس برأفة ورحمة وأن نؤدّي الأمانات إلى أهلها كما هي وأن نتعاون على البرّ والتقوى ولا نتعاون على الاثم والعدوان وأن نقيم القسط والميزان.

وتابع قائلاً: ولذلك كل ما يجري سواء كان على صعيد التجار للمواد الغذائية أو المحروقات في لبنان هو أمر مرفوض شرعاً وقانوناً، وننصح هؤلاء أن لا يكونوا طامعين بمال يخرج من صاحبه بلا رضى وبلا مسامحة لأنه يسمّى ابتزازا لهؤلاء النّاس وإستغلال  للأزمات التي تمرُّ بها جميع الطبقات، فان فترة الأزمات لا تطول، وبالتالي فان العمل على كسب الحرام بهذه الأزمات لا يؤدّي إلّا إلى المهالك، إذ قال سبحانه وتعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.

وما أتمنّاه وأنصح به التجار جميعاً على اختلاف وجهة تجاراتهم أن يعودوا إلى ضمائرهم وإلى دينهم وإلى مراعاة أبناء وطنهم وبالتحديد جيرانهم الذين تعوّدوا عليهم والذين أوصى بهم رسول الله  صلى الله عليه وسلم وشدّد على أن الجار هو أقرب من الأخ فما بال التجار اليوم بما يفعلون وما يسمعون من النّاس، وغضب النّاس ودعوات النّاس عليهم فهم بغنى عن هذه الأمور أن عادوا إلى دينهم وضميرهم وعملوا بشرع الله تعالى بالتعاطي بالأمانة بتجارتهم والتعالي عن الاستغلال والابتزاز لهؤلاء النّاس الضعفاء الذين لم يعد لهم سوى هذا البلد ليعيشوا به بكرامة وعزّة واستقرار.

واختتم حديثه داعياً الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بالرحمة والأمن والاستقرار وراحة البال على اللبنانيين جميعاً.

البابا

{ بدوره قال رئيس مركز الفاروق الإسلامي الشيخ أحمد البابا: ان من الوفاء الحق للمؤمن في زمن الأزمات والضائقة الاقتصادية أن يظهر مدى إيمانه فيبذل نفسه لكل النّاس ويحاول بشتى الوسائل أن يسدّ عذر المحتاجين من خلال تضحياته وبذله في منافع شتّى تدلّ على صدق إيمانه ووفائه لكل النّاس من يعرف ومن لا يعرف حتى يكون نافعاً لهم جميعاً، وكل فرد مطالب بأن يرجو للآخرين ما يرجوه لنفسه من خير، هذه بإيجاز قضية الوفاء للعباد من منظور الدين.

وأضاف: والإنسان في هذه الظروف يرسم حق الإخاء من تصرّفاته السديدة والرشيدة ولا يُمكن أن أتصوّر أن يحظى المؤمن بمكانة جليلة عند الله إلا بما يقوم به من دور عظيم في ما يؤدّيه من تماسك الحياة الاجتماعية وترشيد حالة العذر بشكل يتماشى النّاس فيه ويكون الجميع في رخاء.

وأضاف: ان الدين الذي قدّس حقوق الإنسان وجعل لها مكانة سامية يعتبر ان الأمانة أبلغ من كل ما يكون من فضائل ومكارم، وان من أعظم الأمانات المرجوّة من المؤمنين هو تحريم الاحتكار ومنع الإستئثار وأن يكون الجميع من مستويات لائقة عند الملمّات الصعبة، واللفتة الصادقة في رغبة المؤمنين في البذل والتضحية في هذه الظروف القاسية تدلّ على الإيمان المطلوب وعلى احترام كرامة الإنسان.

