يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {جعل لكم من انفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات}.
فالزواج في الإسلام وتأسيس الأسرة يُشكّل اللبنة الأولى لبناء المجتمع وهذه اللبنة إذا لم نحافظ على سلامتها وحمايتها من كل فساد فسنعيش في مأزق كبير.
ولا شك إن الإنسان حين يقرأ قول الله تعالى: {أن من أزواجكم واولادكم عدو لكم} يعرف تماماً حجم المسؤولية التي تترتب على بناء الأسرة وبالتالي على كل إنسان يريد بناء أسرة ان يكون مؤهلاً لهذه الخطوة.
طبعاً الأمور العامة اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال ولكن الأساس هو دور الفرد المسؤول عن هذه الأسرة.
ونحن إذا تأملنا المجريات الأخيرة التي حدثت وأدت إلى إنتشار الجرائم داخل الأسرة سندرك أن خللاً كبيراً شاع في مفهومنا لمعنى الأسرة ولمعنى الزواج ولكل المعاني المرتبطة بالزوجة والابناء.
جرائم تتكرر
{ ففي أقل من شهرين طالعتنا الأنباء بأخبار جرائم كثيرة ارتكبت داخل الأسرة، «زوج يقتل زوجته»،«ابن يُطلق النار على ابيه»، «زوجة تضرب زوجها» وهكذا حتى تحوّلت الأمور إلى مادة إعلامية بعيداً عن الإنتباه لخطورتها في المجتمع.
كل ذلك والناس تعيش في أزمة إقتصادية وإجتماعية وشبه غياب لمعنى الأمن في المجتمع مما يعني أن الخطر في أزدياد.
فالأهل مشغولون بلقمة عيشهم والمدارس مشغولة بسلسلة الرتب والرواتب، والجامعات برفع الأقساط ليبقى بناء الأسرة غائباً عن أذهان الكثيرين.
كل هذا يترافق مع تخبط فكري في مسألة الرادع الفعلي لتكرار هذه الحوادث فما بين أصوات تعتبر اعدام القاتل وحشية، وأصوات تبرر القتل بخلفيات نفسية مرضية واصوات ثالثة تعمد إلى التلاعب لتعلل الجرائم بأنها جرائم شرف ضاع العقاب وإستسهل النّاس إرتكاب الجريمة.
أدوار مطلوبة
أما الأدوار المطلوبة فهي كثيرة فللإعلام دور وللتربية دور، ولدور العبادة دور وللمثقفين دور، ولكن يبقى السؤال من الذي يمارس دوره.
المشكلة هي أننا جميعاً نغرق في ثقافة التبرير وفي خطيئة إلقاء اللوم على الآخر، والكارثة الأكبر اننا إلى اليوم لم نتجرأ بعد على مواجهة الذات والبدء بعملية إصلاح شاملة تحفظ المجتمع من المزيد من تلك الجرائم...
عريمط
{ القاضي الشيخ خلدون عريمط قال معلقاً حول هذا الموضوع:
- من المؤلم والمؤسف في آن ان الأسرة اللبنانية تعاني خللاً متعدد الوجوه وهذا الخلل ناتج باعتقادي من تداعيات الحرب الأهلية التي عبثت بالأسرة اللبنانية امنياً وسياسياً واخلاقياً، فباعتقادي ان هذه الظاهرة التي اشرت إليها هي نتاج لتلك الحروب العبثية السياسية التي ما زال المجتمع اللبناني يُعاني منها، صحيح ان الحروب العبثية بالسلاح توقفت غير ان الحروب العبثية المذهبية والطائفية من خلال السلوك والصراعات السياسية ما زالت الساحة اللبنانية تعاني منها والعائلة اللبنانية هي المكون الأساسي للمجتمع وللوطن فكيف يُمكن ان تكون هذه العائلة اللبنانية سليمة متعافية والوطن والمجتمع اللبناني ما زالا يشهدان يومياً هذه الصراعات السياسية والمذهبية والمناطقية حتى ان الفساد كاد ان يعشعش في كل زاوية من زوايا هذا الوطن.
