بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2023 12:00ص العلماء في الذكرى 34 لاستشهاد المفتي الشيخ حسن خالد: كلما مرَّت الأيام تذكّرنا باستشهاده مدى الخسارة التي لحقت بنا وبالأمّة الإسلامية

حجم الخط
لم ينسَ المسلمون يوم السادس عشر من أيّار عام 1989 يوم امتدت يد الغدر لتغتال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد الرجل القوي في قول الحق دون مهاودة أو مساومة.
يوم السادس عشر من أيّار عام 1989 أي ما يقارب مرور 34 عاماً على اغتيال قامة دينية ووطنية وعلمية أعني به الشهيد سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد الذي نفتقده ونفتقد فيه العالِم ونفتقد فيه الإنسان الجامع، الإنسان الوطني الذي لم نشعر فيه إلّا حبّه لأمته ووطنه وللقضية الأم القضية الفلسطينية.
باغتيال المفتي الشهيد حسن خالد خسر لبنان والعالم العربي والإسلامي رجل المواقف النبيلة والجريئة... ووقوفه في وجه الظلم وحبّه ودفاعه عن وطنه لبنان وعيشه المشترك كانت ثمناً لدمائه النقيّة الطاهرة التي سالت على مقربة من دار الفتوى هذه الدار التي حرص على حمايتها وبذل جهداً كبيراً من أجل أن تكون بيتاً للطائفة السنية بشكل خاص وللطوائف الإسلامية بشكل عام.
ماذا يستذكر العلماء عن الشيخ الشهيد حسن خالد بعد مرور 34 عاماً على إغتياله؟... 
هذا ما سيجيب عنه تحقيقنا التالي:

الرفاعي

بداية، قال مفتي محافظة بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي ان الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، لكن يقبض العلماء فبقبضهم يقبض العلم، وكذلك حَفِظَت دماء الشهداء الكرامة والفضيلة والمروءة، أرست القواعد وأحيت المبادئ، ويمضي الشهيد وما تمضي فضائله كما مضى الفارس الخالد بدوي انفجار هزّ عاصمة الشرق وست الدنيا.
لئن غيّبوا جثمان خالد في الثرى
فما غيّبوا المجد الذي هو كاسبه
وتابع بالقول: إنها الذكرى الـ34 لاستشهاد المفتي الشيخ حسن خالد رحمه الله، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، وفي غسق ليل الوطن وقحطه ويُتمه نشتاق لرجالات ما نسيناهم فهم علّمونا بسمة الحق في وجه الردى، ستبقى الشهيد الكبير القدوة والمثال، والشهداءُ على سيرته يعلمون أن أمانته نادرة المثال، نبيل شجاع شهم وكريم، وإن كان لكل نصيب من اسمه فحسن هو وخالد والشهداء هم الخالدون.
ناداه الوطن فكان نعم المجيب، كسر كل قيد لعنصرية أو مذهبية أو طائفية، رأى أنه من موقعه لا يستطيع أن يكون إلّا الراعي المؤتمن، فما برح يقول «نحن الأم الرؤوم».
وأضاف: لن نبرح أيها الخالد نكتب فيك وعنك، وعمر الرجال لا يقاس بالسنين إنما بالتضحيات والمواقف والإنجازات، سنبقى مع من حملوا من بعدك الأمانة على العهد والوعد والميثاق، ونكرر ما قاله سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان في ذكراك: كنت وسنكون عهدا للمواطنين اللبنانيين بكل طوائفهم على الأمانة للوطن، والعمل المستدام ليكون بلد العيش المشترك وطنا نهائيا لجميع أبنائه، وهو حق وواجب عليهم ولهم.
واختتم: رحم الله شهيد الأمة والوطن، الوطن الذي أحبه واستشهد لأجله، قال الله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.

