بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 أيلول 2018 09:26ص بعد اكتشاف آثار أموية في الموقع هل مقبرة المصلى هي... بقيع بيروت

حجم الخط
وما زالت أرض بيروت تبوح بأسرارها، ففي موقع سينما ريفولي أخيراً ظهرت المفاجأة من حفريات موقع متحف بيروت وهي عبارة عن ظهور بناء مؤلف من عدة غرف مبني على الطراز الأموي يمكن اعتباره من البيوت التي سكنها الصحابة والتابعون وتابعوهم من الذين نزلوا بيروت مجاهدين ومرابطين عند الفتح سنة 14 للهجرة كما ثبت أن أبا الأسود البيروتي سكن قبلة الجامع العمري القديم قد يكون مسكنه في البيت المكتشف. ودفن من توفي منهم في مقبرة قريبة من محل اقامتهم والمعروفة بالمصلى وذلك بجوار اول جامع بنوه في التل قرب القلعة عرف بالجامع العمري نسبة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو جامع البحر (ثم جامع الدباغة فجامع أبي بكر الصديق). وكانت تلك الحفريات في الموقع قد أشارت الى وجود مقبرة وظهور أحافير لرفات دفنوا في تلك البقعة التي كانت جزءاً من مدافن بيروت القديمة. فهل كانت تلك المقبرة التي عرفت بالمصلى والخارجة هي بقيع بيروت؟
اصل البقيع الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروب شتى وبه سمي بقيع الغرقد والغرقد كبار العوسج وهومقبرة أهل المدينة والأرومة هي الأصل للشجرة او للإنسان ومن دفن في بقيع بيروت هم من ارومة اوائل الذين نزلوا بيروت مجاهدين ومرابطين. فمن الحتم اللازم ان أوائل الذين قدموا أقاموا في تلك البقعة ودفن من مات منهم في مقبرة المصلى لتكون آخر الدنيا وأول الآخرة بالنسبة اليهم وهو ما يبرر وجود مقام للصحابية أم حرام. وبقي مجاورو الجامع يدفنون موتاهم في المصلى الى ان أوقف الدفن فيها الة ان قبورهم اندرست وآثارهم طمست وذهبت آثارها وبقيت أخبارها:
وإذا تأملت البقاع وجدتها
تشقى كما تشقى الرجالُ وتسعدُ
بعد فتح دمشق الذي تم في شهر رجب سنة 14 هـ/634م خرج يزيد بن ابي سفيان وبصحبته اخوه معاوية نحو الساحل ففتح صيدا وعرقة وجبيل وبيروت وهي ثغور ساحلية، فتم فتحها فتحاً يسيراً وذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولم تكن بيروت عندما دخلها المسلمون لأول مرة ذات اهمية لقلة عدد سكانها وضعف عمرانها. وكانت بقايا متناثرة من الانقاض التي تخلفت عن الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة في العقد السادس من القرن السادس الميلادي (551 م). وقد وجه الخلفاء الراشدون عنايتهم الى ساحل الشام عامة وإلى بيروت خاصة، وأوعزوا الى عمالهم بان يعمروه ويشحنوه بالجنود ، وان يمنح هؤلاء الجنود اقطاعات وعطايا من اجل السكن وصد هجمات الروم.
نقل المؤرخون أن أبا الدرداء وسلمان الفارسي كانا من أوائل من قدم للمرابطة في بيروت وقد أقاما فيها أربعين يوماً التي هي تمام الرباط. وتحولت وغيرها من الثغور الساحلية الى رباط للصحابة رضي الله عنهم وللتابعين وتابعيهم. والرباط في الثغور كبيروت يفضل الرباط في السواحل الأخرى لتعرضها للخطر الدائم. وفي التاريخ الكبير للبخاري أن سلمان حين نزل بيروت اجتمع عليه المسلمون في مسجدها فحدثهم قائلاً «يا أهل بيروت ألا أحدثكم حديثاً يذهب الله فيه عنكم غرض الرباط ؟ سمعت رسول الله # يقول رباط يوم كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من فتنة القبر وأجري له ما كان يعمل الى يوم القيامة.
اوضح الدكتور عمر تدمري في كتابه «طبقة التابعين وتابعي التابعين في القرن الأول والثاني الهجريين» أن الكثير من التابعين وتابعيهم نسبوا الى بيروت متل شهر بن عباس البيروتــــي وأبو بكر البيروتي وأحمد بن عبد الرحمن البيروتي واسماعيل بن زياد السلمي ابو الوليد «القاص» واسحاق البيروتي وحسان بن سفيان الساحلي نزل بيروت للرباط وحسان بن عطية الذي نشأ وعاش في بيروت ورجاء البيروتي بن عبد الرحمن من أهل بيروت وسالم بن المنذر البيروتي الذي شهد جنازة الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز نزل بيروت روى عنه كثيرون من البيارتة وسليمان الخواص كان ينزل بيروت ويجالس الأوزاعي وصخر بن جندل قاضي بيروت وعبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي وهو من أهل بيروت الذي كتب نسخة ابن الأوزاعي في الحديث عن أبيه وغيرهم.
