بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 كانون الأول 2021 12:01ص العام 2021... عام انشغال اللبنانيين بتوافه الأمور؟!

حجم الخط
علّمنا الإسلام الحنيف أن مرور الأيام والأشهر والسنوات على الإنسان تحمل في طيّاتها العِبَر والمواعظ التي لا بد لكل عاقل أن يتعلّم منها ما يكون فيه الخير في قادم أيامه، فقد قال الله تعالى: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك).

وفي سبيل ذلك ألّف السلف الصالح العديد والعديد من الكتب التي تبرز أهمية هذا الأمر ونقصد التعلّم من مرور الأيام... ومنهم ابن خلدون الذي وضع كتاباً سمّاه (كتاب العِبَر) بيَّن فيه أهمية النظر في تاريخ الأمم وضرورة النظر فيما مرَّ للأقوام السابقة بهدف الاعتبار والاتعاظ، وعدم تكرار أخطائها وسلبياتها.

ولكن في بلادنا الحزينة... فبكل أسف لم يتقن غالبية اللبنانيين هذه الحكمة، فأصرّوا على تضييع الجهود هباء، وتركوا الاتعاظ والتعلّم، ثم هجروا الاعتبار من مرور الأيام وتعاقب الأحداث، وصبّوا جلّ اهتمامهم على الانشغال بتوافه الأمور حتى نسوا أزماتهم ومعاناتهم، تماماً كما نسيهم المسؤولون عنهم منذ زمن بعيد..؟!

خلل ميزان الأولويات

ففي بلادي المسكينة... انشغل كثير من الشعب بخبر لاعب الكرة الفلاني الذي ترك فريقه وانضم إلى صفوف فريق آخر، واشتعلت المعارك بين المشجعين من الطرفين، ثم انهال بعضهم بالسباب لعدم وفائه، بينما رفع البعض الآخر رايات المباركة، ودخلوا في نقاشات.. فمعارك كلامية.. فشتائم وسباب... ونسوا أنهم جميعا ينامون بلا عشاء ولا كهرباء ولا ماء ولا دواء بسبب فساد الحكم والحاكمين..؟!

في بلادي المسكينة... ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن الفنانة التي تطلقت.. وتعاطفوا معها وروّجوا لحملات المساندة والدعم، حتى لا تشعر بالوحدة ولا تتفاقم أزمتها النفسية... وتناسوا أن شعبا بأكمله يعيش في أزمات نفسية منذ سنوات ولا أحد يبالي به أو يساعده...؟!

وفي بلادي المسكينة... اشتعلت منصات التواصل بخبر اعتزال الفنان العلاني، فمنهم من جعله قدوة.. ومنهم من حاربه... ولكل أدلّته (الفايسبوكية) العميقة التي يحاجج بها الطرف الآخر بهدف التغلّب عليه، وتركوا مناقشة مشاكلهم (المتلتلة) فوق رؤوسهم من مأكل ومشرب وملبس وطبابة..؟!

وهكذا حتى مرّ العام.. ولم نتعلّم... ولم نتعظ.. ولم نعتبر...

فازداد السوء سوءا... وتضاعفت آثار الفساد.. وتكاثرت أنواع المشاكل من حولنا.. ونحن كما نحن، نقيم المعارك (الوهمية) ونبرع في خوضها بهدف الحصول على بعض من المكاسب (الهوائية) التي لعلّها تنسيها فشل الواقع الذي نعيش فيه..؟!

نعم... نحن شعب بكل أسف.. لا نتعلّم وربما لا نريد أن نتعلّم.. وبدلا من أن نعمل في الليل والنهار بهدف تحقيق التغيير المنشود الذي نريده، يعمل الليل والنهار فينا ليرسّخ في نفوسنا خطيئة كبرى اسمها «الانشغال بتوافه الأمور»..؟!

وهذه «الفضيحة» ان دلّت فإنما تدلّ على أمر واحد وهو انقلاب ميزان الأولويات في نفوسنا وحياتنا وبلادنا، حتى بات المهم ثانويا.. والثانوي مهما.. وضاعت حياتنا بلا هدف في بلادنا المسكينة..؟!

خطيئة عامة

ولا أقصد بكلامي هذا تصويب التهمة نحو الشعب فقط.. ولكن خطيئة الانشغال بتوافه الأمور أصبحت خطيئة عامة، شملت في عباءة فسادها الحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، والإمام والمأموم.. فكادت أن تكون صفة لبنانية أصيلة..؟!

الغالبية في بلادي تترك عظائم الأمور... وتنشغل في سخيفها..؟!

الغالبية يهجرون الأهم... ويؤخذون بالتوافه..؟!

في السياسة وفي الاقتصاد وفي التربية وفي التعليم وفي الطبابة وفي الإعلام وفي الثقافة.. التافه هو السائد الذي شغل الناس..!؟

بل وأقول حتى في واقع الدعوة والدعاة في بلدي المسكين، تركنا كلّ هام وانشغلنا بفروع الفروع التي لا تقدّم ولا تؤخّر..؟!

تقوم الدنيا ولا تقعد على منابر الجمعة هجوما على شخص يعيش في بلاد (الماوماو) أساء للإسلام بكلمة أو بصورة، بينما لا نسمع كلمة واحدة عمن أساء إلى الدين وإلى الإنسانية وإلى الشعب وإلى الناس في بلادنا وهو من أبناء جلدتنا، بل على العكس تماما، نرسم حوله عشرات الخطوط الحمر، ونصف من ينتقده بأبشع صفات الخيانة والعمالة، ونصوّر عملية انتقاده هجوما مرفوضا على الطائفة كلها.

وهكذا حتى حقّ علينا قول الله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}، فأصحبنا في أدنى درجات الإنسانية بين سائر الشعوب والبشر من حولنا..؟!

أيها الشعب المسكين... في بلادي المسكينة.. لقد أخبرنا المولى تعالى في كتابه الكريم أن أي تغييرا يبتغيه الإنسان في حياته مهما كان، كبيرا أو صغيرا، لن يكون إلا من خلال تغيير النفس أولا، ولذلك قال {إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (ما حكّ جلدك مثل ظفرك)، فهل قلّم المسؤولون عبر سنوات طويلة أظافرنا حتى صرنا عاجزين حتى عن حكِّ جلودنا؟ أم أننا يا ترى أكلنا أظافرنا بأيدينا من كثرة الندم الذي تعوّدنا عليه.. وللأسف لم نتعلّم بعد..؟!





bahaasalam@yahoo.com