بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تموز 2022 12:00ص العلماء عن يوم عرفة: يوم يُباهي الله بعباده الصالحين فلنجتهد ونعمل

حجم الخط
غدا يوم من الأيام المباركة التي أقسم الله بها في كتابه الخالد فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُود} حيث خصّه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم عن كل أيام السنة، اليوم الذي يعمُّ الله عباده بالرحمات، ويكفّر عنهم السيئات ويمحو عنهم الخطايا والزلّات ويعتقهم من النار... هو اليوم الذي يرى فيه إبليس صاغراً حقيراً، واليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ النعم على المسلمين، إنه يوم عرفة.
وما أدراك ما يوم عرفة؟! هذا اليوم العظيم الذي يتجلّى فيه العظيم جلّ جلاله على عباده فيباهي بهم ملائكته، فالعباد المجتمعون في الموقف مع ما فيهم من ذنوب ومع ما فيهم من خطايا يباهي بهم الكريم ملائكته، من كان يرجو عتقاً من النار فعليه بيوم عرفة أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وأنه يباهي بهم الملائكة فيقول ماذا أراد عبادي هؤلاء).
يوم عرفة يوم التجليّات والنفحات الإلهية، يوم العطاء والبذل والسخاء، هو اليوم الذي يقف فيه الناس على صعيد واحد مجرّدين من كل آصرة ورابطة إلا رابطة الإيمان والعقيدة، ينشدون لرب واحد ويناجون إلهاً واحداً، إله البشرية جميعاً. تتنزّل فيه سحائب الرحمات تنزّلا فتغمر أهل الموقف، فما أعظمه من موقف وما أبركها من ساعات تتصل فيها الأرض بالسماء، وللفضيل بن عياض كلمات بليغة في موقف يوم عرفة حيث نظر إلى بكاء الناس بعرفة فقال: أرايتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل واحد، فسألوه دانقاً أكان يردّهم؟ قيل لا، قال: والله للمغفرةُ عند الله عزّ وجلّ أهون من إجابة رَجُلٍ لهم بدانق.
الكردي
بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي: أجمع العلماء على أن صيام يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام جميعها بعد صيام رمضان؛ لما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (... صيامُ يومِ عرفةَ، أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعده).
فصيام يوم عرفة رفعة في درجات العباد عند الله سبحانه وتعالى، وبابٌ لتكثير حسناتهم، وتكفير سيّئاتهم، وقد ثبت في الحديث السابق أنّ صيامه يُكفِّر ذنوب سنة قبله وذنوب سنةٍ بعده، ويُقصد بذلك تكفير الصغائر من الأعمال السيئة دون الكبائر من الذنوب، وذلك التكفير مشروطٌ بترك الكبائر، قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً}.
أما صوم يوم عرفة للحاج فلا ينبغي للحاج في يوم عرفة الصيام، بل عليه أن يتفرّغ لعبادة الله بسائر الأعمال غير الصيام كالدعاء والذكر وقراءة القرآن، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (نَهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صومِ يومِ عرَفَةَ بعرَفَةَ)، وعن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (أنهُم شَكُّوا في صَوْم النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ عَرَفَة، فبُعِثَ إليهِ بقَدحٍ مِن لَبنٍ فَشَرِبَهُ)، فحتى يتيقّن الناس من صيام النبي أو إفطاره أثناء وقوفه بعرفة بعثوا له قدحاً من اللبن فشربه؛ مما يشير إلى أنّ الأولى للحاج عدم الانشغال بصيام يوم عرفة عن باقي العبادات حتى يبقى جسده قوياً على الطاعة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أكثر من ذلك فقالوا أنّ صيام يوم عرفة محرّمٌ على الحاج؛ بناءً على النهي الوارد في الحديث الأول إذ يدلُّ ذلك على التحريم، وكَرِهَ آخرون صيام يوم عرفة للحاج، وقد استحبَّ أبو حنيفة ومالك والشافعي وسفيان الثوري وجمهورٌ من الصحابة للحاج الإفطار في يوم عرفة.
وحض الشرع المطهر على الإكثار من أعمال الخير يوم عرفة من الأذكار والأدعية وتلاوة القرآن الكريم والاستغفار والتفرّغ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم «ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه - أي الأيام العشر - قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» - أخرجه البخاري - وكذلك من أبرز وأهم وأشهر القربات صوم يوم عرفة لغير الحاج.
وأجاز بعض أئمة العلم «التعريف»: اجتماع الناس في البلاد بعد عصر يوم عرفة والأخذ في الأدعية والأذكار إلى غروب الشمس كما يفعل أهل عرفة، وقال به أحمد وبعض الشافعية، ونسب إلي بعض السلف الصالح - رضي الله عنهم - فعله ابن عباس وعمرو بعد حديث من الصحابة، وكذلك يستحب التوسعة علي ذوي الحاجات والمساكين والفقراء وشتى أعمال الخير وصدق الله العظيم إذ قال {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}..
شحادة
أما القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة فقد قال: من فضائل يوم عرفة أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟».
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً».
أما من أحوال السلف بعرفة أن منهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء، فقد وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!
ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء، فقال عبدالله بن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إليّ، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.