مقابر بيروت
ان غياب الوثائق لا يسهل علينا إعادة تركيب خريطة توضح نقاط تمركز المرابطين المسلمين وموقع أول مسجد اتخذوه للصلاة . علماً بأن قلة الوثائق المتوافرة لنا أو ضعف المصادر والتي من المحتمل أن تكون مستحدثة، يجعل البحث لا يخلو من الصعوبة. ولاسيما متابعة مسيرة المسجد المذكور بعدما رزحت بيروت تحت الحكم الصليبي عشرات السنين. فمن المعروف أنه عندما تتعرض سفينة للغرق يتعلق بحارتها بقطع متناثرة كما يتعلق المؤرخون بما في كتب الرحلات والتراجم والتاريخ والحديث. ونضطر لعدم إهمال أية معلومة وإلا لأصبحت صحف التاريخ بيضاء من غير سوء. لقد اضطررنا الى جمع الشواهد الشاردة من الأخبار والمعلومات من مظانٍ متنوعة كي نتمكن من إعادة جمع ولو صورة قريبة للمتاهة (Puzzle) والى أن تظهر معطيات جديدة يتعين علينا الاكتفاء بما لدينا. وإذا كانت الروايات تستند في العمق الى حقيقة تاريخية، فإن من الصعب العثور على هذه الحقيقة تحت ركام الكم الهائل من الروايات الهائلة والمتعددة والمتناثرة والمتناقضة في كل موضع ولكن من غير الجائز رغم ذلك اختراع أحداث لغاية ردم ثغرة غامضة.
وقد ظهرت أسماء ترب بيروت في الوثيقة المؤرخة في غرة ذي الحجة سنة 1297 هـ / 1880م التي تفيد تخلي عبد الله محمد خرما الناظر على « الترب المعروفة بتربة الباشورة وتربة الصنطية وتربة المصلى والخارجة ..» الى حسن محرم بك رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت.. وهذه القواعد تنطبق على سائر مقابر بيروت فمقبرة السنطية كانت خارج الباب الغربي لبيروت ومقبرة الباشورة خارج باب الدركاه جنوب المدينة ومقبرة المصلى كانت خارج سور بيروت قرب ساحة المصلى التي كانت تقام فيها صلاة العيد وقد عرفت أيضاً بمقبرة الخارجة لأنها خارج سور المدينة ولا تمدنا الوثائق الشرعية والتاريخية بمعلومات دقيقة عن نشوء المقابر المذكورة وأصل تسميتها فالوثائق الشرعية المتوفرة تعود الى سنة 1843م عندما فتحت سجلات لمحكمة بيروت الشرعية بعد انسحاب جيش إبراهيم باشا وعودة السلطة العثمانية المباشرة الى بيروت وان كانت بعض الوثائق القديمة موجودة لدى بيوت البيارتة ولاسيما تلك المتعلقة بالأوقاف. وقد ورد في تلك السجلات بالنسبة للمصلى . في آخر صفر الخير سنة 1259 هـ/1842م ردت دعوى احمد الحوت ومطالبته بعودة في مزرعة الصيفي بالقرب من «جبانة المصلى التحتية» وفي 7 جمادى الثانية 1260 هـ /1844م باع البادري مبارك اليسوعي بستاناً في مزرعة الصيفي يحده غرباً «جبانة المصلى التحتانية».
وذكرت في وثيقة أوقاف أحمد القباني بستان موقوف شماله «تربة الغرب» (يطلق الغرب على دول شمال افريقية والأندلس المغاربة وفي امثال البيارتة ما حدا يأتي من الغرب بسرّ القلب).
يذكر ان النابلسي قدم من دمشق الى حمص فجبلة فاللاذقية فطرابلس فالبترون وجبيل الى نهر الكلب الى ان قال «زرنا مقام الخضر عليه السلام ومررنا على قبر ام حرام وهي مدفونة في مقبرة بيروت... ثم دخلنا بيروت ...» يذكر ان المقبرة التي تلي موقع مقام الخضر جنوباً هي التي عرفت فيما بعد بمقبرة المصلى أو الخارجة فإذا كانت ام حرام مدفونة فيها ما يدل على انها أقدم مقبرة إسلامية في بيــروت .علماً بان ناصر خسرو زار بيروت سنة 1047م آتياً من طرابلس لم يذكر اية مقبرة ومثله اوليا شلبي الذي زار بيروت سنة 1630م. اما دارفيو الذي زار بيروت سنة 1660م فأشار الى مقبرة إسلامية قرب المرفأ وقال عند حديثه عن مقبرة بيروت عند باب المدينة والمقصود بها مقبرة الخارجة أو المصلى «مقبرة إسلامية كبيرة فيها أضرحة ضخمة كثير منها فوقه قباب أو عقود من أحجار قديمة وان موعد زيارة النساء لها هو يوم الجمعة يأتين مع خدم يحملون جفنة نحاسية مليئة بالأرز واللحم يوزعنها عن أرواح موتاهن».
