بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آب 2019 12:04ص العُلماء للحجّاج بعد آداء العبادة: حافظوا على عهودكم... ولا تعودوا كما كنتم قبل الفريضة

ماذا بعد الحج؟ ماذا بعد الحج؟
حجم الخط
في الأيامِ القليلةِ الخاليةِ قضى الحجاجُ عبادةً من أعظم العبادات وقربةً من أعظم القربات، فلقد ودَّع المسلمون قبل أيام مناسبة عظيمة هي مناسبة الحج، وسعد الناس بأداء هذه الفريضة العظيمة، وهنا سؤال ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه:
ماذا بعد الحج؟!..
كيف هي حال العبد بعد هذه الفريضة؟!..
هل يعود الناس كما كانوا عليه قبل الحج؟! هل تغيّر سلوك المؤمن من سيئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن؟!..
بداية نقول ان الحج ميلاد جديد، فيجب على الحاج أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يجعل حجّه فرصة لتصحيح أعماله، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وإن من الخطأ أن يظن الإنسان أن مواسم الطاعات فرصة للتخفيف من الذنوب، ثم إذا ذهبت هذه المواسم وقع في غيرها من المخالفات، وتنتهي فترة إقباله على الله تعالى بإنتهاء هذه المواسم.
بل يجب أن يعلم المسلم أن مواسم الخير هي تحوّل كامل لواقع المسلم، من حياة الغفلة والإعراض عن الله إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله. وإن من إضلال الشيطان وخداع النفوس الأمّارة بالسوء أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه، ويعود إلى معاصيه.
فماذا يقول الدعاة والعلماء؟..  


قوزي
{ بداية قال الشيخ مازن قوزي، رئيس دائرة المساجد في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية: أنصح اخواني الحجاج انه بعدما منّ الله عليهم بمغفرة الذنوب ورجعوا كما ولدتهم أمهاتهم أن يحافظوا على حجّتهم وثوابها وأن يغيّروا بصحائف أعمالهم ما لا يرضي الله عزّ وجلّ.
فمن المعروف شرعاً أن غاية الحج هو إتمام الحاج ما هو واجب عليه من فرائض كالصلاة والصوم والزكاة بعد الشهادتين وهذه هي الأركان الخمسة للإسلام، ومن المتعارف عليه شرعاً ان الحاج عندما يؤدّي هذه المناسك كاملة وعلى وجه تام يكون قد أتمّ حجّه كما أمر الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز بقوله: {واتموا الحج والعمرة للّه}. وبالتالي فإنه عندما ينهى الحاج حجّه ويعود إلى بلده فإنه يعود كالصفحة البيضاء «كيوم ولدته أمه»، أي يغفر له الله ما تقدّم من ذنب وهذا أمر ثبت في الأحاديث الصحيحة والروايات التي تواترت عن النبي فإن للحاج العائد كرامة وإكرام لأنه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه، فعليه أن يقدّر ذلك مليّاً ويفكّر بما عليه من واجبات وفروض وإلتزامات وقضاء ديون وصلة رحم وعدم الأذى والبُعد عن الفتنة والنميمة والغيبة، وكل ما حرّمه الله عزّ وجلّ لأنه قد أكرم بطهارة من ذلك كله، وبالتالي فإن عاد إلى شيء منها فكأنه عاد إلى ما قبل الحج وهذا ما لا يجوز ويجهله الكثير من الناس الذين يقومون بفريضة الحج، وما نأسف منه ان هناك فريقاً كبيراً.
وأضاف: ندعو الله عزّ وجلّ أن يدرك ان هؤلاء الحجاج الذين أتمنى من الله أن يتقبّل حجّهم وصالح أعمالهم أن يعودوا إلى ديارهم سالمين طاهرين وأن يلتزموا بما أمر الله عزّ وجلّ ورسوله الكريم من إلتزام كامل للشريعة التي تتمثل بالأمانة والسلام والاعتدال وعدم الإقدام على الحرمات والشبهات وبذلك يحفظون حجّتهم وأجرها، وندعو الله أن يتقبّل منهم كل ذلك.
