بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيار 2023 12:00ص بيروتيّات (35).. المرسح والتشخيص والستارة والدعاء للسلطان

حجم الخط
سادت في المسرح تقاليد منها ما يزال معمولاً به، فما نسمعه من ثلاث ضربات قبل فتح الستارة إيذاناً ببدء التمثيل، ليس بالأمر الحديث، فقد قيل ان ذلك انتقل الى أوروبا من اتصالها بالأندلس وهو ما كان يقوم به الإمام في صلاة الجمعة، فقد كان يطرق بعصاه أول درجة من المنبر عندما يصعد للخطبة من أجل تنبيه المصلين، ويطرق ضربة ثانية في وسط المنبر والضربة الثالثة عندما يصل الى أعلى المنبر ويتهيأ للخطبة.
*****
استعمل مارون النقاش في مسرحياته لفظة «مُلْعَب» واستعمل شقيقه نقولا نقاش لفظة «مرسح»، فيما زعم البعض ان أصل كلمة مسرح هي مزرح. ويعود الفضل الى المعلم بطرس البستاني الذي وضع سنة 1870م لفظة المسرح في قاموسه «محيط المحيط».
أما لفظة التمثيل فهي حديثة نسبياً سادت في أوائل القرن العشرين وكانت قبل ذلك تستعمل لفظة «التشخيص» والمشخص للممثل. واستعمل كتّاب المسرح قديماً لفظة «الرواية» وعني بها مسرحية. وقد ذكر النقاش ان أحد أنواع المسرح الافرنجي يسمّى «بروزه» من اللاتينية prosa والفرنسية prose وعنى بها المسرحية النثرية، فيما يسمّى النوع الآخر أوبرا ملحّنة تجنح العامة إليه وقد اضطر الى التلحين بنفسه. ويشير نقولا النقاش في تقديمه لكتاب «أرزة لبنان» الى ان شقيقه كان يتملق الجمهور ليحضروا رواياته ولم يلبّه إلا القليل.

أبيات على ستارة المسرح

وجرت تقاليد عرض الروايات في بيروت على تدوين بعض أبيات شعرية على ستارة المسرح ومنها ما كان يفصح عن موضوع الرواية ومنها ما كان يشيد بالسلطان العثماني. ففي سنة 1867م مثّلت رواية «حكمة الأفكار» للشاعر قاسم أبو الحسن الكستي (أعيد تمثيلها سنة 1875م في مسرح سورية عند برج الكشاف) وكتبت على ستارة المسرح أربع أبيات:
يا أيها القوم الذين بهم غدا
هذا المكان مكلّلاً بوقار
إني أتيت لكم بحسن رواية
أهدت عقود الدّر للأبكار
سمّيتها من بعدما اتعظت بها
نفس الزمان بحكمة الأفكار
قد كنت قبلاً بالضمير حجبتها
فأبت ولاحت من وراء ستار
وكُتب على ستارة مسرح رواية مُثّلت في دار آل الغندور بمناسبة زفاف مصطفى سعد الدين الغندور ثلاث أبيات من نظم الشيخ الشاعر عمر الأنسي ذكر فيها السلطان عبد العزيز:
روايات الهنا يا رب قامت
بنا والكل ممتثلون أمرك
بأيام الخليفة ذي المعالي
عزيز الملك من قد حاز نظرك
أدم يا ربنا الأفراح فينا
وأسبل يا جميل الذكر سترك
وعندما عرضت رواية «السليط الحسود» لمارون النقاش، أنشد الممثلون:
يا سامعاً منّا الندا
يا مروّياً منا الصدى
احفظ لنا سلطاننا 
عبد المجيد الأمجدَ
وضع الشاعر عمر الأنسي رواية بعنوان «كشف الظنون فيما جرى بين الأمين والمأمون» مثّلت سنة 1874م في المدرسة الجديدة أمام الباشورة فكتب على ستار الرواية:
رواية أفراح، روايتنا غدت
بمن شرّفوها بالحضور الى هنا
وسلطاننا عبد العزيز تفضّل
حبانا كل السرور إلهنا
أدمه يا ربّ جاهاً وملجأ
وأسبل علينا الستر بالأمن والهنا
ويذكر المخضرمون ان المخايل كان يبدأ مسرحية قره كوز وعيواظ بقوله:
لو تعلم الأرض من زارها فرحت
واستبشرت وباست موضع القدم
وأنشدت بلسان الحال قائلة
أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكرم
في أيار 1894م مُثّلت رواية «جزاء الشهامة» في دار مدرسة الروم الأرثوذكس بحضور الوالي فكُتب في أعلى الستار البيتان الآتيان من مؤلف الرواية سليم جدي:
لبني عثمان دولة
صانها في نعم رب الجلال
فليعش سلطاننا منتصراً
ما تجلّت نجمة حول الهلال

