بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 تشرين الثاني 2022 12:00ص القصور في المسؤولية التربوية

حجم الخط
الشيخ الدكتور أحمد الحراسيس*

الأسرة هي أساس في بناء المجتمع، فهي الوعاء التربوي والثقافي الأول للأبناء، وهي البيئة الأولى للأطفال، والحجر الأساس للمجتمع، والأسرة تتكوّن من مجموعة من الأشخاص الذين تربطهم روابط الرَّحم والقرابة، وتعتبر الأسرة قوّة تماسُك المجتمع، ولها دور فعّال في بناء المجتمع السَّوي المتكامل والمُترابط الذي تسوده المحبة والمودة والتعاون والوحدة الوطنية والأمن المجتمعي.
وتبنى الأسرة على المودة والرحمة والسكن، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم:22].
ومن أهم التحديات التي تواجه الأسرة اليوم القصور في المسؤولية التربوية، والقصور إما أن يكون قصور جهل، وإما أن يكون قصور إهمال.
إن من المخاطر الأساسية التي تهدّد الأسرة هي عدم القيام بالمسؤولية التربوية للأبناء من قبل الوالدين، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم المسؤولية التربوية للأسرة مرتبطة بالأبناء من الصغر وقرنها بالأسباب الداعية إلى البر بالوالدين كما جاء في قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [سورة الإسراء:23-24].
وتظهر أهمية المسؤولية التربوية في الهدي النبوي في التربية الأسرية، فالرسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [متفق عليه].
فكل إنسان له أمور موكل بتدبيرها ورعايتها، والإحسان إليها، فالإنسان مسؤول أمام الله عن كل شيء، علماً أنّ قيامه بواجبه تجاه كل من هو تحت أمره يعود على الأمة بالخير الكثير، وعليه بالثواب الجزيل عند الله وحسابه يسير، وبالمقابل إن قصّر في واجبه ورعايته، وخان الأمانة الموكلة إليه فحسابه عند الله عسير، لما لذلك من أضرار على الأمة، لذلك يوجّه النبي محمد صلى الله عليه وسلم  أمته إلى وجوب قيامها بواجباتها على أكمل وجه، ويرشدها إلى مصالحها الدنيوية والدينية، ويردعها عن كل ما يضر بهم في دينهم ودنياهم.ذلك أن الطفل يولد صافي السريرة، سليم القلب، فعلينا تعليم أسرنا عقيدتها، وأن نسلّحها بسلاح التقوى، لتحقيق مجتمع أسمى وأمة أقوى.
فمسؤولية الرجل التي أشار إليها الحديث الشريف تتمثل بكونه مسؤولاً عن أهل بيته، وتتحقق مسؤوليته بتربيتهم، وتهذيبهم، وتعليمهم، وتقويمهم، الأمر الذي يتطلب منه إبعادهم عن مواطن الريب، وعليه أن يوفّر لهم كل ما يحتاجونه من طعام، وسكن، ولباس ومن غير إسراف أو تقتير، إضافةً إلى أنه يتوجب عليه أن يتفقّد أمورهم، وأن يتحرّى مصالحهم، وأن يقيم العدل بينهم، «إن الله تعالى سائل كل راعٍ عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته».
ومسؤولية المرأة التي أشار إليها الحديث الشريف تتمثل بمسؤوليتها في بيت زوجها، وتتحقق بخدمة زوجها ورعايته، وتربية أبنائها تربيةً صالحةً، مع ضرورة صبرها عليهم في الشدّة، وأن تدبر أمورهم، وأن تحفظ المال، وترعاه.
أساليب مطلوبة
ومن خلال الاستقصاء والنظر في أحوال الأسر يمكننا تلخيص الأساليب التربوية في الصور التالية:
1. التربية المتسلّطة وهي طريقة تقليدية في التربية يسيطر فيها الوالدان على شخصية الطفل بفرض أوامر وقواعد غير قابلة للنقاش، ويبالغون في التشديد علي أبنائهم لضبط سلوكهم. وذلك الأسلوب من التربية يجعل الطفل يفقد ثقته بنفسه معتمدا على والديه ولا يفكر ولكنه ينتظر موافقة الوالدين قبل أي خطوة. وقد تظهر فجوة بين الآباء والأبناء، وتظهر هذه المشكلة كلما تقدّم الأبناء في السن وتصبح لديهم رغبة في التخلص من سيطرة الوالدين والتفرّد بشخصية مستقلة بعيدة عن كل التوجيهات والأوامر.
2. التربية المتساهلة: هي طريقة سهلة في التعامل لا يصرّ فيها الآباء على قواعد وسلوكيات معينة، فتغيب الحدود والضوابط. وفي هذا النوع من التربية الكثير من الحريّة والقليل من الإرشاد والنظام. يؤثر هذا الأسلوب من التربية على الابن بأن يصبح غير طائع ومتمرّد، لا يضبطه أي قانون أو قواعد، يميل إلى الاندفاع وعندما يصبح في سن المراهقة يكون أكثر ميلا لتجارب مشينة مثل تناول المخدرات وغيرها.
3. التربية المتوازنة وتأثيرها على الطفل: في هذه الطريقة يتم دمج أفضل ما في التربية المتسلطة والتربية المتساهلة، وترك سلبياتهما. وهي طريقة تركّز على الطفل ونضوجه وتطور قدراته. وهي تعني دعم استقلال الطفل ولكن في حدود معقولة.
ولا بد من التنبيه على أن الزواج هو التزام يتطلب القدرة والكفاءة، وهنا لا نقصد الاستطاعة المادية فحسب إنما القدرة على الحفاظ على العلاقة الزوجية وإيجاد علاقة توازن وعطاء وحقوق وواجبات، وكل ذلك منبعه المسؤولية.
* من علماء الأردن