تفتقر مجتمعاتنا الإسلامية إلى سمة الصدق في التعامل بين البشر مع بعضهم البعض، وبني البشر والمسؤولين من ناحية أخرى، وهذا ما اوصل مجتمعاتنا إلى حافة الضياع والأنهيار...
فالصدق في التعامل مع الآخرين هو أهم قواعد العلاقات الإنسانية على الإطلاق، ولعل هذا هو السر وراء تركيز رسول الله محمّد صلى الله عليه وسلم عليه وضرورة التمسك به وتعلق الكثير من أمور الحياة به...
فالصدق مع الآخرين طريق الجنة وبنتيجته الهداية للأعمال الصالحة في المجتمع، وهو صفة من صفات الدين الإسلامي لأنها تحقق العدالة والحق، وما وصلنا إليه اليوم في مجتمعاتنا هو لبعدنا عن تعاليم ديننا وتغلب المصلحة الشخصية على الأخلاق والدين... وطغيان المادية على التعامل بين أفراد البشر فقدنا الثقة والمصداقية في تعاملنا.
غندور
{ بداية قال القاضي الشيخ زكريا غندور: لقد أثبتت الأيام عدم جدية الكثير من المسلمين بادعائهم الإسلام وأصبح الإسلام شعاراً دون مضمون ومظهراً دون عقيدة، حتى ان الكثير مما كان يظهر بموقع الإسلام فعندما أتيحت له الفرصة للخروج من هذا المظهر إلى حقيقة اللادين، وابتلينا بالبلاء الأعظم في المجتمع الإسلامي عموماً، وما حل بامتنا من كوارث بعد ان هجرنا القرآن وتخلينا عن سبب وجودنا في الدنيا وقد خلقنا الله للعبادة فبعدنا عنها وأصبح الدين ادعاء دون مضمون وشعار دون عقيدة وتمزقت الصفوف فتشرذمت الأمة وأصبحت كل مجموعة تدعي لنفسها الإسلام وانه ليس من مسلمين سواها، فأصابنا ما اصابنا من سقوط وضياع حتى أصبحنا مللاً وشيعاً {وكل حزب بما لديهم فرحون}، كلهم يدعي الإسلام والاسلام منهم جميعاً براء، لأن الإسلام ما لم يكن حقيقة كان هباءً لذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تتداعي عليكم الأمم كما تتداعى الاكله على قصعتها قالوا أو من قلة نحن يا رسول الله قال لا بل كثر ولكنه غثاء كغثاء السيل». فلقد ضاعت المصداقية بين النّاس بعضهم البعض، وضاعت المحبة والاخاء.
لذلك ما احوجنا اليوم إلى دعاة مسلمين حقاً ومسلمين ملتزمين للدين حقاً نستعيد وجودنا كمسلمين وتستعيد أمتنا كرامتها وكيانها وقرارها ووجودها واليوم نفقد كل ذلك لأننا اضعنا أساس وجودنا، وهو ديننا وقرآننا.
شحادة
{ اما القاضي حسن الحاج شحادة فقال: ما نشهده اليوم ومنذ عدّة سنوات حتى ان ما يوجد بين النّاس من تعاون وتعامل لم يعد كما كان بين الأسلاف، حيث اختلفت الأنفس وتهاوت نحو المصالح الخاصة والضيقة، ولا يقتصر ذلك بين النّاس كشعب ومواطن، إنما يتصل ذلك أيضاً بين الشعب والمسؤولين وهذا ما شهدته الساحة العربية بشكل كامل واللبنانية بشكل خاص من انقسامات وتغيير في الخيارات، فانعدمت الثقة وهذا أولاً لمخالفة البعض وليس الجميع لشرعنا الحنيف سواء في الأرضية الشعبية أو من المسؤول الذي تكلمنا عنه مما يجعل تصرف هذا الشخص يخضع لاهوائه ومصالحه الخاصة وان كانت مخالفة للشرائع والقوانين التي من الواجب اتباعها.
واضاف: فعندما نجد ان الوفاء بين بعض النّاس قد قلّ وندر وهذا لن يأتي صدفة بل هي من انعدام الثقة للآخرين الذين قطعوا على أنفسهم عهوداً ووعوداً لاصدقائهم واقاربهم ورعيتهم ولم تنفذ هذه الوعود كما وعدوا، لذلك دبّ اليأس وأصبح هناك عدم ثقة بين الجهات كافة، والرسول عليه الصلاة والسلام حذر من هذه التصرفات وهذه الانحرافات وشدّد على حسن النية والوفاء بالعهود ولا سيما قول الله عز وجل {اوفوا بالعهود}.
