ان الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرُّ بها البلاد، أرخت بظلالها على جميع القطاعات، ووصلت الأمور إلى القطاع المصرفي الذي ما برح في عدم دفع الأموال إلى أصحابها المودعين، وإلى إصدار تعاميم فيها إجحاف بحقهم.
فكم من مودع أودع جنى عمره في المصارف لكي لا يحتاج إلی أحد، ووصل به الأمر، إلى انه «يشحد أمواله شحادة»..
وكم من مريض أمواله في المصارف وهو عاجز عن تلقّي العلاج المناسب والمكلف بسبب سياسة المصارف التي أهدرت أمواله!..
وكم من أسرة ادّخرت أموالها وجني عمرها في المصارف لتستطيع تعليم أبنائها وتربيتهم دون فقر أو عوز!..
وكم من أسرة هي تملك المال وتستطيع أن تعيش برخاء تعيش الفقر حالياً!..
فبين ليلة وضحاها وجد الجميع نفسه عاجزاً عن سحب ودائعه وجنى عمره بسبب سياسيين فاسدين وسياسة مصرفية ظالمة..
ولا نستطيع أن نلوم أي إنسان يطالب بحقه بأي وسيلة من الوسائل، فبالماضي كان يُقال «الروح مقابل المال» طالما انه ليس هناك من يسأل عن الشعب المظلوم ومعاناته في ظل ضياع أمواله من المصارف.. كيف هو التصرف الشرعي؟ وهل يُلام الإنسان إذا ما طالب بحقوقه؟...
هذا ما سنناقشه مع علمائنا في تحقيقنا التالي:
الكردي
بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي: ان ضياع أموال النّاس أو المواطنين في المصارف اللبنانية هي جريمة العصر ويتحمّل عبئها الدولة اللبنانية أولاً والمصرف المركزي والمصارف عامة، ولو كانت الدولة حريصة على أموال المواطنين التي هي جنى أعمالهم وعمرهم لكانت أصدرت قراراً من اليوم الأوّل للأزمة يحفظ أموال الناس وتيسير أمور معيشتهم من مال المودع بطريقة سلسة، وليس كما تفعل المصارف اليوم ومنذ ثلاث سنوات بصرف أموال الناس بثمن بخس وبطريقة يحصل المصرف من خلالها على ثلث أو ثلثي الأموال وبإصدار تعاميم تناسب مصالحهم، فكل هذه التعاميم التي أصدرها البنك المركزي هي لصالح البنوك وليست لمصلحة المواطن، وبالتالي من حق المواطن أن يلجأ للقضاء رغم العلل الموجودة في الجسم القضائي والذي أصبح أداة للسياسيين في هذا البلد، والحق الشرعي في هذا الموضوع ان للمواطن الحق الكامل من ماله لدى البنوك اللبنانية وبنفس القيمة والعملة التي أودع بها أمواله ووديعته.
وأضاف: وليس على النّاس ملامة في المطالبة بحقوقهم بأي طريقة مشروعة دون ضرر أو ضرار.
عودة
أما عضو مكتب القضاء الشرعي في مؤسسة العلّامة السيد محمد حسين فضل الله الشيخ ياسر عودة فقال: يجب أن نستعمل كل الوسائل المتاحة لإستعادة أموال النّاس من المصارف شرط أن لا تؤدي إلى العنف أو الأذى غير المشروع كالقتل وتكسير الممتلكات وغيرها.. هذا بعد اللجوء إلى القضاء لتحصيل الحقوق..
وأضاف: أما في بلد مثل لبنان تمّت فيه سرقة أموال المودعين من قبل عصابة منظّمة ومافيات الدولة والمصارف يختلف الأمر في التعاطي معهم في ظل غياب الدولة والقوانين والقضاء ولا يُلام الإنسان أبداً إذا ما طالب بحقوقه لأنه جنى عمره، في هكذا دولة تحتاج المسألة إلى ثورة عليها وتغيير السلطة، وأنا قلت سابقاً لا فرق عندي بين إسرائيل التي اغتصبت الأرض وبين هؤلاء الذين اغتصبوا حقوق وأموال المودعين.
وأضاف: على العلماء أن يقوموا بدورهم الحقيقي وهو الدفاع عن الحق وليس الدفاع عن الزعيم، وان غيابهم عن قضايا الناس واضح، فالمطلوب أن تقفوا مع النّاس من خلال قول كلمة الحق.
البابا
في حين قال رئيس مركز الفاروق الإسلامي الشيخ أحمد البابا: ان الإسلام يناصر الحق ويدعو دائما إلى رعاية حقوق النّاس وخصوصاً أولئك الذين يمرّون في ظروف قاسية، يحتاجون فيها إلى معونة من ودائعهم تقيهم قساوة الظروف، وان ما حصل في هذه البلاد من فقدان لودائع النّاس بل للاستيلاء على حقوقهم من قبل دولة منهوبة يعمّها الفساد وينخرها الغش والضلال.
وهذا مما دفع بعض المودعين إلى المطالبة بحقهم بغلو وربما بقسوة، وهذا بحسب ظروفهم التي يجب أن ينظر إليها باحترام وبتأنٍ، ان بعض النّاس بل ربما أكثرهم يمرّون اليوم بمرحلة من الخسائر الجسيمة التي أورثتها سوء التصرفات من المسؤولين ومن السلطة الحاكمة، أضف إليها سوء التصرف من المصارف التي كان يجب عليها أن تنظر إلى من تعطيهم أموال النّاس وهي تعلم يقينا بأن هذا المال سيصير منهوباً ومصيره إلى الزوال، وهذا ما حمّلها مسؤولية جسيمة، إضافة إلى مسؤولية السلطة الغاشمة التي استغلّت أموال المودعين واستولت عليها دون أن يكون للمودع رأي أو مشورة.
وأضاف: لذلك فان من يطالب بحقه في هذه الظروف لا يعتبر معتدياً إنما المعتدي هو من سلب أمواله وصيّره معدوماً فقيراً، ولربما مريضاً يحتاج إلى أمواله في هذه الظروف الصعبة، لذلك فإن مسؤولية هذه الأحوال التي وصل إليها المودعون تقع تحت طائلة العقوبة الزاجرة لمن يتوالى على الحكم من المسؤولين الفاسدين الذين أوصلوا البلاد إلى الإفلاس والمودعين إلى حالة من الانهيار العظيم.