بيطار
{ أما الشيخ علي بيطار، إمام وخطيب مسجد الخضر، فقال: بعد أن قضى الحاج عبادة من أعظم العبادات وقُربة من أعظم القربات، وبعد أن عادوا إلى ديارهم كيوم ولدتهم أمهاتهم عليهم أن يجدّدوا عهدهم مع الله، وأن يستمروا في التقوى بعد الحج لقوله تعالى في سورة البقرة: {اتقوا الله الذي إليه تحشرون}.
وأضاف: فالحاج بعد عودته من الديار المقدّسة يكون قد فتح صفحة بيضاء في حياته نقيّة ولبس ثوباً طاهراً، وفي هذا كل التحذير من العودة إلى الأعمال المسيئة التي تبعد الحجاج عن طريق الإستقامة لله عزّ وجلّ، ولكي يبقى الحجاج على عهدهم مع الله ينبغي عليهم بذل جهود حثيثة حتى يستمروا في إتيان الطاعات والبُعد عن المحرّمات وفي سبيل ذلك يجتهد كل حاج حسب طاعته.
فعلى الحجاج بعد تأديتهم هذه الفريضة أن يجعلوا حجّهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وليكن حجّهم نافعاً لهم من المزالق وباعثاً لهم لمزيد من الخيرات وفعل الصالحات.. فما أجمل أن يعود الحجاج إلى أهلهم ووطنهم بالخلق الأكمل والوقار الرصين، ما أجمل أن يعودوا بحسن المعاملة وكريم المعاشرة وطهارة الفؤاد ناهجين منهج الحق والعدل والسداد، فإن من يعود بعد الحج بالصفات الجميلة والسمات الجليلة فهو حقاً من استفاد من حجّه ونال ثواب الجنة.
خطاب
{ بدوره قال الشيخ علي خطاب، إمام وخطيب مسجد عبد الرحمن بن عوف: دعوتي لكل الحجاج إن الله يناديكم بنداء الإيمان أن تستقيموا على شرعه، وتستجيبوا له ولرسوله، وتتّقوه حق تقاته، وتعبدوه حق عبادته في حياتكم إلى مماتكم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، فيا من أكرمكم الله بحج بيته ويا من وقفتم موقفًا تمنّى ملايين المسلمين أن يقفوه تذكّروا عظيم نعمة الله علينا حيث إنه مع كثرة ذنوبنا وعظيم خطايانا وزللنا يكرمنا الرحيم الرحمن بالوقوف بين يديه، أكرمنا بأن نستغفره ونستهديه، وأن يسّر لنا الحج ليغفر لنا ذنوبنا وخطايانا.
وتذكّروا كيف قابل المؤمن هذه النعمة الإلهية والمنحة الربانية إذ لا بد أن يكون شاكراً لربه منيباً إليه، وليس الشكر كما يتصوّره البعض بأنه الشكر اللساني فقط، لكنه في حقيقة الأمر هو الشكر القلبي، حيث يظل قلبك متعلقاً بخالقك، مستشعراً نعمته عليك، ومعه الشكر العملي، فتكون بعيداً عن كل ما يغضب المنعم عليك، قريباً من كل ما يحبه ويرضاه.
وأقول إلى كل حاج.. أنت الآن أمام فرصة ذهبية لا تقدّر بثمن والفطن هو الذي لا يدع الفرص تذهب من بين يديه هدراً فإنه يخشى أن لا تعود، فها أنت وقد حطّت عنك خطاياك التي كانت تعوقك عن فعل الخيرات وكانت تصدّك عن ذكر الله فأنت الآن أكثر قدرة على الإمساك بلجام نفسك والأخذ بها نحو الرضا الإلهي والجود الربّاني، فلا تتركها وشأنها بل احرص كل الحرص على أن تبقى كما عاهدت ربك مؤمنا سائرا على شرع الله وسنّة رسوله.