في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد نحتاج جميعا وبشدة إلى أن نتعلم ماذا تعني «فضيلة الصمت» في مثل تلك الظروف... لا لأن الصمت دليل ضعف أو جهل، وإنما لأنه إشارة على حسن إدراكنا للمسؤولية التي نحن مطالبون بها.
وحين أقول الصمت فأنا أتحدث هنا عن ترجمة حضارية لوعي إيماني وفكري ووطني لا بد أن يتجلى في بلادنا، خاصة وأننا ومنذ أيام لاحظنا جميعا كيف أن أربعة ملايين مواطن لبناني (وهم تعداد السكان تقريبا) تحولوا إلى محللين سياسيين واستراتيجيين وعسكريين واقتصاديين من حولنا..؟!
بل بات كل واحد منهم يطلق الكلام على عواهنه كيفما شاء ووقتما شاء وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي..؟!
إنني أقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» فألمس فيه توجيها نبويا واضحا بأن الحديث بما لا نعلم ولا ندرك هو نشر للشائعات الفاسدة التي تضر بالمجتمع من كل النواحي...؟!
ثم أقرأ قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال».. فأرى بأمّ عيني كيف انقلب المجتمع بمفاهيمه وسلوكياته حتى أصبح «القيل والقال» أساسا فيه وإن كان على غير بينة..؟!
نعم .. منذ أيام وجميعنا نراقب ما يدور في بلادنا، ولكن أتساءل وبجدية.. ألم يقرأ هؤلاء ما قاله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: « أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا».. فكيف إن كان المجادل غير محق .. ولا يعلم .. وليس لديه بينة.. وليس من أهل الذكر ولا من أهل الاختصاص.. ولا يعلم عن الأمر شيئا لا من قريب ولا من بعيد... فكيف سيكون الحال عندها..؟!
إننا في هذه الأيام نحتاج كلنا لأن نلتزم بالمسؤولية الكبرى التي تحمي البلاد من كل شر أو ضر أو سوء أو فساد أو فتنة، كما نحتاج إلى أن ننمي فضائل الصمت البليغ في نفوسنا فلا نتحدث بأي كلمة قد تؤدي إلى بلبلة نفسية أو اجتماعية أو إلى نشر ما هو غير صحيح..؟!
إن التحدث بما لا نعلم ولا نفقه هو من الفتنة التي قد تقلب الطاولة رأسا على عقب ونصبح جميعا من الخاسرين... فالكلمة نور وأحيانا هي قبور... فإياكم أن تكونوا بألسنتكم ممن حفروا القبور ثم رموا الناس فيها...فإن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: (إياكم والفتن.. فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف)...
فهل سنرتقي إلى هذا المستوى..؟!