دلي

اعتبر مفتي حاصبيا ومرجعيون القاضي الشيخ حسن إسماعيل دلي أننا في العام الرابع والثلاثين من شهادة قامة وطنية وهامة من هامات لبنان والعالم العربي وكل العالم، وأعني به سماحة مفتى الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد والذي بشهادته هذه أثبت لكل إنسان وطني محبّا لبلده ان الحفاظ على كيان الوطن واجب على كل حر. استشهد سماحة المفتي الشيخ حسن خالد وروى بدمائه الذكية أرض الوطن في قلب عاصمته بيروت من أجل انه قال للظالم لا، وقال للقاتل لا أساوم على دماء الأبرياء، والذي قال للمستبد لن تنال منا، تصريح عبور للتنكيل بكل محب لوطنه.
وأضاف: لقد استشهد من أجل أن تبقى رؤوسنا مرفوعة وعدم الرضوخ للطغاة الحاقدين، وتم اغتيالك لأنهم خافوك وخافوا من دعوتك المسؤولين الى الرجوع الى ضمائرهم التى كانت بالية واحساسهم قد مات ولا حياة لمن تنادي، اغتالوك لانك صدحت بالحق وصمدت أمام كل التهديدات والمغريات ومنعت المتسلّطين من الهيمنة على مفاصل الوطن ووصلوا الى هدفهم باغتيالك فكان لهم ما أرادوا، ولكن كان ذلك الاغتيال بجسدك بينما بقيت مواقفك مضيئة كأشعة الشمس المشرقة على لبنان وأرجاء المعمورة، فكان الشرفاء الأوفياء يقتبسون من رؤيتك في كيفية بناء الأوطان وكيفية الحفاظ على عروبة لبنان، فكنت أمينا على القضية الفلسطينية وكان همّك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، غاب عن بال أولئك الأوغاد القتلة ان مبادئك وإيمانك بوجود لبنان لجميع أبنائه دون تمييز أو تمايز ولم يقرأوا اجتماعاتك المتكررة تحت قبة دار الفتوى مع المرجعيات الوطنية والدينية والاجتماع الشهير في عرينكم في دوحة عرمون ووضع خارطة طريق وقف الحرب ونهضة لبنان الذي أزعجتهم فأهدوك الشهادة بأشدّ أنواع المتفجرات ليتيقنوا من تسليم روحك الطاهرة فاختارك الله الى جنته باذن الله فقال تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} وكلما مرَّت الأيام كلما تذكّرنا مدى الخسارة التى لحقت بنا وبالأمة الإسلامية والوطنية والعالم بأسره وكذلك بمن سبقك من الشهداء وبمن لحق بك الذين ساروا على طريق الحرية والسيادة والاستقلال، فكًانوا شهداء. رحمك الله رحمة واسعة، وأنعم عليكم بجنة الخلد مع الأنبياء والصدّيقين والأولياء والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

عريمط

من جهته، قال القاضي الشيخ خلدون عريمط: قدرنا كمسلمين ومنذ ولادة دولة لبنان الكبير، أن نعيش حالات الشهادة والشهداء دائما وأبدا، والمتقدمين فينا سياسيا أو دينيا هم باستمرار مشروع شهادة؛ هكذا كنا وسنبقى حفاظا على الأرض والعقيدة والوجود؛ سقط منا الرؤساء والعلماء ورجال الفكر والسياسة والثقافة والاعلام على هذه الأرض الطيبة؛ ولم يبدّلوا تبديلا؛ وشاءت لي شخصيا إرادة الله تعالى، أن أكون بجانب المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد شاهدا ما زلت حيّا على بعض حالات الشهادة هذه، من المفتي الشهيد الخالد حسن خالد، الى الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وقبلهما العلّامة الشهيد صبحي الصالح، والوزير الشهيد ناظم القادري، والعالم الشهيد أحمد عساف، والمستشار الرئاسي الشهيد محمد شقير، والشهيد الحي الرئيس سليم الحص، والشهيد الحي المناضل إبراهيم قليلات؛ والكثير الكثير من الشهداء الذين سقطوا ليبقى لبنان وشعبه سيدا حرا عربيا مستقلا؛ وليس أخيرا كبير الشهداء الرئيس رفيق الحريري؛ وبعده الشهداء الأبرار النائب وليد عيدو مع ولده خالد، والوزير الألمعي محمد شطح، واللواء وسام الحسن، والرائد وسام عيد، ومن معهم وتبعهم من الشهداء، والذين ما زالوا أحياء، وهم على سجلات قيد الظالمين مشاريع شهادة في الزمان والمكان المناسب لهم؛ ذنبهم جميعا انهم مع وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، ومع سيادة وعروبة لبنان، ومع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف؛ وخطيئتهم انهم ضد المشروع الصهيوني دائما، ورافضين للمشروع الإيراني الفارسي بإستمرار؛ وحكما هم خارج تحالف الأقليات في هذا الشرق العربي والإسلامي؛ هذا التحالف المشبوه الذي يحظى برعاية ودعم صهيو/أميركي؛ وقبولا إيرانيا فارسيا تحت طاولة المفاوضات السرية، والبعيدة عن أضواء الصراعات العسكرية المبرمجة والممنهجة على الساحة اللبنانية وأحيانا العربية، لاستنزاف طاقات الرأي العام العربي بمسلميه ومسيحييه من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي، وما جاورهما من بلاد المسلمين.
أيها المفتي الشهيد الخالد، في ذكرى استشهادك الـ 34 ما زال لبنان جريحا ممزّقا مترهّلا، بين الكهوف المذهبية، والخنادق الطائفية اللعينة؛ وما زال ساحة لتبادل الرسائل الحارقة، وشعبه المكلوم المهجّر في وطنه، والغريب في بلده، والمهاجر الى بلاد الله الواسعة، ينزف دما ودموعا وبطالة وحرمانا ونفوذا لأصحاب المشاريع الحالمة؛ وما زال تجار السياسة وسماسرتها في وطنك لبنان، كما عهدتهم أيها المفتي الشهيد، يبيعون ويشترون، لكنهم ازدادوا فسادا وإفسادا ووقاحة وسرقات على المكشوف؛ وينتظرون إشارات من هنا وهناك لانتخاب رئيس، أو تشكيل حكومة أو اسقاطها لمصالح الآخرين.
أيها المفتي الشهيد الخالد، ما زلت حاضرا في وجدان وضمير اللبنانيين جميعا، وفي القمم الروحية الإسلامية - المسيحية الداعي لها لينهض لبنان من بين الركام، وفي المواقف الصلبة الرافضة لسلاح المليشيات، والسلاح المتفلت المنتهك لحرمات وأمن الناس؛ وما زلت دليلا ومرشدا لمضمون الثوابت الإسلامية العشرة التي أطلقتها من دار الفتوى عام 1983م لتؤكد فيها ان لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وانه عربى الهوى والجذور والانتماء، وان لا شرعية إلا شرعية الدولة اللبنانية ومؤسساتها الوطنية، وان العدوان والاحتلال الإسرائيلي الى زوال مهما أعطي من المال والسلاح.
أيها المفتي الشهيد الخالد، حسبك انك عشت وأنت بمقام الإفتاء حياة الصالحين الزاهدين الأقوياء، الورعين الأوفياء الصادقين؛ وانك من بقية السلف الصالح مع قلّة من مريديك، شجاعا في قول الحق والحقيقة، لا تخشى في الله لومة لائم، ولا ترهبك تهديدات وأصوات الظالمين، مهما كانت قوة بطشهم وجبروتهم، وانك كنت مع الناس الطيبين في بيروت وكل لبنان، تحمي ضعيفهم، وتغيث ملهوفهم، وتكرم كبيرهم وترعى صغيرهم، وتحتضن العلم والعلماء وتستقطب المميّزين منهم من كل مناطق لبنان في مقرك بدار الفتوى، وتستقبل الرؤساء والقادة والقوى السياسية محليا وعربيا وحتى دوليا؛ وأنت تصرّ وتؤكد على نهوض الدولة العادلة والقوية بمؤسساتها وشعبها وجيشها الوطني، وترفض بشدّة العناوين المناطقية والمذهبية والطائفية، ليبقى لبنان الوطن والمواطن، وعند الخوف عليك من شياطين الداخل وأعداء الخارج كنت تردد دائما أمام محبيك وفي مكتبك بدار الفتوى (نعم الحارس الأجلّ).

