بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 نيسان 2019 12:34ص العلماء في ليلة النصف من شعبان: ليكن تحوّلنا إلى صراط الله المستقيم... حتى ننعم بما وعدنا به

حجم الخط
في شهر شعبان... جعل لنا الله هدية عظيمة الثواب، ألا وهي ليلة النصف من شعبان، وهي ليلة الخامس عشر، أي الليلة التي تسبق يوم 15 شعبان، وتبدأ من بعد صلاة المغرب، وحتى دخول صلاة فجر اليوم التالي..
ولهذه الليلة أهمية خاصّة حيث تمَّ فيها، على ما ذكره البعض، تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام بمكة المكرمة..
فكيف يجتهد المسلم فيها؟..
وكيف نستعدّ أيضا من خلالها لاستقبال شهر رمضان المبارك؟... 
وماذا يقول العلماء في هذه الليلة..؟!
دلي
{ المفتي الشيخ حسن دلي قال بداية: تطلُّ علينا ليلة من الليالي المباركه وعلينا أن نتلمّس نفحاتها لانها ليلة لها أهمية خاصة في الإسلام لانه تم تحويل القبلة من بيت المقدس الى البيت الحرام بمكة المكرمة بالعام الثاني من الهجرة وكان النبي # صلّى باتجاه بيت المقدس، وورد في بيان فضلها وأهميتها أحاديث ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله #: يطلع ربنا ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويترك أهل الحقد.
فينبغي على المسلم أن يحرص على الطاعة في هذه الليلة بقيامها والتخلّي عن الشرك، أكبره وأصغره، والصفح عن اخوانه حتى ينال هذا الفضل..
وأضاف: انه شهر ترفع فيها الأعمال الى الله وكان النبي # يكثر الصوم في شهر شعبان،  قال # (فان ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم).
وهذا شهر تحقق فيه حنين النبي # الى أن تكون قبلة المسلمين بيت الله الحرام..
وشهر يسبق شهر الخير شهر القرآن لنشمّر السواعد في استقبال شهر رمضان المبارك.
كم نحن بحاجة في هذه الأيام لنعمل وندعو الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن هذه الأمة مما هي فيه من تآمر واعتداء ومحاربتها بشتى الوسائل سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو عبر التكنولوجيا في هذا العصر الذي خرّبت العقول والبيوت والتي تسمّى بوسائل التواصل الاجتماعي وأنا أسمّيها وسائل  الهدم الاجتماعي.
كم نحن بحاجة الى أن نقف وقفة مع ذاتنا.. مع ديننا... مع كتاب ربنا، وكم نحن بحاجة الى العودة الى الله بصدق بالعمل لا بالقول..
واختتم قائلا: نحن جميعا مدعوون في هذه الأيام الى التوبة الصادقة لنجتاز هذا الامتحان الإلهي الذي نحن فيه وكل ذلك نتيجته بُعدنا عن أسس الدين، لقد اجتاز المسلمون في عهد النبي # ما كان امتحان إلهي لهم وبذلك نالوا شهادة الله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، وكان ذلك التحوّل تحوّل القبلة إيذانا بنهاية الشرك وسقوط رايته وليكن تحوّلنا الى الله تحوّل الى صراط الله المستقيم لتعود إلينا مقدساتنا السليبة ولينصرنا على عدوّنا وتعود إلينا فلسطين الحبيبة الذي تضم الأقصى وبيت المقدس.
حجازي
{ أما الشيخ د. وفيق حجازي فقال: إن شهر شعبان من الأشهر التي لها منزلة في الإسلام وحثّ النبي على اغتنام أوقاته كذلك لأنه شهرُ تشعّبِ الخيرِ وطرقِه فيه، بيد أنه شهر رفع الأعمال فيه على الله تعالى، وهو شهر القرّاء للقرآن استعدادا لرمضان، فضلا عن أنه شهر الصيام النفل، فقد حثَّ النبي # على صيامه، وكان يصومه كله أو إلا قليلا، وأخبر النبي # عن علّة ذلك بأنه «شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى الله وأحب أن يرفع عملي فيه وأنا صائم»، وفي هذا الشهر العظيم وفي ليلة النصف منه والتي تسمّى بليلة الرحمة، وليلة الإجابة، وليلة الغفران، وليلة القسمة، وليلة التقدير والحياة، وليلة البراءة، والليلة المباركة جرت حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، والتي تعتبر تحوّلا جذريا في حياة الأمة وحدّا فاصلا في تاريخها، إذ أظهرت معالم قيادة النبي # للعالمين، وأبانت تمايز الأمَّة المسلِمة عن غيرها في كلِّ شيء في التصوُّر والاعتقاد والرِّسالة، والتشريع والمنهج، والأخلاق والسلوك؛ ليؤكد هذا الحدث للأمة أنه بقدر اعتزازها وتمسّكها بدينها بقدر تألّقها وريادتها للعالم، والعكس بالعكس، لذا حذّر النبي # الأمة من الضعف والهوان فقال # «لتَتبعُنَّ سَنَنَ مَن كان قبلكم شِبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراع؛ حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه»، وكأن هذا الحديث يصوّر واقعنا المعايش بما فيه من صنوف ضعف وهوان وعلى جميع المستويات.