كان للمسلمين في بيروت حتى أواسط القرن التاسع عشر عدة مدافن هي: مقبرة الخارجة: سميت كذلك لوقوعها ظاهر المدينة. قامت مكانها بناية بيبلوس بعدما اوقف الدفن فيها ايام الانتداب ونقل بعض الرفات الباقي فيها الى مقبرة الباشورة.مقبرة الغربا (كانوا يلفظونها دون همزة في آخرها) لدفن الغرباء من المسلمين ومن غيرهم الذين كانوا يأتون الى بيروت أو يمرون فيها. مقبرة المغاربة (او الغرب؟) وهي مثل الغربا كانت جزءاً من مقبرة الخارجة وكان يدفن فيها ابناء المغرب العربي. وقد نظم المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله قصيدة مدح فيها الشيخ عبد الرحمن الكزبري الذي قدم الى بيروت سنة 1813م ذاكراً فيها بعض المقامات والزوايا التي زارها الكزبري ومنها:
وأم حَرَام عمّة لابن مالك
خديم رسول الله وهو المحبّب
وأم حرام صحابية جليلة لها أخت بطلة اسمها أم سليم بنت ملحان تلقب بالعميصاء. ويقول البيارتة أن أم حرام دفنت في جبانة المصلّى عند بوابة السرايا. وكان لها هناك ضريح فوقه قبة نقل الى مقبرة الباشورة (إذا صحّ ذلك فتكون مقبرة المصلى أقدم مقبرة في بيروت). وقد حققنا خبر جهادها ووفاتها في كتابنا (زوايا بيروت).
وكان كثيرون من البيارتة يوصون بأن يدفنوا بجوار ضريح الصحابيـــــــة أم حرام في المصلى (كما يجري حالياً مع مقام الإمام الأوزاعي؟). وبالفعل فقد دفن من البيارتة في جوارها محمد أديب محرم شيخ السجادة القادرية في بيروت سنة 1878م وعمر غزاوي سنة 1885م والمفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري سنة 1905م وحسن طبارة سنة 1906م.
ممن دفن بجوارها الحاج محمد الجبالي من علماء تونس وأشرافها وكان أتى الثغر ذاهباً للمدينة المنورة فتوفي في لوكندة المنظر الجميل. وذكر ان ضريحها نقل اثناء الانتداب الفرنسي وبعد إقفال مقابر المصلى والخارجة الى مقبرة الباشورة ضمن موكب مهيب.
قد جاء ذكر مقبرة المصلى في وصفٌ مفصّل على لسان رحالة روسي زار بيروت سنـــة 1844م قال: «تنبسط وراء بوابة المدينة مباشرة ساحة مستديرة كبيرة تتوسطها شجرة ضخمة (جميزة المصلّى) تمتد أغصانها من حولها الى مسافة بعيدة على شكل خيمة كبيرة ، يجلس تحتها باستمرار في أيام الحرّ بضعة أشخاص من الأغنياء الذي لا عمل لهم والهاربين من أجواء المدينة الخانقة، للترويح عن أنفسهم والاستمتاع بالنسيم البارد والهواء النقي. كذلك يأتي الفقراء الذين أنهكهم العمل والحرّ الشديد ليستريحوا في ظلها المنعش وينسوا أحزانهم ومتاعبهم ولو للحظات يسيرة. وعندما تعتدل درجة الحرارة، يخرج الشبان العرب جماعات جماعات للهو والمرح. فترى في كل مكان بعض المسلمين وقد بدا عليهم الوقار، يفترشون بعض السجاجيد ويؤدون عليها صلاة المغرب. بينما يتوضأ آخرون استعداداً للصلاة فيغسلون وجوههم وأيديهم وأرجلهم بماء عذب يؤخذ من نافورة ماء مقبرة لا تنضب. وعلى طرف الساحة من ناحية المدينة ، تمتد مقبرة صغيرة تظهر فيها بين الحين والآخر نساءٌ مسلمات يرتدين أثواباً بيضاء فضفاضة متشابهة تغطيهن من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين حتى لنحسبهن تماثيل من المرمر فوق القبور.
قد جاء في الوثيقة المؤرخة في 27 شعبان المعظم سنة 1308هـ / 1891م الخاصة بعقارات موسي ديمتري نصور سرسق وأبنائه جرجي وميخائيل والفرد ذكر لمقبرة المصلى و تكية المقبرة المذكورة...» وجاء في الوثيقة المؤرخة في آخر شوال سنة 1308 هـ/1891م والخاصة بنقل عقارات جرجس يوسف طنوس التويني الى أبنائه نخلة وجبرائيل وحنا والفرد التويني ذكر مقبرة الغرباء ... وسوق الغرباء من محلة الدباغة. وفي تحديد أدق لما سمي بتكية الغرباء يفيدنا الإعلان الصادر عن مديرية المعارف في بيروت في آب 1893 م بتأجير الأملاك المختص إيرادها بالمكاتب الابتدائية بالمزايدة ومنها خان ودكانين منه «أمام تكية الغرباء...»
وجاء في وثيقة وقف عبد الخالق نصوحي بك قطعة أرض وهو ما عرف بوقف العلماء أنه يحد تلك القطعة «قبلة مقبرة الإسلام المعروفة بالخارجة...».