حداد

أما الشيخ الدكتور أسامة حداد، المفتش العام للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى فقال بدوره: في ذكرى استشهادك سيدي سماحة المفتي المربّي القائد الشيخ حسن خالد رحمك الله..
لن تغيب عن ذاكرتي عندما كنا نقف بين يديك طلاباً في أزهر عرمون عام 1979 وما بعده متشوّقين لسماع توجيهاتك الرصينة وتنفيذها.. ولن أنسى فضلك عليّ في تكوين شخصيتي.. وتشرّفتُ بتوقيع سماحتك على شهادة تخرّجي عام 1985.. ونال جبيني منك قبلة أبوّة لأني كنت أصغر الخرّيجين عمرا.. وشجعتني على الخطابة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.. لن تغيب عن ذاكرتي بمواقفك المشرّفة التي نشعر فيها بالعزّة والكرامة.. ولن تغيب عن ذاكرتنا بإدارتك وحزمك وحكمتك وهيبتك التي نعتز بها أينما ذكرنا اسم سماحتك.
وقال: وعلى سبيل المثال لا الحَصر.. ترجع بي ذاكرة الأيام الماضية.. أيام عز دار الفتوى والمسلمين.. عندما كانت الحرب الأهلية المشؤومة تفصل بين مناطق بيروت بين شرقية وغربية.. طلبتَ مني عبر الأوقاف أن أخطب في مسجد بيضون سنة 1987 بدلاً من إمام المسجد فضيلة الشيخ محمد العثماني بسبب مرضه.. ولكي أخطب هناك لا بد لي من عبور المعابر الفاصلة بين المنطقتين، فأعطيتني سماحتكم ورقة من دار الفتوى لتسهيل مرور سيارتي.. كان لهذه الورقة كامل الاحترام والتقدير عند الطرفين المتنازعين.. مما يظهر قيمة دار الفتوى لدى الجميع دون إستثناء..
كما أننا لا ننسى جولات سماحتك العالمية والعربية لتأمين المساعدات للأهالي الذين كانون يعانون من تلك الحرب المشؤومة.. وكنتَ مصدر ثقة الجميع.
سيدي صاحب السماحة، كثيرا ما كنت أشاهد جموع الناس من مسؤولين ومواطنين يأتون إلى دار الفتوى ليأخذوا توجيهاتك وينقلوا مواقفكم المشرّفة في جميع قضايا الوطن والأمة.