ومن هنا كان حدث تحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان بعد ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا من الصلاة لبيت المقدس، والتي أعتقد اليهود أن توجّه النبي لبيت المقدس إنما هو تبعية لهم فكان البيان الإلهي أن أمة الإسلام هي أمة القيادة للعالمين فكان الأمر بالتوجّه للكعبة المشرّفة ليؤكد رفض الإسلام لكل مظاهر الغلو والتنطع والافتئات على الله، وليدلل ومن خلال التوجه للكعبة المشرّفة أن الإسلام دين الوسطية، مصداقا لقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، والوسطية التي تعني الأعدل في كل الأمور والتي تعتبر العمل بخير الخيّرين ودفع شر الشريرين وليس الذوبان بالآخر على حساب الدين في قيمه وأخلاقه فضلا عن أساس المعتقد فيه، لذلك كانت المحطة المفصلية الظاهرية في تحويل القبلة بيانا لوجوب تحوّل القلوب من التعلّق بالأشخاص للتعلّق بالله تعالى القائل جلّ جلاله {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، ولذا اعتبر أن ليلة النصف من شعبان هي الإنطلاقة المفصلية للتحوّل الداخلي تطهيرا للقلوب التي تظهر ثمراتها على الجوارح والأبدان، فإِنَّ {اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، ولأن طهارة القلب وصفاءه هي المنطلق السليم لمغرفة الذنب، لذلك وبعد تحمّل النبي من قومه ومن اليهود الأذيّة والافتراء وثباته الراسخ في مواجهة الافتئات بصلاته لبيت المقدس مدة من الزمن كانت رغبته عليه الصلاة والسلام بالتوجّه للكعبة المشرفة وهو الذي كان رافضا بالكليّة أذية المشركين وواثقا باستجابة الله لرغبته بكرم الله تعالى فكان ذلك التحّول الجسدي والثبات القلبي بيانا لعظمة التوجيه وجلالية المشهدية التي أبانت للعالم كله أن الإسلام دين عزّة وكرامة، يريد من أبنائه الاعتزاز بالدين والتميّز في كل مفاصل حياتهم مع محافظة على الثوابت الدينية ومجاراة للمتغيّرات بما لا يخرج عن أصول الدين، ولا يقوقع الإنسان في العصبية المقيتة والتبعية العمياء، بل أن يكون المسلم ذا شخصية مستقلة متألّقة، تظهر الإسلام واقعا معايشا لا شعارا مجرّدا، ولذلك لا يليق بالأمة أن تنسى معالم عزّتها، ومجريات التحوّل والإكرام الذي حدث ليلة النصف من شعبان لتبني عليها ذلك المجد التليد ولا تضيّعه بيديها فضلا عن انها لا تلهث وراء الغير مقلّدة إياه في كل شيء، وأن تقرأ تاريخها لا تتمرّد عليه، لأن التاريخ الإسلامي عظيم، يكفي أنه هو من رسول الله وهو مشرق كله وعظيم كذلك، وسطّر القرآن بعد الأمر بالتوجّه للكعبة المشرفة أن هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، هي أمة وسط تشهد على من سبقها من الأمم، فهي متفرّدة في قبلتها، تُتْبَع ولا تَتْبِع، تقود ولا تقاد، تعلو ولا يعلى عليها، وذلك كله منحة ربانية كي تزداد بها ثقة المسلمين بشريعتهم الغرّاء، ومنهجهم القويم، فلا يضرّهم مقالات السفهاء وادعاءات الحاقدين، ولا تحليلات الناقمين، والطاعنين والمرجفين وبالإسلام مشككين.
وقال: لذلك حثّ العلماء على اغتنام ليلة النصف من شعبان، فالإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: بَلَغَنَا أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ: لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَأَوَّلِ رَجَبٍ، وَنِصْفِ شَعْبَانَ، فينبغي للمؤمن أن يتفرّغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب، وستر العيوب، وتفريج الكروب، وأن يقدم على ذلك التوبة؛ فإن الله تعالى يتوب فيها على من تاب، ولله نفحات يفيض بها على من تعرّض لها، فضلا عن سلامة القلب والصدر لأن رحمات الله تعالى تنال بسخاء النفوس وسلامة الصدور مع الالتزام بحدود الله تعالى، وشعبان الذي هو شهر القرّاء للقرآن هو بالنسبة لرمضان شهر سقي الزرع الذي تم في رجب ليحصد ما زرع وسقى في رمضان.