في الأيامِ القليلةِ الخاليةِ قضى الحجاجُ عبادةً من أعظم العبادات وقربةً من أعظم القربات، فلقد ودَّع المسلمون قبل أيام مناسبة عظيمة هي مناسبة الحج، وسعد الناس بأداء هذه الفريضة العظيمة، وهنا سؤال ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه:
ماذا بعد الحج؟!..
كيف هي حال العبد بعد هذه الفريضة؟!..
هل يعود الناس كما كانوا عليه قبل الحج؟! هل تغيّر سلوك المؤمن من سيئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن؟!..
بداية نقول ان الحج ميلاد جديد، فيجب على الحاج أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يجعل حجّه فرصة لتصحيح أعماله، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وإن من الخطأ أن يظن الإنسان أن مواسم الطاعات فرصة للتخفيف من الذنوب، ثم إذا ذهبت هذه المواسم وقع في غيرها من المخالفات، وتنتهي فترة إقباله على الله تعالى بإنتهاء هذه المواسم.
بل يجب أن يعلم المسلم أن مواسم الخير هي تحوّل كامل لواقع المسلم، من حياة الغفلة والإعراض عن الله إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله. وإن من إضلال الشيطان وخداع النفوس الأمّارة بالسوء أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه، ويعود إلى معاصيه.
فماذا يقول الدعاة؟..
القوزي
بداية قال الشيخ مازن القوزي، رئيس دائرة المساجد في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية: أنصح كل من رزقه الله أداء فريضة الحج هذا العام أن يحافظوا على حجّتهم وثوابها وأن يغيّروا بصحائف أعمالهم ما لا يرضي الله عزّ وجلّ، خاصة أنهم قد نالوا ما حرم منه الكثير والكثير من المسلمين بسبب انتشار الوباء في مختلف بلاد الأرض.
فمن المعروف شرعاً أن غاية الحج هو إتمام الحاج ما هو واجب عليه من فرائض كالصلاة والصوم والزكاة بعد الشهادتين وهذه هي الأركان الخمسة للإسلام، ومن المتعارف عليه شرعاً ان الحاج عندما يؤدّي هذه المناسك كاملة وعلى وجه تام يكون قد أتمّ حجّه كما أمر الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز بقوله: {واتموا الحج والعمرة للّه}. وبالتالي فإنه عندما ينهى الحاج حجّه ويعود إلى بلده فإنه يعود كالصفحة البيضاء «كيوم ولدته أمه»، أي يغفر له الله ما تقدّم من ذنبه، وهذا أمر ثبت في الأحاديث الصحيحة والروايات التي تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن للحاج العائد كرامة وإكرام لأنه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه، فعليه أن يقدّر ذلك مليّاً ويفكّر بما عليه من واجبات وفروض وإلتزامات وقضاء ديون وصلة رحم وعدم الأذى والبُعد عن الفتنة والنميمة والغيبة، وكل ما حرّمه الله عزّ وجلّ لأنه قد أكرم بطهارة من ذلك كله، وبالتالي فإن عاد إلى شيء منها فكأنه عاد إلى ما قبل الحج وهذا ما لا يجوز ويجهله الكثير من الناس الذين يقومون بفريضة الحج، وما نأسف منه ان هناك فريقاً كبيراً.
وأضاف: ندعو الله عزّ وجلّ أن يتقبّل حجّهم وصالح أعمالهم أن يعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين وطاهرين، وأن يلتزموا بما أمر الله عزّ وجلّ ورسوله الكريم من إلتزام كامل للشريعة التي تتمثل بالأمانة والسلام والاعتدال وعدم الإقدام على الحرمات والشبهات وبذلك يحفظون حجّتهم وأجرها، وندعو الله أن يتقبّل منهم كل ذلك وأن يزيل عنا وباء كورونا لنعود جميعا بفضله إلى زيارة بيته الحرام.
خطاب
أما الشيخ علي خطاب، إمام وخطيب مسجد عبد الرحمن بن عوف، فقال: بعد أن قضى الحاج عبادة من أعظم العبادات وقربة من أعظم القربات، وبعد أن عادوا إلى ديارهم كيوم ولدتهم أمهاتهم عليهم أن يجددوا عهدهم مع الله، وأن يستمروا في التقوى بعد الحج لقوله تعالى في سورة البقرة: {اتقوا الله الذي إليه تحشرون}.
وأضاف: فالحاج بعد عودته من الديار المقدسة يكون قد فتح صفحة بيضاء في حياته نقيّة ولبس ثوباً طاهراً، وفي هذا كل التحذير من العودة إلى الأعمال المسيئة التي تبعد الحجاج عن طريق الإستقامة للّه عزّ وجلّ، ولكي يبقى الحجاج على عهدهم مع الله ينبغي عليهم بذل جهود حثيثة حتى يستمروا في اتيان الطاعات والبُعد عن المحرمات وفي سبيل ذلك يجتهد كل حاج حسب طاعته.
فعلى الحجاج بعد تأديتهم هذه الفريضة أن يجعلوا حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً، وليكن حجهم نافعاً لهم من المزالق وباعثاً لهم لمزيد من الخيرات وفعل الصالحات.. فما أجمل أن يعود الحجاج إلى أهلهم ووطنهم بالخلق الأكمل والوقار الرصين، ما أجمل أن يعودوا بحسن المعاملة وكريم المعاشرة وطهارة الفؤاد ناهجين منهج الحق والعدل والسداد، فإن من يعود بعد الحج بالصفات الجميلة والسمات الجليلة فهو حقاً من استفاد من حجه ونال ثواب الجنة.
وقال: إن الحج نعمة من الله سبحانه وتعالى ومن رزقه الله الحج فقد رزقه فرصة الخروج من ذنوبه والعودة نظيفاً نقيّاً كيوم ولدته أمه، لهذا فعلى كل من حج هذا العام أن يحمد الله ويشكره على تلك النعمة العظيمة، حيث وفّقه الله تعالى لأداء هذه الفريضة العظيمة التي تهفو لها النفوس المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، وهكذا فقد اختار الله حجاج بيته الحرام بأن يسّر لهم الذهاب للأراضي المقدسة وإتمام طقوس الحج كاملة، والحاج عندما يشكر الله أن يسّر له الحج لا بد أن يصحب هذا الشكر بالحفاظ على الثواب الذي حصل عليه بأدائه الركن الأعظم، ولهذا فعليه أن يحفظ ثواب الحج من الضياع، ويلتزم الطاعة للّه تعالى، ويحرص على أداء كل أمور الدين والتماس الاستقامة طوال الوقت.
واختتم: إذا كان الحاج قد نجح في إتمام شعائر الحج من دون رفث ولا جدال، متحلّياً طوال فترة حجه بالأخلاق الفاضلة والحميدة، فعليه أن يستمر على ذلك إلى آخر يوم في حياته، بحيث يخالق الناس بالخلق الحسن، ويتذكّر دوماً أن الله أكرمه بالحج، وأن جزاء الحج المبرور هو الجنة إن شاء الله، فعليه ألا يشوّه حجه بأي عمل يخالف تعاليم الإسلام، فكما اتقى الله في حجه فليتق الله بعد رجوعه من حجه، ولتكن أعماله الصالحة بعد الحج خيراً منها قبل الحج، فالمسلم إذا كان بعد أدائه فريضة الحج على خير خلق وأحسن عمل وسيرة، فهذا الذي يُرجى له بتوفيق الله أن يقبل الله حجه، ونسأل الله تعالى أن يرفع عنا هذا الوباء وأن يكرمنا بزيارة بيته في العام المقبل إن شاء الله.