وقوله أيضاً {يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} لأن حصول هذا الأمر وعدم الايفاء والوفاء، ربما يكون والارجح هو ناتج عن من يتولى الغيبة والنميمة بين من يقع عليه الظلم تراه يفقد الوفاء والثقة تجاه ظالمه ومن حوله وهذا ما هو حاصل اليوم ان المصالح قد غلبت على النّاس لأننا اناس نتبع ديننا فلا يُمكن فيه للمصلحة ان تتقدّم على العبادة والوفاء بالعهد عنا امتثالاً لاوامر رب العالمين.
واختم قائلاً: اتمنى واعتبر ذلك فرصة ان اوجه بهذه المناسبة النصيحة للاخوة في أي مكان أو بقاع كانوا ان يعودوا إلى ضمائرهم وإلى أصولهم وإلى إيمانهم الصحيح الذي تربوا عليه وعايشوه مع من سلف من الصالحين كي نصحح مسار الحياة التي بدأت بالانهيار، ربما تعود الثقة بيننا وبين الآخرين وبين النّاس بعضهم البعض وبين المسؤولين لأن الرعية إذا فسدت فهي مسؤولية الراعي وإذا صلحت فهي بفضل هذا الراعي.
ونتمنى على دعاة المسلمين من أي طائفة كانوا ان يكونوا صادقين مع أنفسهم صريحين مع شعوبهم وسيجدون الاختلاف في التعاطي والتحسن في التعامل واعتقد ان هذا هو خلاص لبنان لأن ما نعيشه اليوم هو ما أوصل لبنان إلى حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والإداري أيضاً، ونسأل الله السلام من كل سوء سواء للمسؤول ولرعيته.
البابا
{ في حين قال رئيس مركز الفاروق الإسلامي الشيخ أحمد البابا: المصداقية هي قمّة الثقة والمشاركة الخالصة بين النّاس وهي تدل على أعلى مستوى رفيع من النبل والتفاهم والايثار والمصداقية ليست اتفاقاً تجارياً بين اثنين بل هي ميثاق يجري بين البشر يدل على مستوى رفيع من فقه صدق التعاطي بين النّاس فعندما يتزود الإنسان بالفضائل والمصداقية ويكون فيها الوثوق بكل كلام وأفعاله، ومنهجه وسلوكه نجد ان قلوب النّاس تتسع لترحب به محباً محبوباً فيجد ايلافهم جميعاً.
ان الصداقة ربما تكون لمن تعرف ولمن لا تعرف اما المصداقية فهي لا تكون إلا للصادقين في المحبة الذين يُمكن الوثوق بهم والاستناد بطمأنينة وسلام إلى صدق افعالهم في حل مشكلات النّاس فهم يتربعون على عرش القلوب برابطة ذاتية ملؤها المحبة.
واضاف: ان تدهور المصداقية في هذا الزمان هو زلزال واعصار يدعو إلى الأسى حيث يكون، فحين تضطرب القلوب الواجفة نجد ان المصداقية ضائعة وان الصداقة غائبة، فالمصداقية والخلق الكريم توأمان متلازمان فكلما ازداد خلق الإنسان ازداد الوثوق به وكلما تدهورت أخلاقه ضعف الوثوق به وماتت مصداقيته، فالصداقة والمعرفة لها تبعات وأول ما يجب مراعاته هو وضع قواعد الإحترام ما بين المتعاملين ولن يكون هناك احترام البتة لمن فقدت مصداقيته، وضعف كلامه الصادق وضاعت الأمانة فيه.
وأوضح ان الثقة لا يُمكن ان تنمو في مجتمع متدهور الأخلاق عديم الأذواق ولا يُمكن ان يكون هناك خلق قويم إلا بدين مستقيم فالأمر يبدأ بالدين والالتزام بشرع الله العظيم يجعل الإنسان على طريق الهداية، اما من فقد دينه قل خلقه وضعفت مصداقيته لذلك الأمر يحتاج إلى عودة إلى الله تعالى ففيها سر الهداية والسعادة والسلام والوئام.
ان الخلطة الذاتية مع العلماء ينجم عنها صدق التعامل والالتزام بالدين. العلماء ورثة الانبياء فهم الذين يصححون الزلات ويعاونون صاحبها على تقويم الذات ويساعدون صاحب الالتزام بالعمل الأجدر الذي يؤخره ليكون صادقاً في خطه وخطواته واقواله وافعاله، فصحبة العلماء صحبة فيها السعادة وفيها النجاح.
واختم قائلاً: ان الدعوة موجهة إلى كل المسلمين للعودة إلى الدين وللصلح مع رب العالمين والتزام خط أهل العلم الصادقين وحسن صحبتهم لكي نعرج بالمجتمع إلى كل ازدهار وتألق.