وتابع قائلاً: ان الظروف التي نمرُّ بها تعظّم محدودية الإنسان في هذه الأيام. فالتجار ذو مسؤولية كبيرة يرفعهم إلى التسامي في الدرجات العالية أمانتهم، فالنبي  صلى الله عليه وسلم قال «التاجر الصدوق الأمين مع النبي والصدّيقين والشهداء والصالحين» وأي إحتكار أو إستثمار أو غش يقترفه التاجر يبقيه بعيداً عن صفوف المؤمنين، فالنبي  صلى الله عليه وسلم قال «من غشّنا فليس منا»، وأما الموظف الذي يتبوأ منصبه ووظيفته لحمل مسؤوليته في هذه الأيام فالأمانة عنده تفوق كل الأوصاف والفضائل.

وأضاف: ان الذي يستغلّ حاجة النّاس للغش أو الرشوة أو الخيانة سفيهاً عند الله تعالى وهو عند الله من الضالين، فهذا الرسول الرحيم العظيم الذي لطالما إلتمس رحمة الله وكان مع النّاس بمنتهى الحلم يقف أمام الخيانة والغش والخديعة، كان لا حيلة له أبداً ونراه يواجه هؤلاء الآثمين بكل قوة وعزم وحزم، لأن الآثم في ذلك قد خان الله وخان الأمة وهو عند الله من الآثمين.

وتابع قائلاً: ان الرابطة بين الوظيفة والأمانة أو بين التجارة وأداء حقوق النّاس تبلغ من الإسلام قداسة عجيبة وتدخل في نطاق واجبات الدين تجاه المسلمين ولكل البشر أجمعين، فان من يفتح باباً خلفياً للخيانة والتفريط في الحقوق العامة أو في استغلال النّاس من خلال الاحتكار مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى بكل هذه الدناوة، ان استغلال النّاس عند ضعفهم أو حاجتهم فان الله سبحانه وتعالى سيحاسبهم حساباً شديداً وستكون حالة استغلالهم وتجاوزاتهم واحتكارهم عذاباً عظيماً يوم القيامة.

اللقيس

{ الشيخ غسان اللقيس إمام مدينة جبيل قال: ان ظاهرة الغلاء التي نعيشها اليوم نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية التي يمرُّ بها وطننا لهي ظاهرة مؤسفة جداً ومن الأمور المستهجنة التي يدفع ثمنها المواطن ويجد فيها المعاناة الكبيرة، وهذا ما يتنافى مع مبادئ القانون والدين والأخلاق، والله سبحانه وتعالى جعل النّاس على حالة يحتاج فيها بعضهم إلى بعض فليس كل فرد يملك كل شيء بل يملك بعضا ما يستغني عنه ويحتاج إلى بعض ما يستغني عنه الآخرون، ومن هنا كان البيع والشراء وتبادل السلع وسائر المعاملات حتى تستقيم الحياة ويسير أمر الإنتاج، موضحاً انه إذا دخل الاستغلال إلى البيع والشراء والتلاعب بالأسعار فان هذا يُسيء إلى التبادل في المنافع المطلوبة.

وتابع قائلاً: لذلك جاء الإسلام لكي يلبّي ضرورات المجتمع وحاجاته ويقيه من المستغلّين والجشعين، وأمر المسلم أن يتجنّب الاحتكار والتلاعب بالأسعار والظلم، فهذا من المحرّمات التي لا تجوز شرعاً.

وأضاف: كما يجب على أرباب السلع أن لا يستغلوا الأوضاع التي يعيشها البلد ويرفعوا أسعارهم بل يجب أن يمتنعوا عن هذا الفعل الأثيم لما فيه من أضرار بالآخرين وإساءة لعملية البيع والشراء، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.

واختتم قائلاً: على المسلم في بيعه وشرائه عليه أن يكون متحفّظاً ويجعل تقوى الله أمام عينيه فلا يأكل الحرام ولا يغش الناس ولا يستغلّ الظروف لتحقيق مكاسب مادية كبيرة، ولذلك يجب عليه أن لا يغالي في تسعير سلعه وبضاعته فوق ما يتفق عليه العرف، فلا يجوز لبائع أن يغالي في سلعته مغالاة فاحشة، فلنرحم بعضنا البعض لتحقيق المحبة والسلام والأمن.