أدوار وأغاني بين الفصول

شكا بعض الذين حضروا المسرحيات سنة 1881م من مرور صاحب القهوة بين الصفوف رافعاً فوق الرؤوس ما يضربه ويهزّ المسكوك النحاسي فيه تنبيهاً وكأن القوم في حانة أو مقهى. ودرجت عادة مقدمي الروايات على الإعلان بأن محل «الستات على حدة» أو ان «محل النساء مفروز».
كما جرت العادة على تسلية الحضور والتخفيف عنهم من متابعة حوار المسرحية مدة طويلة وذلك بأن يتخلل الفصول غناء عربي. ففي سنة 1895م قامت الست ليلى مع جوقها المصري المنظم بالغناء بين الفصول. وفي سنة 1897م غنّت «الست روجينا الشامية» في قهوة زهرة سوريا بين فصول مسرحية «عاقبة الغرام» المؤلفة من 1200 بيت من الشعر.
وعندما مُثّلت سنة 1895م رواية «الحسود» تخلل الفصول غناء من المطرب الشيخ صالح العربي التي قدم من مصر. وقدّمت سنة 1900م رواية «الأمير عنتر» وهي أدبية غنائية تاريخية حماسية ملحّنة قام بأهم أدوارها حسن صالح ورحمين أفندي المصري، وعند انتهائها قدّم عمر أفندي فارصة مضحكة وقام صالح ورحمين في مسرح زهرة سورية بتمثيل رواية ربيعة بن زيد المقدم فقدّم انطوان افندي المصري «فارصة» ضحية الحب. وفارصة تعريب للفرنسية farce بمعنى هرجة وهي تمثيلية هزلية مضحكة يغلب فيها التهريج والمرح وهي من نوع الفودفيل vaux de villes a quiproquo التي ترجم منها الكثير الى العربية.
ويبدو ان الشعب كان يميل للطرب ولم يرقه التمثيل إلّا إذا امتزج بما يحرك العواطف من الألحان الشجيّة. يُذكر ان جورج أبيض كان سنة 1913م يمثل رواية لويس الحادي عشر فلما أخذت الفرقة تغني نشيداً لحّنه الشيخ سلامة حجازي استولى الطرب على قلوب الحاضرين فصفّقوا تصفيقاً شديداً. ومثّلت فرقة سليم النقاش سنة 1876م في مسرح سورية رواية «الشيخ الجاهل» لنقولا النقاش فجرت بين الفصول ألعاب لطيفة من جماعة لويجي برتولي الايطاليين. ومثّلت فرقة سليم النقاش بعد ذلك رواية «الموصي».

التنزيلات على الألحان الشعبية أو الصوفية

ومن المهم الإشارة الى ان بعض المسرحيات ولا سيما التي قدّمها مارون النقاش وتلك التي نظّمها وقدّم بعضها الشيخ إبراهيم الأحدب، كانت تتخللها أغنيات استعار المؤلفان ألحانها الشائعة لدى العامة ونظّما على قدّها. وسنخصص فقرة خاصة بذلك وهو ما عرف بالتنزيلات على الألحان الشعبية أو الصوفية (وسنخصص مقالا خاصا بذلك).
ونقول على سبيل المثال ان النقاش في مسرحية «البخيل» وإبراهيم الأحدب في مسرحية «يزيد مع حبابة وسلامة» استعارا ألحان أغنيات شعبية شائعة مثل:
بأبي باهي الجمال
مائس القدّ
قدّه فاق العوالي 
آه لو يجدي
وأغنيات: 
شجني يفوق على الشجون
يا مائساً فضح الغصون
وصل الحبيب متى يكون
لمتيّم قلق الجفون
يا صاح كم من عاشق
في عشقه ذاق المنون
لا تعشقن مدللاً
فدلاله يورث الجنون
ولحن أغنية:
ليالي الوصل عندي عيد
وأوقات اللقا مغنم
وقربي من مليك الغيد
لأمراض الحشا مرهم
ولحن أغنية:
يا من لعبت به شمول
ما ألطف هذه الشمايل
نشوان يهزّه دلال
كالغصن مع النسيم مايل
لا يمكنه الكلام لكن
قد حمّل طرفه رسايل
ما أطيب وقتنا واهنأ
والعاذل غائب وغافل
وقد تتخلل بعض المسرحيات أو تختتم بأناشيد تشيد بالسلطان «يا رب يا آلهنا، أعزّ باد يشاهنا
احفظ وأبدّ يا مجيد
سلطاننا عبد الحميد
كذا خديوينا الفريد
بدءاً وحسناً وختام
أو دور
دام في عزّ مشيد
غوثنا عبد الحميد
وبه نجم السعود
قد تبدّى في صعود
ويبدأ الفصل الثاني في رواية «أبو الحسن المفضل» لمارون النقاش بنشيد للجوقة تقول:
يا مالك الملك الأمين
احفظ أمير المؤمنين
أدمه للممالك
واحرسه بالملايك
يا رب البريّه
أبّد الدولة العليّه

* مؤرخ