وتابع: من المؤسف ان كل هذا الفساد والإفساد والفوضى والتفسخ يحمي الطائفية والشعارات المذهبية باسم حقوق الطوائف والمذاهب حتى باتت كل الطوائف والمذاهب تعيش قلقاً وانكفاءً وحتى تقوقعاً حتى بدأنا نشعر بأننا نعيش في ولايات طائفية لبنانية وليس في دولة وطنية لبنانية.
هذه العوامل كلها حكماً انعكست سلباً على العائلة اللبنانية وهذه السلبية المفرطة أدّت إلى تفسخ العائلة اللبنانية وانتشرت بين افرادها بعض الجرائم حتى ان وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تفاجئنا يومياً بقتل زوج لزوجته واعتداء زوجة على زوجها أو اعتداء ابن على والديه أو تخلي والدين عن ولدهم أو شرود هذه المرأة أو ضياع هذا الكهل أو انحراف ذاك الأبن من خلال انتشار تجار المخدرات بالجملة والمفرق وهذا الخلل في الأسرة اللبنانية لا يُمكن ان يصحح إلا بقيام الدولة فعلياً لا بالشعارات، وتكون هذه الدولة الدولة القوية والقادرة والعادلة لتبقى هي وحدها الراعية للشأن اللبناني ويكون الجميع مسؤولين ومواطنين تحت سقف القانون لا ان يتم التهرب أو المماطلة في تطبيق القانون.
الناحية الدينية
وقال: اما من الناحية الدينية فلا شك أن المؤسسة الدينية بشكل عام إسلامية أو مسيحية لا بدّ لها من ان تلعب دوراً أكثر فعالية بحيث ان تعمل هذه المؤسسة أو تلك على أرض الواقع من خلال الندوات والخطب والمواعظ، فعلى العلماء ورجال الدين مسلمين ومسيحيين ان يعملوا بجد ونشاط على نشر ثقافة الرحمة والتراحم والمحبة والتعارف واحترام الآخر لينتج هذا العمل ثقافة المواطنة المؤمنة الصالحة وهذا يتطلب جواً وبرامج وكتباً لإعادة تأهيل المواطن اللبناني والأسرة اللبنانية التي عبثت بها الحروب العبثية سواء كانت هذه الحروب عسكرية أو سياسية أو إعلامية أو حتى مناطقية، نحن في لبنان نعيش أزمة اجتماعية حقيقية فعلى القيادات السياسية ان تتقي الله بالناس وعلى المؤسسات الدينية أن تنهض بالمجتمع.
وقال: صلاح الأسرة اللبنانية هي الركن الأساسي لبناء الوطن ونهوض الدولة وعبثاً يحاول المحاولون قبل تحصين الأسرة اللبنانية لتعود لها اصالتها وايمانها واحترامها لذاتها وللآخرين..
دور الأهل والإعلام
وتابع: لا شك بان الآباء والامهات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس كل منها عليها ولها دور في إعادة تأهيل الأسرة اللبنانية ليكون صلاح هذه الأسرة مقدمة أساسية لصلاح الوطن فلا وطن موحد بدون أسرة لبنانية صالحة ومؤمنة ليبقى لبنان كما كان وطناً للانسان والايمان والابداع...
فمن المؤسف ان الإعلام بعد انتهاء الحرب الأهلية العبثية في لبنان لم يكن اعلاماً وطنياً جامعاً، ولذلك عليه مسؤولية كبرى، لأنه في كل بيت، والإعلام يُشكّل الآن ثقافة الرأي العام ولا بدّ من تعاون كل الفئات المؤثرة لإيجاد ميثاق شرف بينها يُركّز على ثقافة المواطن وتربية المواطن لينشأ لدينا تربية الأسرة الصالحة والمجتمع الصالح والوطن الصالح.